هل عدم السودان الرجال الذين يقودون مسيرته فى هذه المرحلة المهمة والحرجة من تاريخه؟ بالطبع لا والسودانيون ومعهم إخوانهم المصريون هم أساس النهضة الثقافية والعمرانية الكبرى التى حدثت فى دول الخليج خلال الثلاثين سنة الماضية. وللسودان خبرات فى جميع المجالات منتشرون فى جميع أنحاء المعمورة، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يصر (المؤتمر الوطنى) الحزب الحاكم فى السودان على البشير متحديا العلم كله، ومتسببا فى التدخل فى بلد زاخر بالكثير من الخيرات والموارد الطبيعية. ولنأخذ هذا المثال العملى والمتمثل فى المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذى يعتبره البعض - وأنا منهم - من ضمن المتسببين فى تفاقم مشاكل السودان وهو يمثل نموذجا لإخفاقات النخب العسكرية (الديكتاتورية) التى حكمت السودان لعدد من السنين أكثر مما أتيح للأنظمة الديمقراطية، رغم أن (سوار الذهب) والحق يقال لم يبق فى الحكم لأكثر من سنة واحدة، وكان زاهدا فيه ولم يتخذ أى قرارات مصيرية خلال فترة حكمة تحسب له أو عليه. وما يؤخذ عليه ويوجه له من نقد، إنه كان سلبيا ولم يستخدم (شرعيته الثورية) لإلغاء (قوانين سبتمبر) المعيبة التى مثلت أكبر (ورطة) وأسفين دقه (الهوس والتطرف الدينى) فى صدر السودان، ولم يتمكن من الخلاص منه حتى اليوم!! رغم ذلك علينا أن نعترف بأن المشير عبد الرحمن سوار الذهب، يحظى باحترام الكثير من السودانيين، ويحظى باحترام العديد من دول العالم باعتباره أول عسكرى يتنازل عن السلطة طواعية. كما أنه يحظى باحترام الإسلاميين فى السودان بدليل أنهم قاموا بمكافأته على إبقائه لقوانين سبتمبر بمنصب الأمين العام لمنظمة الدعوة الإسلامية التى تسيطر عليها الحركة الإسلامية العالمية أو تنظيم (الإخوان المسلمون) العالمى، ولا شك أن للسودان دورا كبيرا فى هذا التنظيم، خاصة خلال فترة وجود الترابى فى السلطة. وسوار الذهب .. كما هو معروف عنه يعد أحد كبار (خلفاء) أو اتباع الطريقة الختمية، وهى من أكبر الطرق الصوفية بالسودان، ولهذا يحظى بمحبة وقبول عدد كبير من أنصار الحزب الاتحادى الديمقراطى، الذى تدعمه الطريقة الختمية، وهو أحد الأحزاب السودانية التقليدية ذات القاعدة الشعبية العريضة، وهو الحزب صاحب العلاقة المميزة والتاريخية مع مصر، التى لا يمكن إخراجها مما يجرى فى السودان، حتى لو أبعدت مصر نفسها عن الشأن السودانى فى وقت من الأوقات!! فها هى (الإنقاذ) ممثلة فى (المؤتمر الوطنى) تحج إلى مصر فى كل يوم طالبة الدعم والعون والمساندة، رغم أنها بدأت بمعاداتها والتآمر عليها!! فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يصبح هذا الحلم واقعا؟ وأن يتنازل البشير بعد عشرين سنة من الحكم لسوار الذهب الذى كان بإمكانه أن يتربع على عرش السودان حتى اللحظة، مستعينا بالقوة العسكرية والبطش والتعذيب والإعدامات وتأجيج المشاعر الدينية، وأن يركب العربات المكشوفة مستغلا طيبة وتسامح الشعب السودانى الذى ترفض أدبياته وتربيته الصوفية (الاغتيالات السياسية)، وأن يقابله المواطنون (الغلابة)، مهللين ومكبرين و(متفرجين) حتى يؤكد للعالم بأنه يحظى بحب وتأييد ذلك الشعب المغلوب على أمره؟ لماذا لا يفعلها البشير أو أن ينصحه الناصحون بأن يتنحى ويسلم السلطة لسوار الذهب، كحل من الحلول المعقولة، بعد أن يشكل حكومة قومية حقيقية، يستبعد منها (المنافقون) أصحاب المصالح الشخصية الذين باعوا أحزابهم بثمن بخس، وارتموا فى حضن الإنقاذ والمؤتمر الوطنى، وقد باركت الإنقاذ ذلك الفعل، وساهمت فى تلك الانقسامات وسط الأحزاب والحركات وقربت (المنافقين) والمنتفعين، بغية إضعاف تلك الأحزاب وتفتيتها، لكنها أصبحت الخاسر الأكبر فى نهاية الأمر. وأن يمثل المؤتمر الوطنى فى تلك الحكومة بما يتناسب وحجمه الحقيقى الذى لا يزيد على 10% من أصوات الناخبين السودانيين، لا كما يدعى البعض دون معرفة أنه يمثل 90% من الشعب السودانى! حتى تتمكن تلك الحكومة القومية المتفق عليها من جميع أهل السودان (أحزاب وحركات ومستقلون) من حل مشاكل السودان الكبرى والمتمثلة فى أزمة دارفور، وفى رتق الفتق الحادث فى الجنوب والذى يهدد وحدة السودان، وهذا أكبر خطر، لا يهتم له أغلب أهل السودان والحادبون عليه، بل يسعى له (صقور المؤتمر الوطنى) سراً وجهراً!! وأن تقوم هذه الحكومة القومية (فورا) بتشكيل محاكم عادلة ونزيهة تحظى برضاء أهل السودان واحترام المجتمع الدولى، وأن يمثل أمامها كل متهم بجرائم حرب وجرائم إبادة بمن فيهم البشير نفسه. وأن تعد هذه الحكومة القومية لانتخابات حرة وديمقراطية نزيهة، تتاح فيها الفرص بالتساوى لجميع الأحزاب، لكى تعبر عن نفسها وبرامجها من خلال الأجهزة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمشاهدة. ولماذا يتصور البعض أن تحقيق هذا الحلم مستحيلا، وقد سبق أن مثل أمام محكمة سودانية بعد الانتفاضة مباشرة نائب النميرى عمر محمد الطيب، وكان من ضمن الشهود المشير سوار الذهب، الذى كان يمثل رأس الدولة فى ذلك الوقت، ووقف سوار الذهب بكل أدب واحترام أمام القاضى عبد الرحمن عبده بعد أن أدى التحية العسكرية احتراما للقضاء وللقانون، وشهد بعده عضو المجلس العسكرى الحاكم وقتها المرحوم فارس حسنى مدير الاستخبارات العسكرية!! هل يذكر هذا التاريخ القريب من يطبلون (للبشير) الآن، ويدعون بدون وعى منهم مسيئين للسودان ولتاريخه بأن الشعب السودانى غير قادر على تقديم أحد أبنائه لحكم بلده، ولتخليصه مما يواجهه من أزمات ومحن، لن توقفها أو تمنعها الهتافات والتهريج والتخدير والاتكال على نظرية (المؤامرة) وأسئلة تطرح فى سذاجة، لماذا لم يحاكم بوش أو أولمرت وغيرهما!! آخر كلام:- ينسب للإمام ابن تيميه أنه قال: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة المسلمة إن كانت ظالمة". *روائى سودانى