وزير التنمية المحلية: رفع كفاءة العاملين في مجال المعلومات والتحول الرقمي لتحسين خدمات المواطنين    تفاصيل توقيع الحكومة اتفاقية لإنتاج الكهرباء ب10 مليارات دولار    خطة النواب تسأل عن سبب انخفاض البدلات النوعية للمعلمين    البنك الأهلي المتحد مصر يفتتح أحدث فروعه "شبين الكوم" بمحافظة المنوفية    «الجيل»: حضور السيسي قمة المنامة يهدف لتوحيد الموقف العربي تجاه فلسطين    فرنسا تواصل رحلة البحث عن «الذبابة» في مطاردة غير مسبوقة    ملك الأردن يشدد على ضرورة التوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة    استبعاد نجم وسط الأهلي من مواجهة الترجي (خاص)    كلوب يتحدث عن علاقته بمحمد صلاح بعد خلافهم الأخير    «تعليم القاهرة» تحذّر طلاب «الإعدادية» من اصطحاب الهاتف المحمول داخل اللجان    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    أبرز المعلومات عن خطيب سلمى أبو ضيف    فرقة سمالوط تقدم "كيد البسوس" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    غدا.. سهرة لأغاني الجنوب مع كرم مراد في بيت السحيمي    صحة الدقهلية: الكشف على 1336 مريضا فى قافلة علاجية بقرية جاليا الأولى ببلقاس    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    افتتاح مركز خدمات ذوي الإعاقة بجامعة جنوب الوادي    المتحدة تحتفى بميلاد زعيم الفن العربي    بالفيديو| أمين الفتوى يذكر بعض كرامات السيد البدوي: لا أحد يستطيع التشكيك فيها    وزير التعليم العالي: لن يتم ترخيص معهد هندسي إلا بعد هذا الشرط    6 يوليو.. بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني بمركز التعلم المدمج ببني سويف    مصرع طفل غرقًا في بحر النزلة بالفيوم    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    أمير المصري يكشف عن شخصيته في فيلم Giant: قصة صعود ملاكم من الطبقة العاملة    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    الانتهاء من تنفيذ خط طرد محطة بيجام بشبرا الخيمة    محافظ بورسعيد للطلاب: "بتأخذوا دروس خصوصية علشان تنزلوا الشارع" - صور    المرور: ضبط 14 ألف مخالفة على الطرق والمحاور خلال 24 ساعة    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    بث مباشر.. حجز شقق جنة في القاهرة الجديدة و6 أكتوبر بالقرعة العلنية    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الإفتاء توضح حكم الطواف على الكرسي المتحرك    لا تصدقوهم.. إنهم كاذبون!    الصحة تنشر طرق التواصل مع البعثة الطبية للحج.. وتوجه 4 نصائح مهمة    تحرير (148) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    من هي الممثلة الهندية إميلي شاه؟.. تحب يسرا وشاهدت أفلام السقا    بالفيديو.. غناء وعزف أنتوني بلينكن في أحد النوادي الليلية ب"كييف"    "التعاون الإسلامي" تؤكد دعمها الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    انطلاق الامتحانات العملية بجامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر.. صور    وزير الرياضة يعلن عودة الجماهير للملاعب ويتوعد المخالفين    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    «حياة كريمة» تطلق قافلة تنموية شاملة إلى قرية شماس بمركز أبو النمرس    الداخلية: ضبط 25 كيلو مخدرات و132 قطعة سلاح بالدقهلية    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    «النقل» تكشف تفاصيل التشغيل التجريبي ل5 محطات مترو وتاكسي العاصمة الكهربائي    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    