حسابات الرئيس    بعد إقرار تعديلات القانون.. اختصاصات هامة للمدير التنفيذي لصندوق قادرون باختلاف (تعرف عليها)    الأوقاف: توزيع 12 طن لحوم و5 أطنان دواجن على الأسر الأولى بالرعاية    توريد 605 ألف طن من الذهب الأصفر لشون وصوامع الشرقية    أمن مصر.. أولاً وأخيراً    المطيري يلتقي وزيرة العمل الفلسطينية على هامش مؤتمر جنيف    القيادة الأمريكية تعلن نجاح إعادة إنشاء الرصيف البحرى المؤقت فى قطاع غزة    عضو مجلس الزمالك يطالب بإلغاء الدوري هذا الموسم    الداخلية تكشف ملابسات سرقة هاتف محمول من أحد الأشخاص بالقاهرة    بعثة الحج بوزارة الداخلية تستقبل آخر فوج من ضيوف الرحمن بالمدينة المنورة| صور    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص في الشرقية    نرمين الفقي تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها    متحدث الأونروا ل"القاهرة الإخبارية": أكثر من 179 منشأة للوكالة دمرت فى غزة    مصابة بمرض الباراسومنيا، سيدة تتسوق أثناء النوم    القائمة النهائية لمنتخب إسبانيا المشاركة في يورو 2024    أول تعليق من وسام أبو علي بعد ظهوره الأول مع منتخب فلسطين    ارتفاع أسعار المكرونة واللحوم وانخفاض الجبن اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    حرمة الدماء والأموال في ضوء خطبة حجة الوداع، موضوع خطبة الجمعة القادمة    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    بدء تلقى تظلمات الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ الأحد    وزارة العمل: توفير 7 ملايين و240 ألفا فرصة عمل فى الداخل والخارج منذ 2014    بايدن يعتذر لزيلينسكى عن تأخير المساعدات العسكرية لأوكرانيا    تشييع جنازة نادر عدلى في العاشر من رمضان اليوم والعزاء بالمعادى غداً    أحكام الأضحية.. ما هو الأفضل: الغنم أم الاشتراك في بقرة أو جمل؟    مفتى السعودية يحذر من الحج دون تصريح    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    مواعيد صلاة عيد الأضحى 2024    إزالة 465 حالة إشغال طريق مخالف بمراكز البحيرة    «التعليم العالي»: تحالف جامعات إقليم الدلتا يُطلق قافلة تنموية شاملة لمحافظة البحيرة    الانتخابات الأوروبية.. هولندا تشهد صراع على السلطة بين اليمين المتطرف ويسار الوسط    مصر وروسيا تبحثان سبل تعزيز التعاون في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    مذكرة تفاهم بين مصر وجامبيا للتعاون في إدارة الأنهار المشتركة والتحلية    عيد الأضحى- فئات ممنوعة من تناول الممبار    بروتوكول تعاون لاستقطاب وافدين من أوروبا والخليج للعلاج بمستشفيات «الرعاية الصحية»    بعد غيابه عن الملاعب.. الحلفاوي يعلق على مشاركة الشناوي بمباراة بوركينا فاسو    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في موسم ليفربول    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    أيام البركة والخير.. أفضل الاعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة 1445    ضبط المتهمين بالشروع في قتل سائق وسرقة مركبته في كفر الشيخ    تفاصيل موعد جنازة وعزاء المخرج المسرحي محمد لبيب    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. تعرف على أهم أعماله الفنية    إخماد حريق داخل محل فى حلوان دون إصابات    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    يونس: أعضاء قيد "الصحفيين" لم تحدد موعدًا لاستكمال تحت التمرين والمشتغلين    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    وزيرة الثقافة وسفير اليونان يشهدان «الباليه الوطني» في الأوبرا    علي عوف: متوسط زيادة أسعار الأدوية 25% بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج    خلاف داخل الناتو بشأن تسمية مشروع دعم جديد لأوكرانيا    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جارديان: كيف قادت إسرائيل غزة إلى حافة الكارثة
التصعيد العسكرى لا يمكنه شراء الحصانة لإسرائيل ضد صواريخ حماس

نشرت صحيفة الجارديان مقالاً مطولاً لآفى شلايم أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، ومؤلف كتاب "الجدار الحديدى: إسرائيل والعالم العربى"، وكتاب "أسد الأردن: حياة الملك حسين فى الحرب والسلم"، المعروف بتحليله العميق للصراع العربى الإسرائيلى. وقدم المقال قراءة موجزة للسياسة الإسرائيلية تجاه غزة خلال الأربعة عقود المنصرمة، والتى قادت إسرائيل لهذه الحرب التى وصفها شلايم بالخالية من أى معنى ضد القطاع الذى أصبح على حافة كارثة إنسانية.
