فى مثل هذا اليوم عام 1952، كانت مصر على موعد مع قيام ثورة يوليو بقيادة جمال عبدالناصر، وعلى مدى ستين عاما مضت، لم ينقطع الجدل حول هذه الثورة، وزعيمها جمال عبدالناصر، غير أن زخم الحديث يزداد حولها هذا العام تحديدا، بعد أن انطلقت دعاوى تطالب بعدم الاحتفال بهذه الثورة، لأنها جاءت بحكم العسكر، غير أن موجة عارمة من الغضب قابلت هذه الدعاوى، واتهمتها بأنها تجهل تاريخ مصر، ولا تعرف حجم الانجازات التى حققتها هذه الثورة. جاءت ثورة يوليو فى ظرف تاريخى، كانت مصر فيه تعيش تحت الاستعمار البريطانى، طوال سبعين عاما، ورغم عطاء الحركة الوطنية المصرية من أجل الاستقلال، إلا أن الاحتلال ظل جاثما على صدور المصريين حتى تم جلاؤه كاملا عام 1954. تحولت ثورة يوليو من مجرد حركة قادها ضباط كونوا تنظيما أطلقوا عليه «الضباط الأحرار» بقيادة جمال عبدالناصر، إلى ثورة احتضنها الشعب المصرى، بعد أن رأى حجم الانجازات الهائلة التى تتوالى كل يوم على مصر. قدمت الثورة منذ أيامها الأولى برنامجا وطنيا يقوم على الانجازات، وليس الأقوال، وشقت طريقها إلى الفقراء الذين يشكلون غالبية المصريين، بقانون الإصلاح الزراعى الذى أصدرته فى شهورها الأولى، وكان ذلك تعبيرا مبكرا عن الانحياز للفقراء. كان بناء مشروع السد العالى وتأميم قناة السويس النموذج الأكبر فى تحدى الاستعمار ومقاومة الهيمنة الأجنبية، وبهما استطاع جمال عبدالناصر، أن يثبت أقدامه كزعيم وطنى كبير، وامتد أثره الكبير إلى دول العالم الثالث وإفريقيا وآسيا، حتى صار رمز هذه الشعوب الأكبر فى الشوق إلى الحرية والاستقلال. قدمت ثورة يوليو وقائدها جمال عبدالناصر النموذج فى فهم دور مصر الإقليمى والدولى، ولهذا كانت مساندتها لكل حركات التحرر العربية، والوقوف إلى جانب الثورات العربية، كما حدث فى الجزائر والعراق، وأصبح لمصر وقتئذ الكلمة العليا فيما يتعلق بقضايا المنطقة، أما على الصعيد الداخلى فكان إنجاز الثورة رائعا فى التصنيع، والتشييد والتشغيل، وكان نتاج ذلك بناء حديثا لمصر، يقوم على الإرادة الوطنية، وبكفاءة المصريين، وأدى ذلك إلى أن يكون لفقراء مصر نصيب فى ثروات بلادهم التى حرموا منها طويلا، والشاهد على ذلك تبنى الثورة لسياسات تتوجه إلى الفقراء مباشرة، مثل مجانية التعليم والعلاج المجانى ومكاتب تنسيق الجامعات التى يتساوى أمامها الأغنياء والفقراء، والحصول على فرصة عمل للمتعلمين الجامعيين وحاملى الشهادات المتوسطة وكان يتم ذلك عبر سياسة تشغيل عادلة تتبعها الدولة، وترى فيها أن الحصول على فرصة عمل هو حق طبيعى وحتمى لكل شاب. أعطت معارك البناء زخمها للثورة وزعيمها جمال عبدالناصر، وحين رحل فى 28 سبتمبر عام 1970 ودعه ملايين المصريين فى جنازة لم يشهد التاريخ مثيلا لها، ومنذ رحيله وحتى الآن لم ينقطع الهجوم عليه، لكنه مازال فى الوجدان العربى، ضميرا كبيرا وخالدا، ومن هذه الخلفية، فإن الحديث الآن عن التقليل من قيمة ثورة يوليو، يبدو عجيبا وقفزا على عطاء الحركة الوطنية المصرية، فثورة يناير فى حقيقتها استكمال لمشروع ثورة يوليو الوطنى، وثورة يناير حلقة مكملة للحركة الوطنية المصرية، ومن هذه الخلفية يترقب الجميع ماذا سيفعله الرئيس محمد مرسى فى هذه المناسبة، وما إذا كان سيتعامل معها باعتبارها ثورة كل المصريين، أم سينظر إليها بوصفه ابن لحركة الإخوان المسلمين التى تناصب جمال عبدالناصر وثورة يوليو العداء؟ أكد عدد من النشطاء والسياسيين، أن ثورة يوليو التى توافق ذكراها الستون اليوم، استطاعت أن تحقق 7 إنجازات كبرى، عبر مؤسسها وصاحب فكرها الزعيم جمال عبد الناصر، وأكدوا أن المطالبين بعدم الاحتفال بذكراها، لا يستطيعون إنكارها، وأشار السياسيون المنتمون إلى التيار الناصرى، إلى أن ثورة يوليو كانت حلما قوميا للأمة العربية وليس للشعب المصرى، وأنها باب انفتاح مصر على التقدم والرقى وعصر النهضة الحقيقى. شن النائب السابق أمين إسكندر أمين عام حزب الكرامة، هجوماً حاداً على الدعوات المطالبة بعدم الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو، كونها تمثل البدء للحكم العسكرى لمصر، وأن الاحتفال بها يعد دعوة لاستمرار حكم العسكر للبلاد، حسب الدعوات، وشدد إسكندر فى تصريحات خاصة ل«اليوم السابع»، أن ثورة يوليو يرجع إليها الفضل فى تحقيق إنجازات لم يحققها المدنيون، أمثال إسماعيل صدقى باشا، مضيفا: كان صدقى مدنيا وحكم البلاد بالحديد والنار. وتابع أمين عام حزب الكرامة، إن ثورة يوليو، أدخلت مصر فى عصر نهضة حقيقى، ومثلت حلما قوميا يتذكره الجميع، حيث افتتحت آلاف المدارس وأقرت مجانية التعليم، ووزعت آلاف الأفدنة من الأراضى الزراعية على الفلاحين، وأنشأت آلاف المصانع، بالإضافة إلى استحداث نظام صحى جديد. وأشار إسكندر، إلى أننا لا نستطيع فصل القيادات العسكرية الشريفة الوطنية عن كيان الأمة، بل يجب أن نفخر بهم وبثورة يوليو المجيدة، التى فتحت باب النهضة والحرية للبلاد. ومن جانبه، قال الدكتور عفت السادات رئيس حزب مصر القومى، إن المطالبة بإلغاء احتفالات ثورة يوليو، هو جهل بالتاريخ، وتعكس تعصب مطلقيها، خاصة أن ثورة يوليو جاءت بنفس أهداف ثورة يناير، وهى المطالبة بالعدالة الاجتماعية والحفاظ على الكرامة الإنسانية للمواطن المصرى البسيط. وقالت الدكتورة كريمة الحفناوى الأمين العام للحزب الاشتراكى المصرى، إنه لا تستطيع أى حكومة أو مؤسسة أو كيان سياسى أياً كان، طمس تاريخ أو إلغاء الاحتفال بالثورة، مضيفه بأن لكل حقبة تاريخية سلبياتها وإيجابياتها، وأنه لابد من الاحتفال بها من أجل الاستفادة من إيجابياتها. وأضافت الحفناوى فى تصريحات خاصة ل«اليوم السابع»، بأن الثورات تعنى تغيير أنظمة وسياسات الدول، مشيرة إلى أن ثورة يوليو غيرت تاريخ مصر، والنظام الملكى الحاكم إلى آخر جمهورى، واستطاعت محاربة الاستعمار، وطرده، وطرأ بعدها تغييرات لصالح فقراء الشعب والفلاحين، بعد القضاء على الاحتكارات الإقطاعية والرأسمالية فى ظل الحكم الملكى. وأشارت الحفناوى إلى أن الثورة كان لها تأثير كبير على العالم العربى، والوقوف بجانب حركات التحرر العربى، وكانت بداية لإعادة توزيع الثروات على فقراء الشعب. ومن جانبه قال توحيد البنهاوى القيادى بالحزب العربى الديمقراطى الناصرى، إن ثورة يوليو ترسخت فى عقول المصريين، والعرب، لكونها تتويجا لحركة نضال بدأت منذ ثورة 1919، واستطاعت أن تحقق الإصلاح الزراعى، وتوفر فرص العمل للشباب، لافتا إلى أن الحقوق التى ضمنتها ثورة يوليو، طالبت بها ثورة 25 يناير، وركزت على مبادئها، وهى «عيش حرية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية». وقال البنهاوى، إن دولة عبدالناصر، قامت على دعوة للتيار الواحد الذى يشارك فيه جموع المصريين، وعدم وجود التعددية الحزبية، مضيفاً بأن دولته لم تكن استبدادية، بل كانت تجربة جديدة فى ذلك الوقت، ولم تواجه أى فصيل إلا من واجهها بالعنف.