بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 والخاصة بالهجوم على مدينتي نيويورك وواشنطن وما تلتها من أحداث دامية بدء ا باحتلال أفغانستان ثم العدوان واحتلال العراق ، طرحت الإدارة المحافظة ( المحافظون الجدد ) في الولاياتالمتحدةالأمريكية سؤلا هاما على الشعب الأمريكي والشعوب الغربية ومن بعدها شعوب العالم كله ، وكان السؤال : لماذا يكرهوننا ؟ وبالطبع كان السؤال اتهاما للشعوب العربية والمسلمة بالكراهية لقيم الغرب التي يُعلن عنها من الحرية وغيرها ، وهذا ما قاله نصا الرئيس الأمريكي بوش أنهم يكرهون حياتنا وحرياتنا ونمط حياتنا ، وكان يقولها على أن هذا الأمر خاص بالمتطرفين المسلمين ولكن هذه المقولة تم تعميمها من عدد من الكتاب والمنظرين الأمريكيين والغربيين على أنها الشعوب العربية والمسلمة بوجه عام ، ولقد وجدت هذا السؤال تكرر في زيارتي الأخيرة عام 2004 للولايات المتحدةالأمريكية وتقريبا في كل لقاء ومحاضرة وكان عددها 28 مقابلة في 4 ولايات ، وكان البعض يطرحها بشكل مباشر لماذا شعوبكم تكرهنا ؟ والآخر بشكل غير مباشر ويقول ما شعور شعوبكم نحونا ؟ وكنا نقول إنكم تقصدون هل شعوبنا تكرهكم ؟ فيقولون نعم وكان ردنا الواضح أن شعوبنا لا تكرهكم كشعوب وكنمط حياة ولكن تكره سياسيات حكوماتكم المنحازة دائما لإسرائيل والتي تكيل بمكيالين في كل شئ وهكذا ... وآن الأوان أن نطرح نحن ( العرب والمسلمين ) السؤال على المجتمعات الغربية وخاصة بعد الحملة الوقحة التي بدأتها صحيفة دنماركية منذ عدة شهور ثم في الأيام الأخيرة حينما تطور رد فعل الشعوب العربية والمسلمة أعادت عدة صحف في دول أوربية أخرى منها النرويج ثم فرنسا ثم إيطاليا ثم ألمانيا وإسبانيا تكرار نشر هذه الصور الوقحة على خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم ... فظهرت ردود أفعال غربية متواطئة على هذا الفعل القبيح ومدافعة عنه ، مما لم أجد فهما له سوى تبني سؤالا يحمل اتهاما عكسيا لهم وليس الاتهام الذي روج طوال السنوات الماضية لماذا يكرهوننا ؟ . وموجه السؤال والاتهام هم نحن ( العرب والمسلمين ) ، فبدلا من معالجة الحكماء من الطرفين من العالم العربي والإسلامي من جهة ومن الغرب من جهة أخرى لحالة الكراهية والعداء المتبادلة بين المشرق العربي والإسلامي والغرب ( الأوربي والأمريكي ) ومحاولة معالجة سلبيات هذه الظاهرة بموضوعية ، إذا بنا بهذه الحالة العدوانية التي ظهرت بنشر هذه الصحيفة الوقحة هذه الرسومات البذيئة ثم تبعتها عدد كبير من الصحف الأوربية آخرها صحف نيوزلندا بنشر الرسومات كتحدي لمشاعر أكثر من مليار مسلم على الكرة الأرضية ، والأسوأ منها دفاع كثير من الرموز الغربية على هذا الفعل القبيح بعنوان " حرية الرأي والتعبير " وهو دفاع يثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام أكثر مما يثير الإجابات ، فنحن نعلم أن معظم الدول الأوربية ألقت بالدين خلف ظهرها ونقدت كتبها المقدسة ( سابقا ) وتطاولت على كل شئ ، لكنها قيدت ومنعت وحاربت كل نقد لما يخص المشروع الصهيوني وحرمت أي مساس لهذا الكيان تحت عنوان " معادة السامية " وجرمت الحديث بالنقد عن أحداث تاريخية متعلقة باليهود مثل المحارق أو " الهولو كوست " ، أي أن هناك سقف للحرية فلماذا لا يكون هذا السقف متعلق بعقائد الناس وأديانهم ورسلهم ؟ فليس المطلوب كما قال أحد الكتاب دفاعا ضمنيا عن حكومة الدنمارك أنه مطلوب منها أن تكون قمعية مثل حكوماتنا وتصادر الصحف ويكون لديها مجلس أعلى للصحافة يكمم الأفواه على حد قوله ولكن مطلوب منها أن تصدر تشريعا يقنن عدم جواز المس بعقائد الناس وأديانهم وأنبيائهم وكتبهم المقدسة كما قننت ما يعتبر " معادة السامية " ونفى المحارق ورأينا جميعا كيف حاكمت فرنسا بلد الحرية " جاروديه " الفيلسوف المسلم الشهير حينما تحدث عن هذا الأمر. لقد تركت نفسي مع مشاعري فشعرت بغضب شديد من هذا الفعل الشائن وحاولت أن أسمع حجج الذي يهونون منه فلم أجد حجة واحدة تقنعني بتغيير مشاعري ، فمن قائل لماذا غضب الناس بهذا الشكل وأرسلوا رسائل عبر التلفون المحمول ( SMS ) ولم يثورا في وجه الحكام الطغاة وهم يذلون في شعوبنا ليل نهار ؟ والحقيقة أن هذا السؤال يلفت النظر إلى واقع حقيقي عبر التاريخ وليس اليوم : وهو أن شعوبنا تصبر على حكامهم مهما كانوا مستبدين لتأويل صحيح أو غير صحيح كونهم منا أي مسلمين متجاوزين فتصبر عليهم كثيرا ، لكنهم أي شعوبنا لم تصبر أبدا على الاحتلال الأجنبي ولا على مس عقيدتنا الدينية المتعلقة بالذات الإلهية أو بالرسول العظيم أو بالقرآن الكريم أو المقدسات الإسلامية مثل الكعبة والقدس " فليس مبررا سكوتها أحيانا كثيرة عن ظلم حكامها مطالبتها بعدم الغضب لدينها وعقيدتها وكل ما يمس ذلك وليس مقبولا أن يقول قائل ( وهم للأسف منا نحن العرب والمسلمين ) كيف يثور الناس بالملاين دون أن يروا هذه الصور أو الرسومات ؟ ولا أريد أن أتهم نية من يطرح هذا التساؤل ، لكن أخبره ألم تسمع بتواتر الرواية بمعنى أنه إذا حدثت واقعة وشاهدها عدد من الناس يستحيل تواترهم على الكذب كأن يكون ركاب طائرة شاهدوا واقعة ثم حكاها كل واحد منهم على حده بنفس الوقائع فهذا هو التواتر الذي لا يمكن تكذيبه ، ألا يكفي أن يشاهد هذه الصور عدد كبير من الثقات من علماء المسلمين ومفكريهم وذوي الرأي فيهم ليقولوا أنها حدثت ، ثم لماذا هذا السؤال ولم ينف أحدا ، حتى أصحاب الجريدة ما حدث وتوجد هذه الصور الوقحة على موقعهم ، وظل الجميع من بالجريدة أو مسؤليهم في الدنمارك وغيرها لا ينفوا ما ضمنته الصور ولكن يتحدثون عن أشياء أخرى ، ألا يكن هذا السؤال محاولة إثناء الناس عن مشاعرهم الصادقة لصالح المعتدين على عقائدنا ومقدساتنا إننا نطالب هؤلاء من كتبوا بهذه الروح أن يراجعوا أنفسهم لا ليرفضوا ما قام به المسلمون ( بالاحتجاج ) على هذا الفعل القبيح ولكن ليطوروا هذه المواقف لبناء مجتمعات عربية وإسلامية قوية ومتطورة وديمقراطية تستطيع أن تردع كل متطاول ومتعدي على هذه الأمة وعلى عقائدها ومقدساتها وأراضيها ، بدلا من الاستهتار بالمشاعر الصادقة والانفعالات الطبيعية ثم أعود لكل من يهمه الأمر من شعوبنا التي هي الأمل ومن له رأي فيها بأن يتبنوا استراتيجية لماذا يكرهوننا ؟ في مواجهة هذا الذي حدث ويحدث وهي استراتيجية هجومية أفضل بكثير من استراتيجيات الدفاع عن النفس كما يجب أن نتبنى استراتيجية البناء الشامل والتطوير لمشروع النهضة في بلادنا العربية والإسلامية وأول خطواتها اختيار حكومات منتخبة ديمقراطية من الشعوب تتبنى هذه الاستراتيجيات على المدى القصير والمتوسط والطويل ، حتى نفرز مؤسسات قوية سواء على مستوى الحكومة أو المجتمع . E . mail : [email protected]