لا زالت مؤسسات الدولة تسيطر عليها، وتديرها مجموعة من النخب الفاسدة، والتى تغلب الأهواء الشخصية على المصلحة العامة، ولن يحدث تقدم فى مصر إلا بعد التطهير الشامل واقتلاع جذور الفساد الموالية للنظام البائد، وهذه المجموعات تكون فيما بينها لمواجهة أصحاب الحقوق والمطالب المشروعة من العاملين الشرفاء، وهو ما يعد حجر عثرة فى طريق تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية التى طالما طالبت بتحقيقهما ثورة يناير المجيدة. إذا أردنا أن نخلق وطنا جديدا طاهرا من دنس الفساد والفاسدين لا بد من التطهير الشامل، أما فى وجود الفساد المالى والإدارى فلن تتحقق نهضة أو عدالة، فكيف يعمل الفرد فى ظل إحساسه بالظلم والمحاباة وعدم المساواة، وما يحدث الآن من إضرابات فى كافة المؤسسات، إنما هو نتاج إهدار الحقوق المشروعة، والتى أظن أنها بسيطة ويمكن الاستجابة لها. لقد ولى عصر الخوف والاستكانة، ولن يتنازل صاحب حق عن حقه، فقبل الثورة كان يخشى أصحاب الحقوق المطالبة بحقوقهم، حتى لا يتم التنكيل بهم أو فصلهم تعسفيا. ويعتبر من أهم أسباب الفساد التسلطية والممارسات الشخصية للمسئول كأحادية الرؤية، وتمتعه بالسلطة المطلقة، كذلك عدم وجود قوانين رادعة للفساد، فالعبرة ليست بوجود القانون ولكن بتنفيذه الفعال، وما يتضمنه من جزاءات على من يخالفة، كذلك من أسباب الفساد غياب المؤسسات السياسية القوية، والقادرة على ممارسة الرقابة والضبط على الأجهزة البيروقراطية، والذى يترتب عليه إطلاق يد العناصر البيروقراطية، خاصة العناصر العليا منها فى تنفيذ ما تراه محققا لمصالحها الخاصة، مستخدمة فى ذلك الأساليب المتنوعة للفساد الإدارى، وكذا سيادة قيم الولاء الشخصى على القيم الوطنية، فتعاظم وقوة العلاقات والقيم والولاءات القبلية والأسرية، تؤدى إلى جعل الرشوة واقع ملموس، ويترتب على ذلك أن الفرد لا يمكنه الحصول على أى خدمة من الأجهزة الحكومية والإدارية دون تقديم رشوة أو مقابل غير قانونى نطلق علية أسماء عديدة، كالإكرامية والمنحة والأتعاب والبقشيش، وإننا على أمل فى إعطاء الصلاحيات اللازمة للجهات الرقابية بعد الثورة، لتتمكن من القيام بدور فعال فى كشف الفساد. وتتفشى ظاهرة الفساد بين المسئول وتابعيه، أو ما يمكن أن نطلق عليه مجموعات الفساد، والتى تنتشر فى غالبية مؤسسات الدولة، وتتضمن مجموعة من الأفراد المستفيدين أو المرضى عنهم. إن شعب مصر يحدوه الأمل بعد ثورة أطاحت برأس الفساد وسدنته فى أن تكتمل أهداف الثورة بالإطاحة بالصف الثانى والثالث من الفاسدين المتغلغلين بمؤسسات الدولة، وعندها نكون قد خطونا أول خطواتنا نحو التقدم والنهضة الحقيقية.