فى يوم الأحد 14 من صفر سنة 656 ه الموافق 10 فبراير سنة 1258م، خرج الخليفة المستعصم من بغداد ومعه أبناؤه الثلاثة، يرافقهم ثلاثة آلاف من السادات والأئمة، والقضاة والأكابر والأعيان، لتسليم أنفسهم وعاصمة الخلافة الإسلامية بلا قيد ولا شرط للقائد المغولى هولاكو الذى كان يقف بجيشه على أبوابها. استقبل هولاكو الخليفة استقبالًا لا ينم عن غضب منه، بل سأله بأسلوب مهذب عن صحته، وكلمه بالحسنى، وطلب منه أن يأمر بخروج كل سكان المدينة من منازلهم ومخابئهم حتى يحصوهم، فخالت على الخليفة الخدعة، وأذعن لطلبه، وخرج المنادون فى كل أحياء بغداد ليعلنوا على المسلمين، أن كل من يود إنقاذ حياته وصيانة ماله وعرضه، فليخرج من المدينة، ويسلم ما فى حوزته من سلاح للمغول.. ووقع الناس فى بلبلة كبيرة، فمنهم من صدق وسلم سلاحه، ومنهم من ارتاب من سلامة الأوامر وصحتها، فاحتفظ واعتصم بداره وبقى بجانب عائلته. نصب المغول خيامًا على امتداد نهر دجله لاستلام السلاح، وجاء المسلمون جماعات يسلمون سلاحهم، وكل من دخل خيمة لتسليم سلاحه خرج من الناحية الأخرى جثة هامدة، وأدرك الأهالى الفخ المنصوب لهم، وأن المغول يذبحونهم كقطعان الغنم، ويرمون بجثثهم فى مجارى مائية متفرعة من نهر دجلة، فانتشر الخبر بسرعة، وعاد الناس للاختفاء عنهم. وفى يوم الأربعاء 17 من صفر 656 ه الموافق 13 فبراير 1258م، أعطيت الأوامر بإباحة المدينة بالكامل، وتم توزيع قادة المغول والضباط وفرق الجيش على أحياء ودروب بغداد، يفعلون فيها ما يشاءون، فاجتاح المغول المدينة بلا أية ضوابط، منهم اختبأ فى باطن الأرض، أو تصنع الموت ونام بين الجثث المقتولة !!. وفى مثل هذا اليوم من عام 1258م، دخل هولاكو بغداد لمشاهدة قصر الخليفة، فأعجب ببنائه وهندسته والسجاد العجمى الذى يكسو جدرانه، ثم أشار بإحضار الخليفة المستعصم، فجىء به مكبلًا بالسلاسل شاحب اللون حزين، فقال له هولاكو ساخرًا: إنك الآن مضيف ونحن الضيوف، فهيا أحضر ما يليق بنا، ومن فرط الخوف صدق الخليفة هذا الكلام، وبلغ من الدهشة درجة لم يعد يعرف أين وضع مفاتيح الخزائن، فأمر بكسر الأقفال وأخرج منها ألفى ثوب، وعشرة آلاف دينار، ونفائس ومرصعات وعددًا من الجواهر، قدمها جميعًا إلى هولاكو الذى لم يعر تلك الأشياء التفاتًا، ومنحها كلها للأمراء والحاضرين، ثم قال للخليفة: إن هذه الأموال التى تملكها على الأرض ظاهرة، وهى ملك عبيدنا، لكن أذكر ما تملكه من الدفائن وأين توجد؟ عندئذ اعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب فى ساحة القصر، فحفروا الأرض حتى وجدوه، وكان بالفعل مملوء بالجواهر المؤلفة من الإبريز والذهب والفضة والألماس والأحجار الكريمة، مما ادخره العباسيون من خزائن قصر بغداد وجمعوها خلال خمسة قرون، وكانت كل قطعة منها تزن مائة مثقال. بعد ذلك أمر هولاكو بقتل الخليفة هو وأبنائه وكل رجال مملكته، بعدما كان جيشه قد قتل من سكان بغداد ما يزيد على مليون نسمة، فى واحدة من أبشع المجازر فى التاريخ الإنسانى كله.