◄الأهالى: «الميّه بتنزل من الحنفية مطينة» والفشل الكلوى ضيفنا الدائم جلس محمد على حافظ مع أبنائه الستة وزوجته الثلاثينية حول مائدة خشبية وضعت عليها الخضروات داخل منزل متوسط الحال مصنوع من الطوب اللبن تملأ جدرانه التشققات كغيره من بقية منازل قرية الجمهورية بمركز طامية محافظة الفيوم، يروى ل«اليوم السابع» رحلته مع الفشل الكلوى المزمن الذى أصيب به بسبب مياه الشرب الملوثة. رحلة الرجل الأربعينى بدأت منذ 7 سنوات عندما ظهرت عليه أعراض المرض من تورم جسده والقىء المستمر وصعوبة الإخراج، وقتئذ توجه للطبيب وأجرى التحاليل اللازمة فأخبره الطبيب بحدوث خلل فى وظيفة كليته، وبالتالى عليه أن يبدأ فى مراحل الغسيل التى يجريها إلى الآن ثلاث مرات أسبوعياً. لم تكن حالة حافظ الذى ترك وظيفته كسائق أجرة وعكف فى منزله ويلبى احتياجات أسرته من خلال المساعدات المالية التى يقدمها له فاعلو الخير، هى الأولى من نوعها داخل تلك القرية فمنذ أن بدأ فى رحلة الغسيل رافقه 5 من جيرانه الذين يعانون أيضاً من المرض نفسه لنفس السبب ويذهبون جميعاً سويا لإجراء عملية الغسيل فى مركز سنورس بالمحافظة نفسها، الحديث عن هذا المرض داخل قرى محافظة الفيوم والتى تشهد أعلى معدل إصابة، ومن المنتظر ظهور حادث مماثل لحادث محافظة المنوفية الذى أسفر مؤخراً عن تسمم آلاف الحالات بسبب مياه الشرب أمر عادى بين الأطفال والنساء، الشباب والكهول، الجميع هنا يدرك أنه معرض للإصابة فى أى وقت بسبب مياه الشرب المخلوطة بمياه الصرف الصحى، إلا من رحم ربى، واستطاع ماديا تركيب فلتر لتنقية المياه أما من لا يقوى على ذلك فعليه أن يقبل بالأمر الواقع كما هو. أحمد رمضان، ذو الخمسة والعشرين عاماً، يقول إن المياه دائماً فى قرى الفيوم ملوثة لها مذاق مالح وكل من يشربها معرض للإصابة بالأمراض، لذا حرصت عائلته على تركيب فلتر فى المنزل، هذا ناهيك عن تكرار قطع المياه فى أغلب الأوقات، ويضيف رمضان عن مشكلة أخرى تواجه أهالى قرية الجمهورية وهى اختفاء حصتهم من المياه المخصصة لرى أراضيهم الزراعية واقتصارها على قلة قليلة من المزارعين ميسورى الحال فى منطقة مزارع الجبل، وبالتالى أصبح سوء الحال محيطا بهم من كل اتجاه سواء داخل منازلهم أو فى حرفتهم الرئيسية وهى الزراعة، حال قرية الجمهورية لم يختلف كثيراً عن قرية الهيئة التابعة للمركز نفسه، والتى قالت عنها رضا رضوان ذات الثلاثين عاماً، إن اهلها يعتمدون على فلتر بمسجد أحباب المصطفى أنشأه فاعلو الخير، يذهب إليه الأهالى يوما بعد يوم لتعبئة الجرادل، فهذا الفلتر هو السبيل الوحيد المنقذ لأهالى المنطقة من موت مؤكد بات يطاردهم يوما بعد يوم بسبب مياه الشرب فى المنازل، وتضيف رضا «المياه هنا بتنزل من الحنفيات طينة، والكل هنا كبير أو صغير يعلم أنه معرض للإصابة بالمرض فى أى وقت، ولولا وجود الفلتر لكنا توفينا من زمان ولو لم تستطع بعض الأسر الحصول على مياه هذا الفلتر فلا يبقى أمامها سوى شرب مياه الحنفية، التى تقطع باستمرار مما يضطرنا لشرب المياه المخزنة لمدة ثلاثة أيام. على بُعد بضعة أمتار قليلة من القرية السابقة، تقع قرية ناصر بكوم أوشيم، مأساة أهاليها لا تختلف كثيراً عن القريتين السابقتين فلا ماء عذبا صالحا للشرب ولا وسيلة لرى أراضيهم التى بات النبات يذبل ويموت فيها أمام أعينهم بعدما سئموا الشكوى للمسؤولين دون جدوى، يقول صلاح سيد ذو الخمسين عاماً، والذى يحرص يومياً على تعبئة جرادل المياه من الفلتر الملاصق للمسجد بالقرية السابقة: أهالى الخير أنشأوا هذا الفلتر لإنقاذ حياتنا ولا يوجد سواه فى هذه القرية، ويضيف: زمان كانت مياه الفيوم جميلة جداً، أما الآن فأصبحت المياه بالنسبة لنا نقمة هى السبب فى سوء حالنا. وعن اختفاء حصة المياه المخصصة للمزارعين فى قرى الفيوم يقول سيد، مشيراً إلى أرضه البور: زمان كنا بنزرع صيفا وشتاء أفضل المحاصيل «قمح، ذرة، طماطم وغيرها، أما الآن فالأرض أصبحت كالبيت المهجور لا يسكنه أحد، حتى تركنا حرفتنا الرئيسية وأصبحنا أرزقية على باب الله «يوم معانا ويوم معناش». على مصطبة متوسطة الارتفاع، أمام منزل مصنوع من الطوب الأحمر فى قرية قصر بياض بمركز إبشواى، جلس ربيع عبدالعزيز، ذو الخمسة وستين عاماً فى ظل النخلة الوحيدة بشارع لم تتعد مساحته أربعة أمتار عرضاً، يضرب كفا على كف ويتحسر على أحوال أهالى محافظته ويقول «المياه على طول معكرة فيها رمل.. وللأسف نضطر لشربها ومرض الفشل الكلوى ضيفنا الدائم فى البيوت»، وهذا ما أكدته نجلاء فتحى ذات الخمسة والثلاثين عاماً والتى فور ما تسألها عن حال المياه فى منزلها، تجد ذهنها يستدعى اليوم الذى علت فيه أصوات المكبرات فى منتصف الليل تحذرهم من شرب المياه تقول نجلاء «لا أحد يشرب من مياه الحنفيات ومعرضون للموت فى أى لحظة لأن عادة المنازل تكون خالية من الفلاتر، ورغم ذلك نضطر لشربها».