كانت هذه عينة من الهتافات التى كانت ترددها المظاهرات المؤيدة للرئيس وهم على وقع شبه مارشات عسكرية مدربة وهم فى طريقهم لتأديب المتظاهرين المعارضين أمام قصر الاتحادية وإزاحة خيامهم بشكل عنيف ثم التنكيل بهم وضربهم ثم استجوابهم تمهيداً لتسليمهم للشرطة بتهمة التآمر وحيازة الجبنة النستو!! لا أريد أن أطيل فى هذه النقطة لأنى لن أضيف بعد أن رأى الجميع كل أنواع العنف على الجانبين واعتداءات على رموز وطنية وحزبية والهجوم على منشآت وما يستتبعها من تكسير أو حرق وهو ما نستنكره تماما ونرفضه، وإن كنت لا أتوقف عندها الآن فليس لقلة أهميتها وإنما يمكن أن نفسح لها مجالا آخر لأن ما يشد انتباهى كونها عرضا لمرض هو محاولة إسقاط مؤسسات الدولة لحيازة كل السلطات فى يد الجماعة. من حسن حظنا أن ما حدث على مدى الأسبوعين الماضيين كاشف لفكرتنا بوضوح مما لا يكلفنا عناء البحث فى التاريخ أو التنقيب فى الماضى القريب أو البعيد فقد أصدر الرئيس إعلانه الدستورى الشهير فى الثانى والعشرين من نوفمبر لتتشكل بعد ساعة جبهة الإنقاذ الوطنى لتجمع أهم الرموز السياسية على كلمة سواء فى أقل من ساعة لتعلن رفضها لهذا الإعلان البائس لتنطلق المظاهرات الحاشدة معلنة رفضها له متجهة إلى التحرير بينما اتجه المؤيدون إلى قصر الاتحادية ليخرج لهم الرئيس مخاطبا إياهم (يوم الجمعة فى العطلة الرسمية) وكأن الأمر غير معد سلفاً منادياً أنصاره أن الرافضين إنما يتحدونكم أنتم فى إشارة واضحة أن عليهم أن يعدوا أنفسهم للدفاع عن رئيسهم وإعلانه الدستورى.. ومع رفض نادى القضاة للإعلان فى اجتماعهم السبت حدثت محاولة من مجموعة شبه عسكرية لاقتحام دار القضاء العالى لإرهاب القضاة وتخويفهم قبل أن تنجح الشرطة فى تفريقهم فى مشهد إن كانت لا تعلمه الجماعة فتلك مصيبة وإن كانت تعلم فالمصيبة أعظم!! ومع رفض مجلس القضاء الأعلى للإعلان رسميا عكس ما توقع الرئيس إذا به يأمر جمعيته التأسيسية لكتابة الدستور لتنتهى منه بليل مع أنه أعطاهم مهلة شهرين لاستكماله على توافق وعليه تدعو الجماعة أنصارها من كل الأقاليم للحشد فى ميدان النهضة للدفاع عن الشريعة مصورين لهم أن الإسلام سيدخل مصر مجدداً على أيديهم وبواسطتهم ولم يكن هذا الحشد إلا غطاء على المشهد المسرحى التراجيدى الذى بكى فيه الغريانى وهو يسلم مصر للرئيس الذى دعا الشعب للاستفتاء على الدستور خلال خمسة عشر يوماً متناسياً وعده بطرحه للحوار المجتمعى قبل الدعوة للاستفتاء ويبدو أن الرئيس يعتبر باقى الشعب من جماعته الذين يؤمرون فيطيعون. ومع توالى الضربات لمؤسسات القضاء انتقلت بعض الحشود من ميدان النهضة لحصار المحكمة الدستورية العليا فى مأساة حقيقية للدولة المصرية ومؤسساتها أما الأنكى هو أننا لم نسمع استنكاراً أو أى نوع من اللوم من مسؤولى الدولة بل من عجائب القدر أن اللوم قد ألقى على قضاة المحكمة الذين لم يخترقوا الجموع الغاضبة معرضين أنفسهم لكل أنواع المخاطر والاعتداء!! وبعد يوم الأربعاء الدامى وبعد جنازة بعض الشهداء سمعنا من قادة الجماعة حديثا عن ساعة صفر معدة بل الأنكى هو الحديث بوضوح عن قدرة الجماعة على الحفاظ على الشرعية -من وجهة نظرهم- إن لم تستطع الدولة ذلك!! وهنا أستدرك بكل وضوح أن الشعب المصرى لن يتنازل عن مؤسساته واستحقاقاته الحضارية لصالح تنظيم يؤسس فيه لولاية المرشد!!