من بين سطور صفحات ناصعة البياض سطرها قضاة الاستقلال والإصلاح القضائى فى تاريخ مصر عامة والجماعة القضائية خاصة، نلتقط اسمك سيادة المستشار حسام الغريانى، وصحيفتك تحمل الكثير، وليس أقله حكمك التاريخى ببطلان الانتخابات البرلمانية بدائرة رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمى دون خوف من سلطان الرجل ومن خلفه ولا استجابة لنصائح الناصحين ب«المشى جنب الحيط»، ولا أكثره أنك أول من قاد قضاة الإسكندرية فى غضبتهم ضد تزوير انتخابات 2005، ورفضهم إحالة زميليهم المستشارين محمود مكى وهشام البسطويسى للتأديب لكشفهم هذا التزوير. سيادة المستشار حسام الغريانى أنت من قلت: «إن الدول الديكتاتورية تميل للسيطرة على القضاء، وإن قضاة مصر ناضلوا على مدار سنوات طويلة، لمنع تدخل السلطة التنفيذية فى شؤون العدالة، وعندما سقط عهد الزيف والتزوير، قدموا لمصر انتخابات حقيقية فى غياب من الأمن».. هذه العبارات تظل شاهدة على تاريخكم سيادة المستشار ونضالكم من أجل استقلال السلطة القضائية، وتؤكد أن المصريين لن يخيب نداؤهم عليكم بأن تعودوا صرحاً من صروح العدالة. يعرف المصريون تاريخ المستشار حسام الغريانى، فى النضال من أجل تحقيق استقلال القضاء والأفكار التى تشبع بها منذ أن كان وكيلاً للنائب العام وصولاً إلى توليه رئاسة مجلس القضاء الأعلى، ومنذ مطلع انضمامه للجماعة القضائية خاض العديد من المعارك، فانضم إلى مدرسة «الرفاعى» القضائية نسبة إلى المستشار يحيى الرفاعى الأب الروحى لتيار الاستقلال والذى تم فصله من عمله فى مذبحة القضاء الأولى عام 1969 بسبب أفكاره التى كان يدافع عنها. سيادة المستشار نذكر ونذكرك بمعركتك التاريخية حين أصدرت حكمك ببطلان الانتخابات بدائرة الزيتون فى انتخابات عام 2005 وكان المرشح فيها رئيس الديوان السابق زكريا عزمى، ووجهت حكمك إلى رئيس محكمة النقض المستشار حمدى خليفة ليتولى توجيهه إلى مجلس الشعب، وحين تلقيت تأشيرة منه على الحكم تطالب بالنظر فى أسباب البطلان الأخرى الواردة فى الطعن، غضبت بشدة وكانت غضبتك لله والوطن واستقلال القضاء واعترت الملاحظة تدخلاً فى الحكم، فألغيت الورقة التى عليها تأشيرة رئيس النقض واستبدلتها بأخرى، واعتبرت فى حكم شديد اللهجة أن التأشيرة بمثابة إتلاف لنسخة الحكم، وجريمة تشكل تدخلاً فى عمل القضاء، وهو ما أسكت المستشار خليفة ولم يستطع له رداً. سيادة المستشار الغريانى: مع توليكم رئاسة مجلس القضاء الأعلى استبشر الناس فى بر مصر خيراً، حيث كنت أول قاض من بين صفوف تيار الاستقلال يصل إلى هذا المنصب القضائى الرفيع، وقال عنك زميلك المستشار أحمد مكى «وزير العدل الحالى»: «الغريانى صورة مثالية للقاضى فى التزامه وسلوكه وأدائه وفخر لقضاة مصر أن يكون رئيساً لمحكمة النقض، ومجلس القضاء الأعلى»، وزاد الاستبشار بإعلانكم أنك ستسعى لتحقيق العدل والمساواة، واستقلال القضاء، وبعد الثورة حين اندلعت الأزمة بين نواب البرلمان والقضاة تمسكت بموقفك المدافع عن القضاء وأرسلت خطاباً مطولاً إلى الدكتور محمد سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب «المنحل» طالبت فيه بعدم التعرض الى استقلالية القضاء، وأكدت على ضرورة احترام الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية، وحذرت من مغبة التدخل فى عمل القضاء وأثره السلبى على بنيان الدولة المصرية، خاصة فى ظل تصاعد محاولات التقليل من شأن القضاة والأحكام القضائية الصادرة عنهم، وقلت فى رسالتك: «من أهم ركائز النظام الديمقراطى والفصل بين السلطات أن يكون هناك تعاون بين السلطات ومراقبة كل سلطة للأخرى، ولكن التعاون والرقابة لا يمتدان للتدخل أو التداخل بين السلطات». سيادة المستشار أنتم من قلتم فى رسالتكم لرئيس مجلس الشعب أيضاً: «إن قضاة مصر، ناضلوا طوال السنوات السابقة لمنع تدخل السلطة التنفيذية فى شؤون العدالة، وعندما سقط عهد الزيف والتزوير وقدموا لمصر انتخابات حقيقية فى غياب الأمن، وقدموا نوابا منتخبين، كان لزاما عليكم أن يكون المجلس حصنا لاستقلال القضاء، ولم يكن يتصور أن يبدأ المجلس أعماله بإهدار هذا الاستقلال وأن يصل الحال إلى حد أن البعض وصف المحاكمات بالهزل».. نفس الحال الآن يا سيادة المستشار مع فارق بأن من أقدم على إهدار استقلال القضاء هو رئيس الدولة، لتبرز الحاجة إلى رسالة جديدة منكم تغيرون مسارها من مكتب رئيس البرلمان بوسط القاهرة إلى مكتب الرئيس فى قصر الاتحادية بضاحية مصر الجديدة، ونذكرك بأنك قلت فى رسالتك أن «مجلس الشعب منوط به سن القوانين، ولكنه لا يختص بإدارة شؤون العدالة ولا التدخل فى أحكام القضاة، وأهم أدوات الحفاظ على استقلال القضاة هو القانون 35 لسنة 1984 حصانة منصب النائب العام، ولا يتصور أحد أن ينادى أعضاء المجلس الموقر بعزل النائب العام». سيادة المستشار: يضيق المجال عن ذكر ما قدمتموه فى مسيرتكم لدعم استقلال القضاء، ولا تغير تحفظات على إدارتكم للجمعية التأسيسية للدستور من أهمية اللجوء إليكم والتحصن بكم مجدداً، فالجميع يحتاج عودتكم لصف المدافعين عن السلطة القضائية، وأن تعطى بياناً للناس عن رؤيتكم لمدى صحة الإعلان الدستورى الأخير وهل يعد ما اتخذه الرئيس من قرارات تعديا على السلطة القضائية التى ناضلتم من أجلها أم غير ذلك، وهل هو تغول من السلطة التنفيذية وتدخل منها فى أعمال شؤون القضاء التى رفضت أى تدخل من البرلمان «المنتخب أيضاً» فيها؟ نحتاج لأن نعرف سيادة المستشار: هل ما زلت عند رأيك بأن النائب العام لا يمكن عزله طبقا للمادة 35 لسنة 1985؟!.