طالب المشاركون فى ندوة "الإسلام وأوربا.. نظرة مستقبلية" بضرورة إيجاد رؤية مشتركة بين الشرق والغرب، حتى يتعرف كل من الجانبين على الآخر، برؤية واضحة تهتم بالمصير المشترك، مؤكدين تأثير الدين فى الحضارة الشرقية، وأن حل مشاكل الشرق ليس بتصدير الديمقراطية إليه كما يعتقد الغرب. وأكد المحاضرون فى الندوة التى شهدها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ووزير التعاون الدولى والتضامن الإيطالى أندريا ريكاردى، تطلع الأزهر إلى الفكر الاندماجى الجديد للمسلمين فى الغرب، والذى يحقق التوافق والمشاركة، ويحفظ الهوية والعقيدة ويدعمه، طبقا للحضارة الإسلامية ووسطية الأزهر. وطالبت الندوة بضرورة مراعاة ثقافة الشرق وحضارته لنجاح أى حوار بين الحضارتين الشرقيةوالغربية، وكذلك خصوصيات كل حضارة وعدم الإساءة إلى رموزها. من جانبه، أكد شيخ الأزهر أن مفهوم الديمقراطية يعانى من مشكلة الانفصام بين الرؤية الغربية والرؤية الشرقية، فالغرب ينظر للديمقراطية بعين واحدة، وهى ديمقراطيته فقط، بل ربما تختلف النظرة الأوروبية عن الأمريكية فى هذا الإطار، كما نلاحظ أن هناك شعورا أوروبيا بالاستياء لفرض النظرة الأمريكية على الأوروبية. وقال الدكتور الطيب خلال لقائه بالمشاركين فى الندوة "إن الغرب يعتقد أن حلَّ مشاكل الشرق هو تصدير الديمقراطية إليه، وهى المشكلة الأم التى تتفرع منها مشكلات عديدة، فدائما ينظر الغرب للشرق نظرة دونية وأنه بلا حضارة، مع أن الشرق أصحاب حضارة وتاريخ طويل". وأشار إلى أن الغرب يعتبر الحرية الشخصية هى "قدس الأقداس" بعيدا عن الدين، بينما الشرق يعتبر الدين هو الأساس وليست الحرية الشخصية، وما لم يفهم الغرب تأثير الدين فى الحياة الشرقية فلا أمل فى الالتقاء، وأن هناك فرقا بين الديمقراطية فى الشرق والغرب، ففى الشرق تنطلق من منطلق دينى، بينما الغرب يستبعد الدين من تأثيره فى الحضارة، وهو ما تولد عنه اختلاف فى نظرة الدين، فالغرب ينظر للدين نظرة متحررة. كما حذر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب من أن الغرب إذا لم يفهم تأثير الدين فى الحضارة الشرقية فلا أمل فى الحل بين الجانبين، فالعولمة تدور فى فلك المركز وهو أمريكا، ومن هنا واجهنا مشكلة الفوضى الخلاقة التى فرضت علينا. وقال: "الغرب لا يكيل بمكيال واحد فى أى مجال؛ فالمرأة المسلمة فى الغرب تعامل معاملة غير لائقة، وهناك دائما توجسات عديدة منها، ولا يعامل الإسلام كدين يتعايش معه، فالناس هناك ليسوا على استعداد للتعامل معه بقلب مفتوح". وبيَّن أن مواقفنا فى الشرق فى بعض المواقف هى ردود أفعال للأفكار التى تأتى من الغرب تجاه الإسلام والمسلمين، منتقدا موقف الغرب بادعاء وجود أسلحة دمار فى العراق كمبرر لغزوه. وناشد شيخ الأزهر الدول الغربية ترك الشعوب تختار ديمقراطيتها وحضارتها بلا مؤثرات لتضييق الفجوة بين الشرق والغرب. ومن جهته، دعا وزير التعاون الدولى والتضامن الإيطالى أندريا ريكاردى فى كلمته خلال الندوة إلى ضرورة وجود رؤية مشتركة بين الشرق والغرب، حتى يتعرف كل منهما على الآخر، برؤية واضحة تهتم بالمصير المشترك، والذى لا نعنى به التشابه ولكن التقارب. وأشار ريكاردى إلى أن الجهل المشترك بين الثقافة الغربية والعربية كان الشر الأكبر بين الجانبين، وعلى أرض هذا الجهل ترعرع الازدراء والاحتقان، إلا أن الزمن قد تغير اليوم، مما يوجب علينا أن نعى التغيرات التى حدثت خلال العقود الأخيرة، فالتاريخ مليء بالمفاجآت، ففى عام 1989 انهارت الأنظمة الشيوعية، والماركسية ولم يكن ذلك الحدث أمرا هينا، ثم جاءت العولمة، وتلاها حادث 11 سبتمبر 2001، والتحدى العالمى للإرهاب، هذه الأحداث أنشأت مناخا مشتعلا من الصراعات بين الغرب والشرق. وأشاد الوزير الإيطالى بثورات الربيع العربى خاصة فى مصر قائلاً: "إنه أخيرا وبعد عقد من أحداث سبتمبر قام الربيع العربى، فوضعت الشعوب حداً للديكتاتورية، وأظهرت الأجيال الشابة قوتها وزعامتها للمشهد، وهو ما قاد إلى اليقظة العربية، وكان فى ميدان التحرير الجميع رجالا ونساء مسلمين ومسيحيين، على كلمة واحدة من أجل بناء الوطن الذى يريدونه. وأوضح أننا اليوم نلاحظ العلاقة القوية بين الدين والديمقراطية، ففى الثقافة العلمانية..الأديان تعوق الديمقراطية، لأنها تضعف التعدد وحرية الرأى، ولكن هذا التفسير خاطئ تاريخيا، فالدين لا يضعف الديمقراطية بل يقويها، ويحترم حرية الغير، وتعدد الآراء. وأكد اهتمام الحكومة الإيطالية بفتحِ حوار مع جامعة الأزهر مقتنعة بأن الدين الإسلامى يلعب دورا بارزا فى مصر والعالم الإسلامى، معربا عن احترامه لهيئة الأزهر، من علماء وأساتذة وطلاب.