بعد ثلاثين عاما من الغياب عن العراق وخشبة المسرح، حيث فقدت بصرها أثناء تأدية دورها، عادت الفنانة الشهيرة ناهد الرماح إلى جمهورها فى عرض مسرحى الجمعة، احتفاءً بيوم المسرح العالمى فى بغداد. ولعبت الرماح دوراً رئيسياً فى العمل المسرحى بعنوان "صورة وصوت"، الذى يقترب من تفاصيل معاناتها الصعبة طيلة إقامتها فى الخارج بسبب المرض والملاحقات إبان النظام السابق. وتدور أحداث المسرحية، وهى للمخرج سامى قفطان الذى يشارك فى تأدية أدوارها بالإضافة للفنانة الشابة ميلاد سرى، حول امرأة عراقية فقدت بصرها اضطرت للمغادرة والاستقرار فى لندن لتواجه هناك ظروفاً قاسية بسبب العوز المالى والمصاعب اليومية. وخلال فترة إقامتها التى تمتد طوال ثلاثين عاماً فى الغربة، ينفصل عنها زوجها، لكنه سرعان ما يجد نفسه مضطراً للسفر إليها بعد أن تعرض لمضايقات أمنية، فتستقبله بكل طيبة خاطر، بعد أن تنكر لها أعواماً طويلة، ثم تعود بهما الذاكرة إلى الحياة البسيطة التى كانا يعيشانها معاً. وتقول الفنانة بينما كانت تستعد لتقديم عملها المسرحى الأول منذ أكثر من ثلاثين عاماً أمضتها فى بلدان أوروبية قبل أن تستقر فى لندن "لم أتوقع البقاء خارج العراق بعيدة عن جمهورى لأننى أشعر بأن كيانى فى بغداد ومسارحها"، وتضيف الرماح "فقدت بصرى على المسرح لكننى أرى بنور مشاعر الحب الذى يحيطنى به العراقيون منذ بداية مشوارى مع المسرح. حب العراقيين أعاننى على الاستمرار طيلة هذه الفترة، وقررت عدم تقديم أى عمل إلا فوق خشبة المسرح فى بغداد". وكانت الرماح من أبرز فنانات المسرح والسينما، وقدمت العشرات من الأعمال المسرحية التى لا تزال راسخة فى ذاكرة عشاق المسرح فى العراق سواء مع الفرقة القومية للتمثيل أو مع فرقة المسرح الفنى الحديث. ودخلت الفنانة التى ولدت فى منطقة الحيدر خانة، وسط بغداد، مطلع أربعينات القرن الماضى، ميدان العمل الفنى عندما كانت فى السادسة عشرة وأدت دوراً فى فيلم "من المسئول؟" عام 1957، وعاشت الرماح فى بيئة تتعاطى الشؤون السياسية وكان شقيقها الأكبر الذى ينتمى للحزب الشيوعى العراقى مسئولاً عن نقابة عمال المطابع فى بغداد. وبسبب الانتماء السياسى، تعرضت الفنانة للملاحقات إبان حقبة الستينات، وانتهى بها الأمر إلى معتقل النساء لمدة ثلاثة أشهر. وكانت فى السجن تقدم أدواراً تمثيلية للتخفيف من وطأة الاعتقال ومواجهة التحديات بصبر حتى أطلق سراحها لتعود إلى وظيفتها فى أحد المصارف العراقية، وعملت فى دائرة الإذاعة والتلفزيون مطلع عام 1971 فى قسم برامج الأطفال، وكانت تقوم بإعداد نصوص إذاعية، لكن مضايقات النظام السابق أحالتها على التقاعد عام 1973. وبعد ذلك تفرغت للعمل المسرحى مع فرقة الفن الحديث، وعام 1976 بينما كانت تؤدى دورها فى مسرحية "القربان" للمخرج الراحل فاروق فياض، فقدت الرماح بصرها فى المشهد الأخير عندما شعرت بأن الظلام يداهمها فسقطت وتبين فيما بعد إصابتها بانفصال فى شبكية العين. وغادرت الرماح البلاد عام 1979 إلى لندن بغرض العلاج، ومكثت هناك ستة أشهر، ثم انتقلت إلى رومانيا وتشيكوسلوفاكيا، كما استقرت فى لبنان عامين عانت خلالهما من العوز والفقر، وغادرت بعد ذلك إلى دمشق ثم عادت إلى لندن عام 1983.