يبدأ شلايم مقاله بالتأكيد على أنه خدم بمنتهى الولاء فى الجيش الإسرائيلى فى منتصف الستينات، ولم يضع على الإطلاق فى يوم من الأيام شرعية دولة إسرائيل موضع تساؤل أو تشكيك ضمن نطاق حدودها قبل 1967. أما بعد الهجوم الخالى من الرحمة التى شنته إسرائيل على قطاع غزة، فقد توصل إلى نتيجة مؤكدة، وهى أن إقامة دولة إسرائيل فى مايو 1948 قد تسببت فى ظلم عظيم للفلسطينيين.
ويروى شلايم كيف استاءت السلطات البريطانية عند قيام أمريكا بتأييد هذه الدولة الناشئة. الأمر الذى جعل سير جون تروتباك يكتب إلى وزير الخارجية أرنست بيفن، أن الأمريكيين مسئولون عن إقامة دولة عصابات يرأسها مجموعة من القادة عديمى الضمائر بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ويضيف شلايم أنه اعتاد على اعتبار هذا الحكم قاسٍ للغاية، إلا أن الهجوم الإسرائيلى الوحشى على أهالى غزة وتواطؤ إدارة بوش طرحت من جديد هذه المسألة للشك.
وقال شلايم، لم يكن الاحتلال الإسرائيلى للضفة الغربية وقطاع غزة نتيجة حرب يونية 1967 يتعلق كثيرًا بمسألة الأمن، بقدر ما كان يرتبط فى واقع الأمر بالتوسع الإقليمى. فالهدف الرئيسى كان إقامة دولة إسرائيل العظمى من خلال السيطرة الدائمة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا على الأراضى الفلسطينية. وكانت محصلة ذلك واحدة من أطول وأعنف صور الاحتلال العسكرى فى العصور الحديثة، وأربعة عقود من السيطرة الإسرائيلية أحدثت أضراراً لا تحصى على اقتصاد غزة. ولم تكن يومًا آفاق المستقبل فى غزة مشرقة، مع وجود هذا الكم من السكان من لاجئى 1948 المكتظين فى هذا الشريط الضيق من الأرض، بدون بنية تحتية أو مصادر طبيعية. ومع ذلك، لا تعد غزة مجرد حالة من النمو الاقتصادى المتخلف، وإنما تمثل حالة فريدة وقاسية من خلال سعى إسرائيل للقضاء على نموها بطريقة مدروسة بعناية وتأنى. فقد جعلت إسرائيل أهالى غزة يتحولون إلى الأعمال الرخيصة، وصنعت منهم سوقًا رائجة للمنتجات الإسرائيلية، وعملت أيضا بنشاط على إعاقة تطور الصناعة المحلية حتى تظل محتفظة بإخضاع الفلسطينيين لها، وترسى القواعد الاقتصادية اللازمة لتحقيق تبعية سياسية حقيقية لها.
