فى الأول من هذا الشهر، قامت إسرائيل بضرب مبنى سكنى فى دمشق تابع للسفارة الإيرانية، وقد نجم عن هذا الحادث مقتل 16 شخصا، من بينهم محمد رضا زاهدى، أحد كبار القادة فى فيلق القدس، التابع للحرس الثورى الإيرانى، و7 ضباط آخرين فى الحرس الثورى، وقد وصف رئيس هيئة الأركان الإيرانى، محمد باقرى، هذه الخطوة بالجنون، وأكد أن رد إيران سيكون حتميا، وفى الوقت الذى تحدده. مساء يوم السبت الماضى، دقت طبول الحرب بين إيران وإسرائيل، وأخذت الطائرات المسيرة الإيرانية طريقها من طهران إلى تل أبيب فى نحو 9 ساعات، وقد بلغت 185 طائرة دون طيار، و36 صاروخ كروز، و110 صواريخ أرض أرض، وقد صرح الجيش الإسرائيلى بأن غالبية الصواريخ، التى أطلقت من إيران، تم اعتراضها خارج حدود إسرائيل. حبس العالم أنفاسه لأن حربا جديدة تدق طبولها، بينما مأساة غزة لم تنته بعد، والحرب الروسية الأوكرانية ما زالت دائرة، والعالم لا يحتمل المزيد من الحروب، لكن الجديد فيما أقدمت عليه إيران أنها أعلنت للولايات المتحدة ولكل العالم عما تنتويه، وأن طائراتها فى الطريق إلى إسرائيل، وهو ما منح الوقت الكافى لإسرائيل وحلفائها بوضع الترتيبات اللازمة لاستقبال الهجوم الإيرانى، والطريف أن هذا الهجوم قد فقد كل مقومات تكبيد خسائر للدولة العبرية، فلم يفجر ولم يدك ولم يحطم أى شىء، وهو ما أثار سخرية الكثيرين من الذين هرب النوم من عيونهم فى هذه الليلة حتى يشاهدوا اللحظات الأولى من الحرب التى تكاد أن تشتعل. الحقيقة أن ما فعلته إيران - فى رأيى - كافيا جدا لأسباب كثيرة، أولها أنها لم تمكن نتنياهو من استغلال الفرصة للتمادى فى تصوير الخطر المحدق بإسرائيل، الذى يمنع أى فرصة لتغيير حكومته ورحيله هو شخصيا، وسيصبح لديه سبب قوى للبقاء والاستمرار لأن حالة الحرب تستدعى ذلك. ثانى هذه الأسباب، أن اشتعال حرب فى تلك الظروف من المؤكد أنه سيكون للصالح الإسرائيلى، الذى سيطبق حصاره على غزة وينكل بها أكثر مما نكل، ويفعل ما يشاء تحت مسمى حالة الحرب الاستثنائية، وهو ما سيضيع أى حقوق فى الحفاظ على وطنهم. أما ثالثا، فهو ما تكلفته إسرائيل حتى الآن فى صد هذا الهجوم، وهو ما قدر بنحو مليار دولار، ناهيك عما أصيب به المجتمع الإسرائيلى من زعر وهلع ورعب توافق مع ما يحمله فى الأصل من مخاوف، وأن تلك الخطوة مجرد إنذار بألا تعيد الكرة مرة أخرى وتقدم على عمليات تستهدف مصالح إيرانية. نتنياهو بنرجسيته وتمسكه بالحكم وفساده المطروح بالفعل فى أربع قضايا أمام القضاء الإسرائيلى، يمكن أن يعيد المحاولة ليستفز إيران، خاصة بعد أن انقلبت مذبحة غزة على رأسه، وأصبح مدانا من كل العالم حتى حلفائه، وتلك هى فرصته للبقاء فى السلطة، واسترداد ما خسره فى غزة. استفزاز إسرائيل لإيران فى الأول من إبريل ليس له معنى آخر سوى أنها تريد استدراج إيران لعمل عسكرى، بينما الرد الإيرانى يقول إننا يمكن أن نصل إليكم لكننا لن نستدرج، وإن عدتم عدنا، وبالتالى لم تحقق إسرائيل هدفها، لهذا فأنا على عكس كل من سخر من الرد الإيرانى الذى اتسم - فى رأيى - بقدر كبير من ضبط النفس والخبرة وعدم الانسياق للأهداف الإسرائيلية.