أكَّد المحاضرون في ندوة "الإسلام وأوربا.. نظرة مستقبلية" أنَّ الغرب يعتقد أنَّ حلَّ مشاكل الشرق هو تصدير الديمقراطية إليه، وهي المشكلة الأم التي تتفرَّع عنها مشكلات عديدة؛ فالغرب إذا لم يفهم تأثير الدين في الحضارة الشرقية فلا أمل في الحل بين الجانبين. وطالب المشاركون بضرورة وجود رؤيةٍ مشتركة بين الشرق والغرب؛ حتى يتعرَّف كلٌّ منَّا على الآخر، برؤيةٍ واضحة تهتمُّ بالمصير المشترَك. في بداية الندوة أكَّد د. أحمد الطيب- شيخ الأزهر الشريف- أنَّ مفهوم الديمقراطية يُعاني من مشكلة الانفِصام بين الرؤية الغربية والرؤية الشرقية، فالغرب ينظر للديمقراطية بعينٍ واحدة، وهي ديمقراطيته فقط، بل ربما تختلف النظرة الأوروبية عن الأمريكية في هذا الإطار، بل نلاحظ أنَّ هناك شعورًا أوروبيًّا بالاستياء لفرض النظرة الأمريكية على الأوروبية. وقال: إنَّ الغرب يعتقد أنَّ حلَّ مشاكل الشرق هو تصدير الديمقراطية إليه، وهي المشكلة الأم التي تتفرَّع منها مشكلات عديدة، فدائمًا ينظر الغرب للشرق نظرةً دونية أنَّه بلا حضارة، مع أنَّ الشرق أصحاب حضارة وتاريخ طويل. وأشار إلى أنَّ الغرب يعتبر الحرية الشخصية هي "قدس الأقداس" بعيدا عن الدين، بينما الشرق يعتبر الدين هو الأساس وليست الحرية الشخصية، وما لم يفهم الغرب تأثير الدين في الحياة الشرقية فلا أمل في الالتقاء. وأضاف: إنَّ هناك فرقًا بين الديمقراطية في الشرق والغرب؛ ففي الشرق تنطلق من مُنطلَق ديني، بينما الغرب يستبعد الدين من تأثيره في الحضارة، وهو ما تولَّد عنه اختلافٌ في نظرة الدين، فالغرب ينظر للدين نظرة متحرِّرة. وأوضح أنَّ الغرب إذا لم يفهم تأثير الدِّين في الحضارة الشرقيَّة فلا أمل في الحلِّ بين الجانبين، فالعولمة تدورُ في فلك المركز وهو أمريكا، ومن هنا واجَهْنا مشكلة الفوضى الخلاَّقة التي فُرِضت علينا، قائلاً: "الغرب لا يكيل بمكيالٍ واحد في أيِّ مجال؛ فالمرأة المسلمة في الغرب تُعامَل معاملةً غير لائقة، وهناك دائمًا توجُّسات عديدة منها، ولا يُعامَل الإسلام كدينٍ يُتعايَش معه، فالناس هناك ليسوا على استعدادٍ للتعامل معه بقلب مفتوح". وقال د. الطيب: إنَّ مواقفنا في الشرق في بعض المواقف هي ردودُ أفعالٍ للأفكار التي تأتي من الغرب تجاه الإسلام والمسلمين، متسائلاً: "لماذا يأتي الغرب ويُدمر العراق، دون مُبرِّر وسندٍ حقيقي، ثم يعود ويعتذر ويقر بعدم وجود أسلحة دمار شامل كما زعم؟!". وفي ختام كلمته وجَّه شيخ الأزهر رسالة إلى الدول الغربية: "دعوا الشعوب تختار ديمقراطيَّتها وحضارتها لتضييق الفجوة بين الشرق والغرب". وفي كلمته دعا أندريا ريكاردي، وزير التعاون الدولي والتضامن الإيطالي، إلى ضرورة وجود رؤية مشتركة بين الشرق والغرب؛ حتى يتعرَّف كلٌّ منَّا على الآخَر، برؤية واضحة تهتمُّ بالمصير المشترَك، لا نعني بها التشابه ولكن نعني بها التقارب. وأبدَى سعادته لإتاحة الفرصة له للحديث في جامعة الأزهر التاريخية، في حُضور د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، موضحًا إعجابه بشخصية فضيلة الإمام كرمزٍ ديني من الطراز الأوَّل، يُؤثِّر في المجتمع المصري والدولي، مُبدِيًا احترامَه لهيئة الأزهر، من علماء وأساتذة وطلاب، مُوجِّهًا حديثه للطلاب الحاضرين من دول العالم المختلفة (طلاب مدينة البعوث الإسلامية) قائلا: "إنَّكم في الأزهر تتعلمون الثقافة الإسلامية التي تُؤكِّد أنَّ الناس جميعًا رجالاً ونساءً أشقَّاء، على الرغم من الاختلافات العرقية". وأشار ريكاردي إلى أنَّ الجهل المشترَك بين الثقافة الغربية والعربية كان الشر الأكبر بين الجانبين، وعلى أرض هذا الجهل ترعرع الازدِراء والاحتقان، إلا أنَّ الزمن قد تغيَّر اليوم، مما يُوجِب علينا أنْ نعي التغيُّرات التي حدثت خلال العقود الأخيرة، فالتاريخ مليء بالمفاجآت؛ ففي عام 1989 انهارت الأنظمة الشيوعية والماركسية ولم يكن ذلك الحدث أمرًا هيِّنًا، ثم جاءت العَوْلمة، وتلاها حادث 11 سبتمبر 2001، والتحدِّي العالمي للإرهاب، هذه الأحداث أنشأت مناخًا مشتعلاً من الصراعات بين الغرب والشرق. وأوضح الدكتور حسن الشافعي، رئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر ورئيس مجمع اللغة العربية، أنَّ الأزهر الشريف يتطلَّع دومًا للفكر المتفتِّح الذي تدعمه الشريعة الإسلامية، وروح ثورات الربيع العربي. ولفت إلى أنَّ الأزهر يتطلَّع إلى الفكر الاندماجي الجديد للمسلمين في الغرب، والذي يُحقِّق التوافق والمشاركة، ويحفظ الهوية والعقيدة ويدعمه طبقًا للحضارة الإسلامية ووسطية الأزهر وربيع مصر. ووصَف الشافعي ريكاردو بالرجل المتفتِّح في التفكير الأوروبي المعاصر، وهو سياسي ووزير، إلا أنَّه في البداية مفكر ومؤرخ وصحفي، كما أنَّه داعية أوروبي صوفي مسيحي، يحاول إعادة تقاليد التواصل الحضاري بين الشرق والغرب، وبين الربيع العربي وأوروبا.