يُقصد بالمواطنة: العضوية الكاملة والمتساوية فى المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعنى أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية دون أدنى تمييز قائم على الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادى أو الانتماء السياسى والموقف الفكرى. ولا يستطيع باحث أو دارس مُنصف لفكرة "الوطن والمواطنة " أن ينسى أو يتناسى جهود الإمام حسن البنا فى هذا المضمار، فقد اتضح مفهوم الوطن والوطنية لديه من خلال النظرة الموسوعية لهذا المفهوم، واعتبار أن الوطن والوطنية جزء لا يتجزأ لفهم المسلم لإسلامه وتجرده وحبه له، وأن هذا أصل مهم فى عقيدة الإسلام وفهم الإخوان المسلمين له. ولم يفهم الكثير من المسلمين هذا المعنى، حتى إن الأكثرية المطلقة من المسلمين باتت تفهم أن الإسلام هو: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج فقط، دون المعرفة الشاملة لفهم الإسلام كما أراده الله لنا. وإذا نظرنا إلى المضمون الغربى، الضيق لكل من "الوطنية" و"القومية".. والذى وجد له دعاة وأحزابًا تخندق بعضها عند "الوطنية الإقليمية".. وتخندق بعضها الآخر عند "القومية العنصرية".. وافتعل آخرون – كرد فعل – التناقضات بين الإسلام وبين الوطنية والقومية.. فى مواجهة هذا الغلو، رأينا الأستاذ البنا يبعث – بالتجديد – المنهج الإسلامى الذى يؤلف بين جميع دوائر الانتماء – الوطنى.. والقومى.. والإسلامى.. والإنسانى – فيسلكها جميعًا فى سُلّم واحد. والمتتبع لجهود الإمام البنا يلمس أنه يحب وطنه، ويحرص على وحدته القومية بهذا الاعتبار، ولا يجد غضاضة على أى إنسان أن يخلص لبلده، وأن يفنى فى سبيل قومه، وأن يتمنى لوطنه كل مجد وكل عز وفخار.. كما يحترم قوميته الخاصة باعتبارها الأساس الأول للنهوض المنشود، ولا يرى بأسًا أن يعمل كل إنسان لوطنه، وأن يقدمه فى العمل على سواه، ويؤيد الوحدة العربية، باعتبارها الحلقة الثانية فى النهوض. وفى أكثر من موضع يؤكد الإمام البنا على الجامعة الإسلامية، باعتبارها السياج الكامل للوطن الإسلامى العام كما يجعل فكرة وحدة الأمة والعمل لإعادتها فى رأس مناهجه. ويعتقد أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التى لابد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة وحدة الأمة لابد أن تسبقها خطوات: 1- العمل على الوحدة الثقافية والفكرية والاقتصادية بين الشعوب الإسلامية كلها. 2- يلى ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد. 3- يلى ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية. 4- حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين كان عنه الإجماع على "الإمام" الذى هو واسطة العقد، ومجمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظل الله فى الأرض. كما نادى الإمام البنا بالوحدة العالمية؛ لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه، ومعنى قول الله تبارك وتعالى (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107). أما مصر، فإنها قطعة من أرض الإسلام، وزعيمة أممه (رسالة إلى الشباب).. وفى المقدمة من دول الإسلام وشعوبه (الإخوان المسلمون تحت راية القرآن).. ونحن نرجو أن تقوم فى مصر دولة مسلمة، تحتضن الإسلام، وتجمع كلمة العرب، وتعمل لخيرهم، وتحمى المسلمين فى أكناف الأرض من عدوان كل ذى عدوان، وتنشر كلمة الله وتبلغ رسالته.. فالمصرية لها فى دعوتنا مكانتها ومنزلتها وحقها فى الكفاح والنضال.. ونحن نعتقد أننا حين نعمل للعروبة نعمل للإسلام ولخير العالم كله.. (رسالة دعوتنا فى طور جديد). ومن ثم نجد أن الأستاذ البنا صاغ أهم النظريات السياسية والاجتماعية المعاصرة فى تعدد وتكامل دوائر الانتماء – الوطنية.. والقومية.. والإسلامية.. والإنسانية - مع الإشارة إلى دور مصر – الرائد والقائد – فى تحقيق هذه الوحدة المنشودة لأمة الإسلام. فكل هذه الدوائر للانتماء هى درجات فى سلم الانتماء الواحد، يصعد عليها الإنسان المسلم – عقيدة أو حضارة – دونما تناقضات.. وبعبارة الأستاذ البنا: "فكل منها تشد أزر الأخرى، وتحقق الغاية منها، دونما تعارض بين هذه الوحدات بهذا الاعتبار". الموقف من الأقباط: تقدم أن الوطنية عند الإخوان تنطلق من العقيدة الإسلامية، وذات مضمون إسلامى، مما قد يؤدى إلى تساؤل عن الموقف لغير المسلمين فى الوطن المصرى، فهل لهم حقوق المواطن وواجباته كاملا، أم أن القول بالمضمون الإسلامى للوطنية يؤدى إلى انحصار بعض تلك الحقوق عن غير المسلمين؟ ويذكر المستشار البشرى أن هذه النقطة العملية هى أدق ما يواجه فريقى الجامعتين الدينية والقومية، ولعله فيها تكمن بذرة الخلاف الأساسى بينهما. ويتضح من خلال استقراء الأفكار الإمام البنا فى هذه النقطة أنها كانت تأخذ حيزًا غير قليل من بياناته وتوعيته، مما يشير إلى أنها كانت تمثل اهتماما له، والمنهج السائد فى تناوله جميعًا هو بيان موقف الإسلام – عقديًا وتاريخيًا- من غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى. ففى أكثر من رسالة وخطاب يتناول الإمام البنا الموقف من الأقباط، فيرد على من يقول إن فهم الوطنية بهذا المعنى السابق يمزق وحدة الأمة؛ لأنها تأتلف من عناصر دينية مختلفة، بأن الإسلام دين الوحدة ودين المساواة، وأنه كفل هذه الروابط بين الجميع ماداموا متعاونين على الخير: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) (الممتحنة :8) فمن أين يأتى التفريق إذن؟ ويمكن إجمال نظرة الإمام البنا والإخوان للأقباط فى عاملين أساسيين هما: الجانب العقائدى: وفيه التزام الإخوان بما جاء فى القرآن الكريم والسنة من أن أهل الكتاب أرسل الله لهم سيدنا عيسى – عليه السلام – نبيًا ورسولا وأنزل معه الإنجيل، وهم أقرب للمسلمين من اليهود فقد قال الله فيهم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْبَانًا وأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (المائدة : 82) وهذا هو المفهوم العام والذى تربى عليه الإخوان وهو موجود فى مختلف أدبياتهم. الجانب المعاملاتى: وفيه اعتبر الإخوان أن الأقباط لهم كافة حقوق المواطنة؛ حيث إنهم جزء من نسيج الوطن، فهم شركاء فى هذا الوطن، ولذلك جاءت علاقة الإخوان بالأقباط عمومًا علاقة طيبة كباقى فئات المجتمع، ولم يعكرها إلا تدخل بعض المغرضين الذين يكرهون الخير للبلاد، أو المتعصبين ضد كل ما هو إسلامى، يحكمهم فى ذلك الهوى والحقد الشخصى، أو فئة فهمت الإسلام فهمًا خطئًا.