من ثم يتضح أن غزة هى المثال النموذجى لصورة الاستغلال الاستعمارى فى عهد الاستعمار الحديث. وتعد المستوطنات اليهودية فى الأراضى المحتلة لا أخلاقية وغير شرعية، وتمثل عائقًا ضخمًا أمام تحقيق السلام، وأداة استغلال ورمز للاستعمار المكروه فى الوقت ذاته.
وصل تعداد أهالى غزة فى 2005 إلى 1.4 مليون، مقابل ثمانية آلاف مستوطن يهودى فقط، يسيطرون على 25% من القطاع، و40% من الأراضى الصالحة للزراعة ويتمتعون بنصيب الأسد من مصادر المياه النادرة فى غزة. مما يعكس حالة الفقر المدقع والبؤس الخيالى التى كان يعيش فيها أهالى غزة جنبًا إلى جنب مع هؤلاء الدخلاء الغرباء، حتى أن 80% من بينهم لا يزالون يعيشون بأقل من 2 دولار يوميًا.
ويذهب شلايم إلى أن ظروف الحياة تلك فى قطاع غزة تمثل تحديًا للقيم المتحضرة ومحفزًا قويًا للمقاومة وأرضًا خصبة للتطرف السياسى.
مسرحية الانسحاب الإسرائيلى من غزة 2005
ويستطرد شلايم قائلاً، أنه فى أغسطس 2005، قامت حكومة الليكود برئاسة أرييل شارون بتنظيم انسحاب إسرائيلى من غزة من جانب واحد، وسحبت الثمانية آلاف مستوطن وهدمت المنازل والمزارع التى خلفوها وراءهم. وكانت حركة المقاومة الإسلامية حماس قد قادت حملة فعلية لإخراج الإسرائيليين من غزة. وأمام العالم بأجمعه، عرض شارون هذا الانسحاب كمساهمة فى تحقيق السلام المبنى على إقامة دولتين. لكن فى العام التالى، قامت إسرائيل بتوطين 12 ألف إسرائيلى فى الضفة الغربية، رامية على مدى أبعد إلى التقليل من فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فحيث أن اغتصاب الأرض وصناعة السلام هما ببساطة خياران متعارضان، فقد فضلت إسرائيل خيار الأرض على حساب السلام.
وقد كان المقصد الحقيقى وراء هذه الحركة هو إعادة رسم حدود دولة إسرائيل العظمى عن طريق دمج المستوطنات الرئيسية فى الضفة الغربية فى دولة إسرائيل. ومن ثم لم يكن الانسحاب من غزة مقدمة لاتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية، بل مقدمة لعملية توسع صهيونى على مدى أوسع فى الضفة الغربية.
ويعتقد شلايم، من جانبه، فى خطأ القيام بتلك الخطوة الإسرائيلية أحادية الجانب، التى كان ينظر إليها وقتها على أنها فى مصلحة إسرائيل القومية. كان هذا الانسحاب من غزة (المرتكز على نبذ الهوية الفلسطينية القومية) بمثابة جزء من خطة طويلة المدى تنكر على الشعب الفلسطينى حقه فى وجود سياسى مستقل على أراضيه.
وعلى الرغم من انسحاب المستوطنين، فقد استمر الجنود الإسرائيليون فى السيطرة على كل المداخل المؤدية إلى قطاع غزة، برا وبحرا وجوا. وتحولت غزة بين عشية وضحاها إلى سجن فى الهواء الطلق. ومنذ تلك اللحظة، تمتعت القوات الجوية الإسرائيلية بحرية مطلقة فى إطلاق القنابل، وإحداث دوى صوتى من خلال التحليق على مستويات منخفضة واختراق حاجز الصوت، وإرهاب سكان هذا السجن.
