عقب منتصف الليل مباشرة، اصطف أفراد الأمن والمرور ينظمون، باهتمام، طابورا طويلا من السيارات، المارة باتوا ينظروا على المشهد وكأنه أحد مواكب العهد البائد، غير أن نهاية هذا الطابور الطويل من السيارات الذى كسر هدوء الشوارع كان أحد محطات تموين البنزين 80، والجاز، أو باختصار الذى ينتظره الجميع هو "البيه البنزين". إذا كانت الدنيا تقوم ولا تقعد مع أى أزمة بنزين، فأزمة بنزين الغلابة "بنزين 80" والجاز كما أكد لنا أصحابها من أمام المحطات هى أزمة مستمرة منذ بداية الثورة وحتى الآن وارتفعت حدتها مع موسم الأعياد، حيث يحاول أصحاب سيارات الأجرة والميكروباص تحديدا توفير بنزين أول وثانى أيام العيد خوفا من حدوث أى عوارض خلال العيد تزيد من حدة الأزمة وتجعلهم يقضون العيد دون عمل. محمد إبراهيم أحمد هو سائق سيارة تاكسى ثلاثينى العمر ومثل العشرات من زملاء المهنة كان الاحتفال بليلة الوقفة على بوابة بنزينة التعاون بالدقى والعيدية هى "تفويلة تانك" ستكفيه لليوم الأول ونصف اليوم الثانى من العيد إذا كان محظوظا ويقول "الأزمة متكررة بالنسبة بنزين 80 كل يوم، ولكن مع العيد وهذا العام تحديدا ارتفعت بشكل غير متوقع " ويتابع "كلنا مرعوبين أن تحصل أزمة فى العيد ومنلاقيش علشان كده سحب البنزين بيزيد والناس بتتكدس وعندهم حق لأن ده أكل عيشنا مش هينفع نقف". ويشير أحمد أن السبب الرئيسى فى الأزمة هو عدم توفر البنزين طوال اليوم، حيث يضطر أصحاب سيارات الأجرة لجمع أكبر كمية من البنزين ليلا حتى لا تتوقف سيارتهم أثناء اليوم وهو ما يطيل مده التموين ويزيد الزحام ويضيف "إحنا فى أوقات من كثر الضغط بنبقى واقفين فى آخر الطابور بالساعات ولما نوصل يقولوا لينا البنزين خلص وده بيكون معناه أن النهار ده مفيش شغل". 5 ساعات من الانتظار هى ما قضاه محمد إبراهيم سائق الأتوبيس الأربعينى قبل أن تلتقطه اليوم السابع من طابور الجاز فى البنزينة الواقعة بميدان الجيزة قبيل نفق الهرم ويقول بغضب "أدينا واقفين بقا لينا 5 ساعات وممكن كمان نقف للصبح وفى الآخر لما نوصل لأول الطابور يقولوا لينا البنزين خلص". فى قلب طابور من السيارات العتيقة والمتوسطة القدم كان يبرز عم أحمد عبد الرحيم الذى يقترب من العقد السادس، ويبدوا أنه عاش عمرا كاملا فى أزمة بنزين 80 ويقول " بصراحة أنا مش فاكر بسوق بقالى قد إيه، لكن أحنا طول عمرنا فى الطوابير بس عمرها ما وصلت للدرجة دية" ويتابع "زمان كانت الأزمة بالكثير ربع اللى إحنا شايفينة دلوقتى، من أول الثورة وكل يوم الأزمة بتزيد وفجأة هدى شوية لكن الشهرين الأخيرين ارتفعت بشكل مش طبيعى". مظاهرة خاصة يقودها السائقون أمام طرمبة البنزين بعد ساعات يقضونها للوصول لها فصورة الجرادل والجراكن فى يد السائقين هى لافتتهم التى يعبرون بها عن خوفهم ورفضهم لأى أزمات بنزين جديدة يواجهها عمال المحطة الذين يريدون أن يوزعوا البنزين على أكبر عدد من الناس حتى لا يظلم أحد، وما بين هذا الصراع ينطق صوت أحد السائقين "والنبى وصلوا لمرسى أن الناس تعبانه هنا يعنى هتبقى جاز وبنزين وعيشة، قولوا ليه أننا ما بقيناش ناقصيين" ويكمل سائق آخر بين الصراع "لازم يبقى فى بنزين وجاز على طول فى البنزينة ولازم حد يحل لينا المشكلة دية مش ممكن هنفضل كل يوم فى العزاب ووقف العيش ده". وعلى الجانب الآخر يقف أشرف بشر مسئول الفترة البنزينة الواقعة بميدان الجيزة قبل نفق الهرم يراقب الوضع باهتمام وحزر شديد أمام مئات الميكروباصات والسائقين الذين يتهافتون على الجاز، ومن قلب المشكلة يشرح أن كميات البنزين لا توجد فيها أى مشكلة هذا العام، وأن الشركات تورد كميات التانكات الكاملة الخاصة بهم، ونوه أن الأزمة الحقيقية أتت هذا العام من سيارات المحافظات التى يبدوا أن بها أزمة هذا العام من وجهه نظرة حيث جاءت أعداد كبيرة جدا من سيارات المحافظات لتضاعف أعداد السيارات الطبيعية ما أدى لتفاقم الأزمة.