من يقرأ التاريخ سوف يرى عجبا، سوف يدرك الحقيقة الأبدية أن الدنيا أيام يداولها الله بين الناس ,لا نجاح يدوم، ولا فشل يستمر، لا شىء يبقى على حاله، فالحياة تدور، كل شىء يتغير، المهم أن نتعلم من التاريخ، ففى هذا الشهر تحل ذكرى يوم هام فى تاريخ الأمة، لم يتذكره أحد، رغم أننا يجب أن نتذكر ماضى أمتنا العظيمة، لنتعلم من دروس التاريخ، ففيها العبر والعظة، ففى يوم عد على أنه من أسود الأيام فى تاريخ الأمة الإسلامية، يوم الأحد 14 من صفر سنة 656 ه الموافق 10 فبراير سنة 1258م، حلت الفاجعة الكبرى، انهارت الخلافة العباسية، إلى بلاد ودويلات متفرقة وضعيفة، إذ خرج الخليفة المستعصم من بغداد ومعه أبناؤه الثلاثة أبوالفضل عبد الرحمن، وأبوالعباس أحمد، وأبوالمناقب مبارك، يرافقهم ثلاثة آلاف من السادات والأئمة، والقضاة والأكابر والأعيان، لتسليم أنفسهم وعاصمة الخلافة الإسلامية بلا قيد ولا شرط، ورافق هذا الخروج الجماعى للاستسلام الذليل، صراخ وندب وصياح من النساء، وارتفعت أكف عشرات الآلاف من المسلمين فى وقت واحد تتضرع إلى الله أن يرفع عنهم الغمة، فى جو قاتم مشحون بالرعب والدماء ورائحة الموت. إذ أعطى هولاكو الأوامر بإباحة بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية بالكامل، وتم توزيع قادة المغول والضباط وفرق الجيش على أحياء ودروب بغداد، يفعلون فيها مايشاءون، فاجتاح المغول المدينة بلا أية ضوابط، فقتلوا الرجال والأطفال، وهتكوا أعراض النساء، وبقروا بطون الحوامل، وقتلوا كل حى رأوه، ولم يسلم منهم إلا من اختفى منهم فى باطن الأرض، أو تصنع الموت ونام بين الجثث المقتولة !!، تم قتل ما يقرب من ثمانمائة ألف نفس فى بغداد، وتخريب آلاف المبانى والقصور، فكانت أرض بغداد مخضبة بالدم، مليئة بجثث القتلى، وهواؤها فاسدا عفنا من رائحة الجثث المترممة ولم تجد من يدفنها، وانتشرت الأوبئة والأمراض من جراء ذلك، حتى أن هولاكو نفسه غادر بغداد هربا من رائحتها إلى قرية وقف، وهناك استدعى الخليفة العباسى الذى يأس من إنقاذ حياته، ولذلك استأذن هولاكو فى الذهاب إلى الحمام ليجدد اغتساله، فأمر هولاكو بأن يصحبه خمسة من المغول، لكن الخليفة رفض قائلا: أنا لا أريد أن أذهب بصحبة خمسة من الزبانية، وفى مساء نفس اليوم 24 صفر 656 ه الموافق 20 فبراير سنة 1258 م، قتل الخليفة وكان عمره 46 سنة، وقتل معه ابنه الأكبر أبوالعباس أحمد وكان عمره 25 سنة، وابنه الأوسط أبوالفضل عبدالرحمن وكان عمره 23 سنة، وأسر ولده الأصغر مبارك، وأسرت إخواته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم، وقتل خمسة من الخدم كانوا فى معية الخليفة، وقتلوا كل من وجدوه حيا من العباسيين، وتم أسر ما يقرب من ألف بكر من نساء دار الخلافة، وفى يوم الجمعة 23 من ربيع الأول رحل هولاكو عن بغداد قاصدا معسكره فى خانقين، حيث أرسل لأخيه منكوبان كثيرا من الغنائم والأموال التى نهبت من بغداد، يقول ابن كثير: اختلف الناس فى عدد من قتل ببغداد من المسلمين فى هذه الواقعة، فمنهم من قال ثمانمائة ألف، ومنهم من قال ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل بلغ القتلى ألفى ألف نفس، وقال: كانت جثث القتلى فى الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليها المطر، فتغيرت صورهم، وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد، حتى تعدى وسرى فى الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع من بقى على الوباء والغلاء والفناء، والطعن والطاعون. ومرت الأيام ودارت دورتها، وسرت سنة الله على كل خلقه، من أمم وأفراد، المنتصر انهزم، والمهزوم انتصر، فدرس التاريخ يقول إن الحياة قد تتعثر ولكنها لا تتوقف، وإن الأمل قد يقل ولكن لايموت أبدا، والفرص قد تضيع ولكنها لا تنتهى، والأفراح قد تغرب ولكنها تعود وتشرق من جديد، الأكيد أنه لا حزن يدوم، لكن الأكيد أيضا أنه لا فرح يدوم.