ضبط 14293 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    6 ميداليات لتعليم الإسكندرية في بطولة الجمهورية لألعاب القوى للتربية الفكرية والدمج    وزير الري: 97.69 ٪ نسبة تنفيذ الشكاوى من يناير 2021 حتى أبريل 2024 -تفاصيل    تداول 10 آلاف طن و675 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    قناة الأقصى: 10 شهداء جراء قصف إسرائيلي بحي الصبرة    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"العاشرة ليلاً تحت جسر واترلو*" قصة لحسين أبو سعود
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 04 - 2009

الليل له وخزات يعرفها قلبه، وروحه تعرف وطأة الحزن عندما يشتد الظلام فى الطريق الطويل، والليل من عاداته أن لا يكترث بنبرة الاضطراب فى أرواح المرهقين، النجوم تبتعد نحو عوالم الصمت فى تلك الساعة المتأخرة من ليل لندن، كان محجوب غريب الهادى فى القطار الهادر فى ظلمة الأنفاق، إنه ليس آخر من يعود إلى بيته وحيداً، ها هم جميع الركاب متعبون، وحيدون، وهذه فتاة شابة سوداء تنام وحيدة تسند وجهها براحة كفها الأيسر، وتمسك بحقيبتها الحمراء باليد الأخرى غير عابئة بانحسار الثوب عن ساقها الأبنوسى التى تلامسها العيون بشهوة صامتة، وذاك خمسينى أبيض يغمض عينيه مبتسماً وكأنه يحلم بامرأة طيبة، الوجوم يحوم حول الوجوه الأخرى، ومحجوب عائد لتوه من وليمة الفراق.
كانت سعاد قد دعته تلك الليلة إلى وليمة، أسمعته فى البداية قصائد من الشعر الإنجليزى تحكى عن الحرب والعودة وأعياد الميلاد، استدرجته إلى الممشى الأسمنتى المحاذى لنهر التايمز تحت جسر واترلو، فى برد مارس القارس، كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلا، أسندته إلى عمود كونكريتى ضخم، اقتربت منه كثيراً، التصقت به، قربت شفتيها حتى صار يسمع هسيس أنفاسها وصدرها يعلو ويهبط، الشاطئ مهجور إلا من بعض المارة الذين يمشون بسرعة هرباً من البرد، والنهر كان يضيف إحساساً مضاعفاً بالبرودة، المراكب مطفأة المصابيح إذ لا سياح ولا عشاق ولا سكارى، ولكن ماذا يفعل ذلك المغنى الأسود فى هذا المكان؟ لماذا اختار هذا الركن المهجور؟ لجلد الذات أم هو الأمل المستحيل لعل أحداً يمر فينقده بعض النقود ليشترى به شيئاً من البطاطا المقلية وعلبة سجائر أو حتى زجاجة بيرة، كان مستنداً إلى عمود الكهرباء يعزف على قيثارته مرددا أغنية غير مشهورة:
"أيها السائر لوحده على الرصيف/ وفى مخيلتك صورة الحبيبة/ تلك التى هجرتك إلى غيرك/ لا تبتئس كثيراً/ فحبيبتك التى تشبه الآن حقلا بهيجا/ سيغادرها الألوان/ وتهجرها العصافير وتصير يباباً/ بمجرد أن يتوقف هطول المطر، دن دن دن ددن دن".
الله ماذا يعنى هذا المغنى الأسود، قالها محجوب فى سره، وما أكبر الفرق بين هذا المكان وبين "كوفنت جاردن"، حيث المقاهى والمطاعم والبارات المزدحمة، ونادراً ما يرى الإنسان هناك امرأة وحيدة أو رجلا وحيدا.
اقتربت سعاد أكثر، التصقت به أكثر، عانقته بلا خجل من النهر وأسماكه، وبلا اكتراث من المارة وكاميرات المراقبة، همست فى أذنه: أيها الصديق، سنفترق بعد قليل، وستكمل رحلتك إلى المنزل بدونى، سنفترق بلا حرقة ولا دمعة ولا لسعة، سيكون لفراقنا وقع جميل، سيكون أجمل فراق وأسهل فراق فى حياتى، فكلانا يا صديقى تجاوز الأربعين ونتفهم الأمور بروية وعقل، لنتألم ولكن كل على انفراد ونتناول العشاء الأخير على انفراد، سأجعل لفراقك هذه الليلة نكهة الجوز والعسل، وأشبعك باللمس والهمس، سأحيطك بحنان كامل وأغدق عليك عناقاً وقبلاً، سأودعك ببساطة ولكن دون حقد أو زعل.
