كل يوم بنسمع كلام كتير عن أزمة المياه فى مصر .. ناس عندها مياه لكن بتشتكى من انقطاعها المستمر .. وناس تانية عندها مياه لكن ملوثة وبتصيبهم بالأمراض.. وناس بتشتكى من عدم توصيل المياه إليها وإن كانت هذه أصبحت نادرة، وإن وجدناها تكون فى الأقاليم و المناطق النائية وكلام آخر عن ارتفاع أسعار المياه. تصوير : أميرة عبد المنعم لكن هذه المرة نحن أمام حالة نادرة كان طبيعيا أن نراها فى القرن ال17 أو ما قبله و ليس فى زمن عندما يتعطل فيه النت تشعر وكأنك معزول عن الدنيا. نحن الآن على بعد 150 متر من كورنيش وتحديدا فى المنطقة الموجودة بين كوبرى إمبابة وأحد المولات الشهيرة على الكورنيش .. رملة بولاق هو إسم المنطقة .. أكثر من 10 آلاف شخص أو ألفى أسرة يعيشون فى منطقة لا تتخطى مساحتها 5 فدادين .. بيوت متواضعة وبسيطة فى شكلها الخارجى وما تحتويه من الداخل لكنها تحمل بداخلها قصص وحكايات وأشخاص يعيشون حياتهم بكرامة ، تداخل البيوت ببعضها يشعرك وكأنك أمام أسرة واحدة .. هذه المنطقة معترف بها من الحكومة لأن البيوت بها كهرباء وتليفونات وبها أيضا وصلات انترنت، الغريب أنه عندما تقوم بجولة داخل هذه البيوت ستلحظ عامل مشترك بينها و هى أنه لا يوجد حنفية مياه فى أي منها. لكن كيف يحصل هؤلاء الأشخاص على الماء .. هذا ما سنعرفه فى السطور التالية .. كل هذه الأسر تحصل على المياه من حنفية واحدة يطلق عليها الصهاريج، توجد فى مدخل المنطقة، وهى عبارة عن ماسورة بها حنفيتين تدخل إليها من خلال ممر صغير المنطقة المحيطة بالحنفية مليئة بالمياه وبجوارها مبنى صغير لايزيد إرتفاعه عن متر ملقى عليه كميات من الزبالة التى تملأ أيضا المكان المحيط بالحنفية علاوة على وجود القطط والكلاب التى تشارك هى الآخرى سكان المنطقة فى الحنفية، الأطفال يملأون المنطقة المحيطة بالحنفية يلعبون ويلهون من قترة لأخرى تجد أحد الأطفال يشرب من الحنفية مباشرة. و كما قلنا أن هناك حنفيتين الأولى يحصل منها سكان المنطقة علي المياه مباشرة أما الثانية فقد اشترك الأهالي في شراء خرطوم طويل وتم توصيله بالحنفية حتى يقصر على السكان البعيدين عن الحنفية عناء الذهاب إليها. ساعتين قضيناها أمام الحنفية نتابع فيها ما يحدث لا تكاد تمر دقيقة إلا وتجد سيدة تحمل جردل أو جركن أو إناء لتملؤه بالماء .. سعدية أحمد عجوز عمرها 70 عاما تعيش فى هذه المنطقة منذ ولادتها وأصبح الآن لديها أولاد وأحفاد وجدتها تملأ "حلة" صغيرة بالماء وتحدثت قائلة : هو ده حالى وحياتى كل يوم بنروح من الحنفية للبيت ومن البيت للحنفية أكتر من 10 مرات فى اليوم ، لكن الحمد لله على كل حال وربنا يديمها نعمة، و أنا تعودت على كده لأن زمان كنا نمشى مسافات لنحصل على المياه، لكن دلوقتى الحنفية بيننا وبينها خطوات. حالة غريبة من الرضا والإقتناع بالحال ظهرت على ملامح وفى كلمات الست سعدية، لكن سرعان ما تحولت هذه الحالة إلى سخط عندما تحدثنا مع نجلاء أحمد ربة منزل وعمرها 35 عاما قائلة: الحياة التى نعيشها لا ترضى أحد المشكلة ليست فى مياه الشرب ولا الأكل فهذه بسيطة يعنى جردل أو اتنين ممكن يحل المشكلة، لكن احنا كستات بنعانى كتير يوم غسيل الهدوم، و أنا وكل الستات عندنا برميل كبير فى البيت أملأه ماء أكثر من مرة يوم الغسيل، وأنا بصراحة نفسى يكون عندى غسالة أوتوماتيك لكن المشكلة إنها لازم تحتاج مياه فى البيت وده صعب بالنسبة لنا. شكل الحنفية والحيوانات الموجودة حولها والزبالة المحيطة بها دفعنا لنسأل سيدة كانت تقوم بملء جركن بالماء من الحنفية واسمها مها السعيد وعمرها 50 عاما و هى ربة منزل عن نظافة المياه فتحدثت قائلة : احنا بنشرب من هذه الحنفية من عشرات السنين و كمان أجدادنا ولم يصبنا أى مرض ولكن هذا هو حالنا هنعمل أيه؟، وكمان المياه نظيفة جدا لأنها متوصلة من المواسير اللى بتوصل الميه للعمارات اللى أمامنا. خالد أبو ناجى عمره 50 عاما وهو من سكان المنطقة يقول: المشكلة فى مسألة الخصوصية وخروج الست من بيتها أكثر من مرة من أجل الماء كما أن هذا يحملها عبئا كبيرا ومسئوليه زائدة على مسئولياتها، أضف لذلك كله أننا كرجال أيضا نعانى عند استخدام الماء فلا يوجد دش للإستحمام وليست هناك حنفيات نغسل منها أيدينا أى كل شخص يحتاج لآخر ليساعده عندما يستخدم المياه .