إسرائيل وادعاء الديمقراطية
يؤكد شلايم، أن إسرائيل تهوى تصوير نفسها كجزيرة للديمقراطية وسط بحر من الديكتاتورية. مع ذلك، لم تقم يومًا حتى الآن، على مدى كل تاريخها، فى فعل أى شىء لتنشيط الديمقراطية على الجانب العربى، بل عقدت صفقة عظيمة لتقويضها. فهى تملك تاريخًا طويلاً من التعاون السرى مع النظم العربية الرجعية لطمس القومية الفلسطينية. بيد أنه على الرغم من كل المعوقات، نجح الشعب الفلسطينى فى بناء الديمقراطية العبقرية الوحيدة فى العالم العربى، بخلاف الاستثناء الجائز المتمثل فى لبنان. فقد قادت الانتخابات الحرة والعادلة فى يناير 2006 حماس إلى المجلس التشريعى. على الرغم من ذلك، رفضت إسرائيل الاعتراف بشرعية الحكومة المنتخبة، مدعية أن حماس مجرد منظمة إرهابية.
ويضيف: من المخزى أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى قد انضما إلى إسرائيل فى نبذ حكومة حماس وتصويرها فى هيئة شيطان، ومحاولة القضاء عليها بمنع المساعدات الأجنبية. وهو ما يعد عند هذا الحد وضع يفوق الخيال، زاد من غرابته قيام جزء هام من المجتمع الدولى بفرض عقوبات اقتصادية ليس ضد المحتل بل ضد من وقع عليهم الاحتلال، وليس ضد الظالم بل ضد المظلوم.
وكالمعتاد غالبًا فى تاريخ فلسطين المأساوى، يتم تحميل الضحايا مسئولية نكبتهم. فقد غذت آلة الدعاية الإسرائيلية بصورة متواصلة نظرية أن الفلسطينيين إرهابيون، وأنهم يرفضون التعايش مع الدولة اليهودية، وأن قوميتهم تتعدى بقليل معاداة السامية، وأن حماس مجرد حفنة من المتدينين المتعصبين، وأخيرًا أن الإسلام يتعارض مع الديمقراطية. لكن الحقيقة ببساطة أن الشعب الفلسطينى هو شعب طبيعى يملك تطلعات طبيعية. فهم ليسوا أفضل، لكنهم أيضا ليسوا أسوأ من أى جماعة قومية أخرى. كل ما يصبون إليه أكثر من أى شىء آخر هو قطعة من الأرض يعيشون عليها مع ذويهم بحرية وكرامة.
إسرائيل ومبدأ "فرق.. تسد"
شأنها شأن الحركات الراديكالية، شرعت حماس فى العمل على جعل برنامجها السياسى أكثر اعتدالاً بعد وصولها إلى الحكم، وبدأت بالتحرك من أيديولوجية الرفض إلى التسوية العملية من خلال الحل المبنى على إقامة دولتين.
فى مارس 2007، كونت فتح وحماس حكومة وحدة وطنية كانت على استعداد للتفاوض بشأن وقف إطلاق النار طويل الأجل مع إسرائيل، التى رفضت بدورها التفاوض مع حكومة تتضمن حماس. ثم استمرت إسرائيل فى لعب تلك اللعبة القديمة "فرق.. تسد" بين الفصائل الفلسطينية. علمًا بأنه فى نهاية الثمانينات، ساندت إسرائيل حماس، حديثة الولادة وقتها، لأجل إضعاف فتح، الحركة الوطنية غير الدينية بقيادة ياسر عرفات.
بدأت إسرائيل فى تشجيع قادة فتح الفاسدين على هزيمة منافسيهم الدينيين واستعادة السلطة. وشارك المحافظون الجدد العدوانيون فى الولايات المتحدة الأمريكية فى هذه المؤامرة المخيفة للتحريض على حرب أهلية فلسطينية. وقد كان تدخلهم فيما لا يعنيهم هو العامل الأساسى فى إخفاق حكومة الوحدة الوطنية وفى وصول حماس للسلطة فى غزة فى يونية 2007.