مدّ يده من تحت المعطف الأسود، تحسسها كأنه لم يصدق وجودها معه، لم تكن كالليلة فى السخاء والعطاء ولم تمانع فى شىء، ماذا ستفعلين بعد فراقى، قالها وهو يمثل دور القوى المتماسك: لا شىء سأعود إلى غرفتى الباردة أتذكر بين جدرانها أهلى وجيرانى وتقافز الأطفال من حولى وصخب الأعراس، سأعود إلى غرفتى إذ ينتظرنى سرير وكتب مبعثرة وملابس مكومة حيث لا دفء أم ولا حنان أب ولا ضجيج إخوة، لقد اتصل بى صديقى القديم ووعدنى بالزواج سأعود إليه فأنا أحبه.
انتفض محجوب، فصل جسده عنها برفق بالغ كما يفعل الآباء، صافحها بأدب، مشى معها بصمت حزين، شعر بأن الليل ازداد ظلاماً والبرد ضاعف حدته والنهر زاد هديره، وقفا على قارعة الطريق عدة ثوانٍ، اتجهت هى نحو اليسار حيث موقف الباصات واستدار هو نحو اليمين حيث محطة القطار، وحانت منه التفاتة، فوجدها تصعد إلى الحافلة المتجهة نحو "كنغ كروس" يعتليها مسحة انكسار.
ما زال القطار يتنقل بين المحطات تحت الأرض، وما زال التعب يرتسم على وجوه الركاب وقد تخلى الجميع عن جرائد المساء التى توزع مجاناً فى قطارات لندن، سمع الجميع من مكبرات الصوت نبأ الوصول للمحطة الأخيرة:
This train will now terminate here, all change please,
Take all your belongings with you, all change please.
"هذا القطار سيتوقف هنا وعلى جميع الركاب النزول واصطحاب أمتعتهم معهم"، فقام محجوب من مقعده متثاقلاً وهو يتمتم قائلاً:
إيه، إذن هكذا تنتهى الحكايات، لقد ذهبت سعاد، ونسيت أن أعيد إليها صورتها التى أهدتنى إياها فى لقائنا الأول فى أحد المؤتمرات، نسيت أن أقول لها تذكرينى على الأقل كلما دقت الساعة العاشرة أو كلما رأيت جسراً، أو كلما دخل الليلة بظلمته أو كلما ضاق صدرك أو كلما ذكرت أهلك أو، أو، أو.. كل ساعة عاشرة ونحن بحزن عميق.
(*) القصة حقيقية، لكن الأسماء غير صحيحة حفاظاً على خصوصيات الأفراد، وقد مرت على هذه الحادثة عشر سنوات، وقيل إن سعاد لم تتزوج حبيبها لأنه لم يجئ قط، وما الفائدة من معرفة أنه مات أثناء عبور الحدود أو أنه ببساطة أخلف وعده وتزوج بنت الجيران وخلف منها عدداً من البنات والصبيان، وأنها حصلت على اللجوء بعد أن ساءت حالتها النفسية، وهى الآن تعانى الوحدة بمفردها فى شقتها الصغيرة غرب العاصمة لندن يشاهدها البعض أحياناً، وهى تجر آلامها كما تجرّ عربتها اليدوية متجهة نحو متجر (تيسكو) القريب لشراء بعض الحاجيات والأطعمة، دون أن تنسى إلقاء التحية على من تصادف فى دربها من العرب وغيرهم من أهل المنطقة بابتسامة مشوبة بالحزن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.