خير للكلية أن تخرج عالمًا واحدًا كاملاً.. من أن تخرج كثيرين أنصاف علماء، جملة نطق بها العالم المصرى العظيم على مصطفى مشرفة منذ ثمانين عاما، ولكن لم يلتفت إليها القائمون على حال التعليم فى مصر، ولم يعمل بها أحد، فكانت الكارثة التى آل إليها حالنا اليوم، فكان الحصاد ما نراه اليوم من كوارث وتخلف فى كل مجالات الحياة فى مصر. علينا أن نتذكر هذه الكلمات، ونعيها جيدا، ونعرف أنها الحل الحقيقى والصحيح لكل مشاكل مصر، لا سبيل للنهوض بهذا الوطن إلا بالعلم، وعلينا أن نتذكر عظماءنا، فهذا حقهم علينا، ففى 15 يناير 1950 تم اغتيال أعظم عالم فى تاريخ الحضارة المصرية كلها، الدكتور على مصطفى مشرفة رحمه الله أو آينشتاين العرب أحد السبعة الذين عرفوا سر الذرة على مستوى العالم والذى وضع مع آينشتين النظرية النسبية وهو الذى قام بالإثبات الرياضى لها، والذى نعاه آينشتين، واصفا وفاته بأن اليوم توفى نصف العلم. وعلى مصطفى مشرفة لمن لا يعرف من الشباب هو نموذج لشاب مصرى مكافح ومجتهد ومتفوق، فقد توفى والده وهو فى الحادية عشرة من عمره، وتحديدا فى عام 1907 الذى حصل "على" فيه على الشهادة الابتدائية، وكان ترتيبه الأول على القطر المصرى.. وقد توفى والده ولم يتجاوز عليًّا يتجاوز الاثنى عشر ربيعًا ربًّا لأسرته المكونة من أمه وإخوته الأربعة.. رغم ذلك كان متفوقا فى كل مراحل حياته الدراسية والعملية، إذ حفظ القرآن الكريم منذ الصغر، كما كان يحفظ الصحيح من الأحاديث النبوية.. كان محافظًا على صلاته مقيمًا لشعائر دينه كما علمه والده، وقد ظلت هذه المرجعية الدينية ملازمة له طوال حياته.. يوصى إخوته وجميع من حوله بالمحافظة على الصلاة وشعائر الدين كلما سنحت له الفرصة، وقد بدا ذلك جليًّا فى خطاباته التى كان يبعثها إلى إخوته وأصدقائه أثناء سفره للخارج، وقد عاش رحمه الله ملازمًا له فى جيبه مصحف صغير رافقه فى السفر. واستمر نبوغه طوال حياته إذ كان ترتيبه فى كل الامتحانات الأول على كل أقرانه، وظل الأول على مصر طول سنوات الدراسة، الامتحانات كانت موحدة، وفى البكالوريا التى سميت فيما بعد الثانوية العامة كان ترتيبه على مستوى المملكة الثانى بسبب وفاة والدته، وهو يؤدى الامتحانات، والتحق بمدرسة المعلمين العليا التى اختارها حسب رغبته رغم مجموعة العالى فى البكالوريا، وفى عام 1917 اختير لبعثة علمية لأول مرة إلى إنجلترا بعد تخرج، فقرر السفر والتحق بكلية نوتنجهام ثم بكلية "الملك" بلندن، حيث حصل منها على بكالوريوس علوم مع مرتبة الشرف فى عام 1923. ثم حصل على شهادة دكتوراه الفلسفة من جامعة لندن فى أقصر مدة تسمح بها قوانين الجامعة، وتفوق فيها ونبغ، فكان بذلك أول مصرى يحصل على دكتوراه العلوم، وأصغر من حصل على دكتوراه فلسفة العلوم فى كلية الملك بلندن وفى أقصر مدة زمنية على الإطلاق، وأصغر من حصل على الأستاذية فى العالم، ورجع إلى مصر، وعين أستاذًا للرياضة التطبيقية بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم مُنح درجة "أستاذ" فى عام 1926 رغم اعتراض قانون الجامعة على منح اللقب لمن هو أدنى من الثلاثين، وكان أصغر عميد لكلية العلوم فى تاريخ مصر. ومن إنجازاته العلمية رحمه الله أنه أول من قام ببحث لإيجاد مقياس للفراغ، ووضع نظرية تفسير الإشعاع الناتج عن الشمس، كما وضع نظرية الإشعاع والسرعة والتى كانت سبب شهرته العالمية وسبب اغتياله، وهو من وضع نظرية تفتت ذرة الأيدروجين التى صنع منها القنبلة الأيدوجينية، كما أنه أضاف بعض التعديلات فى نظرية الكم، وقد نشر له فى مجلة الجامعة الملكية بلندن أول خمسة أبحاث حول النظرية الكمية التى نال من أجلها درجتى دكتوراه الفلسفة ودكتوراه العلوم، وقد بلغت مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته إلى حوالى مائتين. للأسف الشديد لا يعلم الكثير من المصريين هذه المعلومات عن على مصطفى مشرفة وغيره من علماء مصر وعظمائها فى شتى المجالات، بسبب قصور فى تدريس التاريخ لطلاب المدارس، وعدم إلقاء الضوء على عظماء هذه الأمة، فلقد اهتم الإعلام لسنوات طويلة بأمور أخرى، وسيست كتب التاريخ فلم يدون بها إلا من يريد النظام الحاكم تمجيده فقط ممن يتفقون معه وحذف منها من لا يرضى عنهم النظام الحاكم، وهو ما يجب أن يتغير، إذا أردنا أن نخطو إلى الأمام وأن يكون غدنا أفضل من يومنا.