لا نستطيع أمام كل هذا العبث الذى تشهده مصر الآن فيما يتعلق باللجنة التأسيسية لوضع الدستور إلا أن نصرخ فى وجه هذا البرلمان الذى لا يمثل سوى نفسه، ومصالح أعضائه، نصرخ فى وجه هؤلاء الأعضاء، قائلين «دستور يا أسيادنا»، لأنهم بحق يرتكبون جريمة لا يمكن السكوت عنها، ليس فى حقنا فقط، ولكن أيضا فى حق أولادنا، ويعبثون بمستقبل هذا البلد، الذى يبدو أنه حاليا بلا صاحب، مثلا السادة أعضاء حزب النور السلفى تخيلوا أنهم بوضع أسماء مثل الدكتور «عمرو حمزاوى وماريان عازر، والدكتور عمرو الشوبكى، ولاعب الكرة محمد أبوتريكة، سيخرسون الألسنة ويظهرون بمظهر المتحضرين، الذين يقبلون التيارات الأخرى، وأنهم يعملون لصالح هذا الوطن رغم أنهم تجاوزوا كل التقاليد والأعراف القانونية، وأنه لا نص على أن يكون مجلس الشعب شريكا فى كتابة الدستور، ولكن هو من يختار لجنة المائة، ورغم ذلك يصرون على أن يشارك %50 من أعضاء مجلس الشعب فى اللجنة التأسيسية للدستور ليشكلوا مع حزب الحرية والعدالة -الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- الكتلة التصويتة الأكبر، إضافة إلى سيطرتهم على الأصوات فى النقابات وليضعوا الدستور على هواهم، مستبعدين كل الشخصيات المستنيرة، والتى استبعدوها بحجة أنهم علمانيون، ولم يلتفت السادة الأعضاء المنتمون للتيارات الإسلامية سواء كانوا الإخوان أو السلفيين أو حزب الأصالة إلى تمثيل الشباب. متجاهلين الشباب والمبدعين والمثقفين ومكتفين بعدة أسماء، يزينون بها «عروة الجاكتة»، أقصد الجلباب، كما قال لى أحد الأصدقاء فى مناقشة بيننا حول الدستور، ولذلك أعلن الكثير من شباب الثورة رفضهم تلك الطريقة، والتى تم التصويت عليها فى البرلمان، للأسف، ونفس الحال بالنسبة للمبدعين والمثقفين، حيث صدر بيان من اتحاد الكتاب يرفض تشكيل لجنة الدستور من نواب البرلمان، ونفس الحال بالنسبة لجبهة الإبداع المصرى. وأشار اتحاد الكتاب إلى أن القانون ينص على عدم جواز الانتخاب الذاتى، وطالب الاتحاد بضرورة مشاركته فى هذه اللجنة التاريخية، وفق عدد محدد بعشر شخصيات من كبار الكتاب والمبدعين المفكرين، كما هو الحال فى جميع الدساتير، وأسوة بما تم فى لجنة دستور عام 1954، حيث ضمت اللجنة كُتاباً كباراً كان فى طليعتهم الدكتور طه حسين والدكتور عبدالرحمن بدوى وأحمد لطفى السيد، رغم أن عدد أعضائها لم يتجاوز الخمسين عضواً. والمدهش حقا أنهم باتوا مفضوحين، ورغم ذلك يصرون على التضليل، فالنائب المحترم ممدوح إسماعيل وهو نائب عن الجماعة الإسلامية هاجم تمثيل الفنانين فى اللجنة التأسيسية للدستور، حيث قال فى تصريح خلال استضافته ببرنامج صفحة الرأى الذى يقدمه عبدالرحمن يوسف أنه يرفض تواجد الفنانين ضمن أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور، معتبرا أن مشاركتهم فى صياغة الدستور الجديد نوعا من السقوط. فماذا ينتظر شباب الثورة وشباب المبدعين بعد تلك النظرة للمثقف والمبدع المصرى، هل نستمر جميعا فى السكوت، إلى أن تتم صياغة دستور على هؤلاء المتأسلمين والذين لا يعرف بعضهم من الإسلام إلا شكليات زائفة بعيدة كل البعد عن جوهر وسماحة الدين، ويزايدون على كل من يختلف معهم، هؤلاء ليسوا بممثلين عن الشعب، بل فقط يمثلون مصالحهم ويرغبون فى الهدم وليس البناء. لذلك علينا جميعا أن ننزل إلى الشارع لنقول لا لتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، فالدستور وثيقة قانونية واقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، وليس إسلامية فقط؟ إلا أن هؤلاء يصرون على تجاهل الكثير من فئات هذا الشعب وكأنهم لم يكتفوا بسرقة الثورة مرة، ويرغبون أيضا فى سرقة مستقبلنا ومستقبل مصر.