ويشير شلايم، إلى أن الحرب التى شنتها إسرائيل على غزة فى 27 ديسمبر تعد قمة سلسلة من الصدامات والمواجهات مع حكومة حماس. أو بمعنى أشمل، يمثل هذا الهجوم حربًا بين إسرائيل والشعب الفلسطينى، لأنه انتخب حركة حماس. فإذا كان الهدف المعلن لهذه الحرب هو إضعاف حماس وتكثيف الضغوط عليها إلى أن يضطر قادتها إلى قبول وقف إطلاق النار بالصيغة التى ترتضيها إسرائيل، فإن الهدف غير المعلن هو ضمان ظهور وضع أهالى غزة أمام العالم ببساطة كمشكلة إنسانية، ومن ثم تضليل كفاحهم من أجل الاستقلال.
إسرائيل ومنطق "العين بالرمش"
تم تحديد ميعاد الحرب وفقًا لعامل سياسى، وهو الانتخابات المقرر إجراؤها فى 10 فبراير، والتى يسعى جميع المتنافسين للفوز بها من خلال البحث عن أى فرصة لإثبات عنفهم، فى محاولة لاستعادة سمعتهم بعد إخفاقهم فى الحرب ضد حزب الله فى لبنان فى 2006. اعتمد قادة إسرائيل أيضًا فى هذه الحرب على لا مبالاة وعجز بعض الأنظمة العربية الموالية للغرب من ناحية، وعلى الدعم الأعمى للرئيس بوش لهم مع اقتراب نهايته فى البيت الأبيض من ناحية أخرى، من خلال قيامه بتحميل حماس مسئولية هذه الأزمة.
وكعادتها دائما تدعى إسرائيل أنها ضحية العدوان الفلسطينى عليها، ولكن مجرد عدم التوازن العسكرى بين الجانبين يترك متسعًا من المجال للشك حول هوية الضحية الحقيقية، فإسرائيل تطبق المقولة العبرية "يبكى ويقصف".إلا أن ذلك لا يعنى أن حماس هى الجانب البرىء فى هذا الصراع. فقد استمر مقاتلو حماس والجهاد الإسلامى فى توجيه ضربات صواريخ القسام ضد المستوطنات الإسرائيلية بالقرب من الحدود مع غزة حتى توسطت مصر لوقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر فى نهاية يونية. وقد كانت الخسائر التى سببتها هذه الصواريخ البدائية تكاد تكون لا شىء بالمقارنة بالأثر النفسى الكبير الذى حث الإسرائيليين على مطالبة حكومتهم بحمايتهم. فى ظل تلك الظروف، كان لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها. إلا أن هجمات حماس الصاروخية لا تتعدى كونها مجرد "وخز دبوس" مقارنة بالطريقة التى ردت بها إسرائيل عليها. والصور تتحدث عن نفسها. فخلال الثلاث سنوات التالية للانسحاب من غزة، لقى 11 إسرائيليًا فقط مصرعهم بنيران الصواريخ، فى حين قتلت قوات الدفاع الإسرائيلية، ما بين عامى 2005 و2007 فقط، 1290 فلسطينيًا، من بينهم 222 طفلاً.
ويشير شلايم إلى خطأ قتل المدنيين، مضيفًا هذه القاعدة تسرى على إسرائيل كما تسرى على حماس، لكن هذا الرقم القياسى الإسرائيلى يعد من أكثر الأعمال الوحشية المرتكبة ضد سكان غزة. فضلاً عن ذلك، أبقت إسرائيل على حصار غزة بعد تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، الأمر الذى اعتبره قادة حماس معادلاً لانتهاك الاتفاق. وخلال هدنة وقف إطلاق النار، منعت إسرائيل أية صادرات من مغادرة القطاع فى انتهاك واضح لاتفاق 2005، مما أدى إلى انهيار حادٍ فى فرص العمل (49.1% رسميًا من الشعب عاطلين عن العمل). وفى الوقت ذاته، حجمت إسرائيل بقسوة من عدد الشاحنات التى تنقل الطعام وغاز الطهى والمستلزمات الطبية إلى غزة. ومن ثم، يصعب رؤية كيف يمكن للمدنيين فى غزة، الذين يتضورون جوعًا ويتجمدون من البرد، حماية السكان على الجانب الإسرائيلى من الحدود. وحتى لو تم ذلك، سيظل هذا الوضع نوعًا من العقاب الجماعى يحظره القانون الدولى على نحو صارم.
