◄الحزن يسود «القوى العاملة».. ومسؤولوها لا يملكون إلا البكاء على الغارقين.. ونائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال يحث الشباب على استصلاح الأراضى الصحراوية قمة الشقاء، أن يذهب الإنسان إلى الموت بقدميه، بعدما ضاقت به سبل الحياه، وأوصدت فى وجهه الأبواب، فلم يجد وظيفة مناسبة، فلا يعد أمامه سوى طريق واحد يبدؤه بدفع آلاف الجنيهات لسماسرة هذا النوع من الاتجار فى البشر، فإما أن ينجح مع مئات الأفراد فى الانتقال إلى بلاد الأحلام عبر مركب متوسط الحال فى عرض البحر، وإما أن يكونوا وجبة دسمة لأسماك القرش، وغنيمة مربحة للقراصنة، وسط مرأى ومسمع المسؤولين الذين عجزوا عن تقديم بدائل وحلول قابلة للتنفيذ للقضاء على تلك الظاهرة التى شهدت معدلات مرتفعة خلال نظام المخلوع هربا من الحياة القاسية، ومازالت منتشرة بعد الثورة أيضاً. لم يعرف أبناء مصر طريق الهجرة غير الشرعية إلى عدد من الدول الأوروبية بشكل مباشر، حيث بدأت رغبة المصريين فى السفر أولا إلى بلاد الخليج النفطية، بحثا عن لقمة العيش فى منتصف السبعينيات، وازداد توافدهم عليها تدريجيا حتى لاح بريق الدول الغربية فى عيون الكثيرين، خاصة هؤلاء الذين لم يتمكنوا من خوض تجربة السفر للعمل فى إحدى الدول العربية، واطلعوا على معاناة المصريين بالخليج، والذين قصوا عليهم شكاواهم الدائمة من انتهاء مرحلة الرواج النفطى الهائل، وظهور مشكلة الانكماش الاقتصادى وتأثيره على مستوى الدخل هناك، وفقا للتقرير الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. مع زيادة التدافع على الدول النفطية، لجأت الأخيرة بداية من عام 1995 إلى اتباع مجموعة من الإجراءات القانونية الصارمة للحد من أرقام المهاجرين إليها حتى بدأ الشباب يسلكون اتجاها آخر لا يعرف أى تضييق أمنى أو قانونى، ولكنه محفوف بكثير من المخاطر، وهو استقلال المراكب والنزول بها على حدود دول مثل إيطاليا وفرنسا واليونان وغيرها. حاول المسؤولون التعامل مع المخاطر التى يتعرض لها أبناء مصر فى رحلات الهجرة غير الشرعية، بداية بالتصريحات والوعود التى تزيد هم الشباب، ولا تريح بالهم بشأن مستقبلهم، وصولا إلى الخطط التى كانوا يعلنون عنها ولا تدخل حيز التنفيذ. فقبل الثورة بعامين خرجت علينا عائشة عبدالهادى، وزيرة القوى العاملة السابقة، فى إحدى المؤتمرات لتعلن أن وزارتها لا تملك سوى إطلاق حملات توعية فى وسائل الإعلام والبرامج الحوارية للحد من هذه الظاهرة، مشددة على التصدى للسماسرة، تجار البشر، ولكن للأسف جميعها كانت مجرد كلمات رنانة لم تنجح فى إيقاف الحوادث المتكررة التى يروح ضحيتها مئات المصريين. ويقول علاء عوض، المستشار الإعلامى لوزارة القوى العاملة، معبرا عن الحزن الذى شعر به جميع العاملين بسبب الحادث الأخير الذى راحت ضحيته مجموعة من الشباب المصرى أمام السواحل الليبية: «فور تلقينا نبأ غرق مجموعة من الشباب المصريين فى حادث غرق مركب الهجرة غير الشرعية أمام السواحل الليبية خيّمت علينا جميعا حالة من الحزن والاكتئاب الشديد، وتسببت لنا فى حالة نفسية سيئة، فكان من الطبيعى أن نسمع عن مثل تلك الحوادث خلال عهد النظام البائد، ولكن ليس من الطبيعى أن تتكرر الآن بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير»، وقال «عوض» إن القضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية التى أصبحت تؤرق المجتمع بأكمله تستلزم تغيير الثقافة المجتمعية السائدة، والتصدى لمشكلة البطالة، وتوفير فرص عمل للشباب، وإن نسبة الهجرة غير الشرعية من مصر انخفضت بنسبة %60 بعد الثورة، لكنها مازالت تحتاج لمزيد من الخطط وتضافر الجهود بين الجهات المختلفة، مثل وزارة القوى العاملة، والداخلية، والخارجية، والمجتمع المدنى، إلى جانب سنّ مجموعة من التشريعات والقوانين للحد منها، والقضاء عليها نهائيا. وأضاف «عوض»: «ليبيا كانت البوابة الرئيسية للهجرة غير الشرعية، ولكن قمنا منذ فترة بإجراء اتصالات مكثفة هناك، ونسقنا معهم للحد من تلك العمليات، هذا إلى جانب التنسيق مع السلطات الإيطالية لتوفير ما يقرب من 6000 فرصة عمل للشباب المصرى هناك بعد تسهيل عملية السفر بشكل قانونى لهم»، ويشير «عوض» إلى أن مكاتب الوزارة منتشرة فيما يقرب من 14 دولة، فيما عدا بعض الدول مثل فرنسا وإسبانيا. وطالب «عوض» الجهات المختصة بضرورة توعية الشباب بخطورة مثل هذه الرحلات، ومراقبة وتأمين حدود البلاد، وحصر السماسرة الذين يستغلون حاجة الناس للمال ويقومون باستغلالهم. «جهود منظمات المجتمع المدنى لمواجهة تلك الظاهرة لا تتوقف، فهى تحاول بقدر المستطاع أن تقدم الدعم المالى الذى يحتاجه غالبية الشباب للبدء فى مشروعاتهم الصغيرة».. بهذه الكلمات عبّرت المحامية منى ذوالفقار، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، عن محاولات تلك الجهة للقضاء على هذه المشكلة، قائلة: زيادة معدلات البطالة يوما بعد يوم هى السبب الرئيسى وراء تفاقم هذه الظاهرة. وأشارت «ذوالفقار» إلى أن القروض المتناهية الصغر تكون وفقا لشروط وقواعد محددة يتقدم بها طالب القرض، وتقول: إن معدلات الهجرة بشكل غير شرعى، وإن كانت انخفضت بعد الثورة فإنها مازالت تمثل انعكاسا لتدنى الأوضاع الاقتصادية. وفيما يتعلق بدور اتحاد العمال للمشاركة فى الحد من هذه الظاهرة، قال إبراهيم الأزهرى، نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر: «عندما لا يجد الشباب فرصة للعمل، وتضيق بهم السبل، يصبح لا طريق أمامهم سوى الهجرة بشكل غير قانونى، لأنه على يقين بأنه ميت بالحياة، ولن يفرق كثيرا إذا تعرض للموت غرقا أو تم القبض عليه وسجنه». ونصح «الأزهرى» الحكومة بحثّ الشباب على استصلاح الأراضى الصحراوية وتشجيعهم، وتقديم الدعم المالى وجميع الإمكانيات والأدوات اللازمة لاستغلال طاقتهم المهدرة.