أصبحت الأحزاب والحركات والقوى السياسية المختلفة والمقدر عددها ب 43 حزبا وحركة، منتشرة على الساحة السياسية الآن، ومعتقدةً أنها تمثل الشعب المصرى بأكمله، وتتحدث باسمه بحجة أنها تحترم الديمقراطية وتدافع عنها، ولكنها لا تستمع إلا لرأيها الذى ينبعث من أهدافها (الوصول إلى السلطة) وتوجهاتها (سواء دينية أو علمانية أو مدنية ..)، وهى بذلك تنقض الديمقراطية، لأنه لا يحق لها التحدث باسم الشعب المصرى بأكمله، فالتكوين الوحيد الذى له الحق فى ذلك هو البرلمان المنُتخب انتخاب حر مباشر، ومعبر عن إرادة المصريين فى جميع المحافظات والقرى والنجوع، فيكون من حقه تمثيل المصريين والتحدث باسمهم، ولكن الأحزاب لا تتمتع بهذه الصفة، فليس جميع المصريين أعضاء فى الأحزاب، بل إن غالبيتهم مستقلين أو لا يعلمون شيئاً عن تلك الأحزاب. فالأحزاب الموجودة الآن تنقسم إلى أحزاب كانت موجودة قبل الثورة وشاركت فيها، وأحزاب جاءت بعد الثورة، وبالتالى فالثورة لم تكن حكراً على أعضاء الأحزاب والنشطاء السياسيين فقط، بل خرج لها المصريون المستقلون عن الأحزاب وخرج الفلاحون والعمال والبائعون والفقراء والفنانون والإعلاميون والكتاب والمثقفون والطلاب، وغيرهم، حيث خرج جميع المصريون الساخطون على النظام السابق حتى وإن لم يكن لديهم علم بمعنى كلمة "حزب أو حركة"، ولكنهم خرجوا للدفاع عن الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، خرجوا للمطالبة بحقوقهم المالية والاقتصادية المسروقة على مدار 30 سنة، خرجوا للدفاع عن كرامة المواطن المصرى المهدورة داخل وخارج أقسام الشرطة، خرجوا للدفاع عن حقوقهم السياسية الضائعة فى برلمان مزيف ونواب تابعين وناهبين لثروات البلد، خرجوا للدفاع عن "لقمة العيش" التى تُناسب وتحترم آدميتهم، وأبرز تلك الحقوق هو "أن يكون لهم صوت مسموع" وألا يجردهم أحد منه. وتأتى الأحزاب الآن لكى تعود بالمصريين إلى نفس النقطة مرة ثانية، وتسحب بساط الحرية والكلمة المسموعة من تحت أقدام المصريين، لتعلن نفسها الولى الشرعى الذى من حقه أن يطالب بحقوق المصريين السياسية، وينازع المجلس العسكرى على قانون انتخابات مجلس الشعب وقانون الطوارئ وقانون الغدر وموعد الانتخابات ووضع الدستور، وتارة أخرى تنازع بعضها البعض، فمنهم من يعلن نفسه علمانى أو يسارى أو دينى.. فما كل هذه الصراعات التى بين الأحزاب والقوى السياسية؟ دائما كانت الأحزاب والقوى السياسية تبحث عن الدور البطولى الذى تحاول أن تظهر به أمام المصريين، وسرعان ما نكتشف أنها "أحزاب من ورق"، فقبل الثورة،، ساهم الحزب اللا وطنى اللا ديمقراطى فى تكريس الضعف والفرقة بينها، وعمل على تهميش دورها الصغير أساسا، وقام بتقييدها بالقوانين غير العادلة وبالانتخابات المزورة حتى أفسدها وأفسد الحياة السياسية كلها، وظلت تشغل نفسها بالصراع مع الحزب الحاكم على السلطة، ونسيت أو تناست أن أولى سبل الوصول إلى السلطة هو التقرب إلى الشعب، وأن الجانب السياسى فى حياة المصريين ليس أهم من الاقتصادى والاجتماعى. والآن وبعد الثورة، فقد ظلت الأحزاب حبيسة هذا الدور المظلم والضيق الذى رسمته لنفسها من خلال الانشغال بخلافتها المستمرة مع بعضها البعض، ونتيجة أطماعها فى السلطة، أو بينها وبين المجلس العسكري، حتى توصلت إلى رغبتها فى سحب السلطة من المجلس العسكري، وعلى الرغم من عدم اتفاقى مع المجلس فى طريقة إدارته للحكم، إلا أننى لا يمكننى أن أثق فى قدرة أى من الأحزاب أو القوى السياسية الموجودة على الساحة فى إدارة شئون البلاد، فلا أصدق أن بيدها العصا السحرية، أو يمكنها أن تفعل أكثر مما يفعله المجلس العسكرى الآن، خاصة وأنه يفوقها فى كونه مؤسسة متماسكة وقوية ومنظمة وليست طامعة فى الحكم. فقامت بتقييم دور الحكومة والمجلس، وتجاهلت الدور الذى كان عليها القيام به، على المستوى الاجتماعى والاقتصادى والثقافى، فكان من الأولى أن تساعد الحكومة والمجلس العسكرى فى تخطى المرحلة الصعبة التى يعيشها البلاد، وأن تركز على تكميل جوانب الضعف لديهما، مثل إيجاد الحلول للقضايا والمشاكل التى تواجهها البلاد فى جوانب لا يمكن للمجلس الالتفات لها الآن، ومنها مجتمع العشوائيات، ونسب الفقر خاصة فى صعيد مصر، وتدهور الزراعة، والتعليم، والأهم من ذلك تدهور وانحدار القيم والأخلاق لدى كثير من المصريين، وتغير سمات الشخصية المصرية التى ورثت من النظام السابق التخوين وعدم الثقة والاهتمام بالصالح الخاص على حساب الصالح العام.. فكان عليها محاولة تنمية الوعى لدى كثير من المصريين وتحسين أخلاقيتهم، وأن تترك للحكومة والمجلس العسكرى فرصة توفير الأمن العام فى البلاد بالطريقة التى يراها مناسبة لتلك الفترة الحرجة، ومحاولة الاستجابة للمطالب الفئوية، من أجل تسليم السلطة فى أمان،، وأن يتشارك كل من المجلس والأحزاب فى الاتفاق على الجوانب السياسية، لكى تعبر مصر مرحلة الأزمة التى تمر بها. أيتها الأحزاب والقوى والحركات السياسية، إما أن تقومى بدور فعال، وإما أن ترحلى عن عقول شبابنا.