ويذهب شلايم إلى أن وحشية الجنود الإسرائيليين تتلاءم بكل معانى الكلمة مع كذب المتحدثين الرسميين. فقبل ثمانية أشهر من الاجتياح الأخير على غزة، أسست إسرائيل إدارة إعلامية وطنية، وكان جوهر الرسائل التى توجهها لوسائل الإعلام هى أن حماس انتهكت اتفاق الهدنة، وأن هدف إسرائيل هو حماية مواطنيها، وأن القوات الإسرائيلية تحرص كل الحرص على عدم إيذاء المدنيين الأبرياء. غير أنه فى جوهر الأمر، لا تعد هذه الدعاية الإسرائيلية سوى حزمة من الأكاذيب.
وأكد شلايم وجود فجوة واسعة تفصل بين واقع تصرفات إسرائيل وبين بلاغة متحدثيها الرسميين. فلم تكن حماس هى التى انتهكت الهدنة، بل قوات الدفاع الإسرائيلية، عندما أغارت على غزة فى الرابع من نوفمبر وقتلت ستة من رجال حماس.
إن هدف إسرائيل ليس حماية مواطنيها، وإنما القضاء على حكومة حماس فى غزة عن طريق انقلاب الشعب ضد قادتهم.
وبعيدًا عن الحديث عن حرصها على المدنيين، فإن إسرائيل مذنبة بشأن إلقائها القنابل بلا روية، وبشأن ثلاث سنوات من الحصار الذى دفع سكان غزة (1,5 مليون) إلى حافة كارثة إنسانية.
ويخلص آفى شلايم، إلى أن التصعيد العسكرى مهما بلغ مقدراه لا يمكنه شراء الحصانة لإسرائيل ضد صواريخ الجناح العسكرى لحماس. فعلى الرغم من الموت والتدمير الذين تسببت فيهما إسرائيل لهذه الحركة، لا تزال حماس تقاوم وترسل صواريخها. فهى حركة تمجد التضحية والاستشهاد، مما يعنى ببساطة أن الخيار العسكرى لن يحل الصراع بين الجانبين. إن مشكلة نظرة إسرائيل لمفهوم "الأمن" هى كونها تنكر على أى جماعة أخرى حقها فى أبسط معايير الأمن. بالتالى، لا يكمن الطريق الوحيد أمام إسرائيل لتحقيق أمنها فى الحرب، وإنما فى الحوار مع حماس، التى كررت استعدادها للتفاوض حول اتفاق تهدئة طويل الأجل مع إسرائيل ضمن نطاق حدودها قبل 1967. رفضت إسرائيل هذا العرض لنفس السبب الذى أزدرت من أجله خطة السلام التى تقدمت بها الجامعة العربية فى 2002، التى تتضمن مجموعة من التنازلات والحلول الوسطى.
من هى إسرائيل:
يلخص شلايم رؤيته لإسرائيل انطلاقًا من سؤاله، من هى إسرائيل؟ ويجيب، بعد هذا العرض المختصر لتاريخ إسرائيل خلال الأربعة عقود الأخيرة، يصبح من الصعب عدم التوصل للاستنتاج التالى، أصبحت إسرائيل دولة محتالة تنتهك عادة القانون الدولى، وتمتلك أسلحة تدمير شامل، وتمارس الإرهاب (بمعنى اللجوء للعنف ضد مدنيين لأهداف سياسية). ولا ترمى إسرائيل فى الأساس إلى تعايش سلمى مع جيرانها الفلسطينيين، بل لسيطرة عسكرية، وتستمر فى مضاعفة أخطاء الماضى بأخطاء جديدة أكثر فداحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.