أقف معهن أتحدث إليهن، أذكرهن بالمهد والطفولة وحضن الأم ورفيقات الصبا، أقول ماذا لو أن الرجال فكروا ولو للحظة ببشاعة أن يدنسوا أرحام النساء اللواتى حملنهم من أجل لذة رخيصة يتم إخفاء أماكنها فى أكثر الزوايا قذارة؟ وماذا لو أن هؤلاء الرجال دفعوا أجرة البغاء كهبة إنسانية، وذهبوا لاسكات غرائزهم بطرق أكثر مروءة من أن يدفع الرجل مالاً لينتهك رحم امرأة؟ لكن معشر الرجال وهم على مدى كل العصور الرجال.. الزناة الذين خصوا النساء بتسمية عاهرة ورفضوا وضع كلمة تصف حالهم، وما كانت العاهرة لتكون عاهرة لولا عهر الرجال. لايمكن القول إن البغاء هو أقدم مهنة عرفها التاريخ، غير أن التاريخ يقف عاجزاً عن تحديد لحظة الافتراق الكبرى التى أحدثت تغييراً فى شكل العلاقة بين الرجل والمرأة. ميز القرآن الكريم بين البغاء والزنا، وحسب اعتقادى فإن القرآن أراد بالبغاء الجنس مقابل أجر لأسباب معيشية قاهرة، أما الزنا فهو الجنس من أجل اللذة، ولعل الآية 33 من سورة النور كاشفة لهذا المعنى، وهى من الآيات التى عجز المفسرون عن حل لغزها وداروا حول أنفسهم كثيراً بدون جدوى ولم يصلوا إلى رأى معقول. تقول الآية فى معرض تنظيم الحياة الجنسية للمجتمع المسلم: (( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))...(33) سورة النور النهاية هى موضع الشاهد، فإكراه الفتيات على البغاء لايجابه بعقوبات مشددة.. إنما بالمغفرة والرحمة، وهما فعلان آخران فى وقت لم نعرف الفعل المترتب فى الدنيا كعقوبة لذى الفعلة أى البغاء تحت الإكراه.. لاحظ أيضاً كيف تعامل القرآن بشدة مع الزنا، طالباً من المؤمنين عدم الاقتراب منه، فضلاً عن إتيانه، وبين شناعته وسوء مصير صاحبه، علماً أن فعل البغاء ورد فى قصة مريم وولادتها لعيسى (عليه السلام)، وجهل المفسرون كذلك حقيقة المعنى الإلهى الكامن وراء قول القرآن الكريم لمريم (( وماكانت أمك بغيا))...(مريم28). وأعتقد أن القضية مرتبطة بالعلاقة الإيجابية بين الرجل والبغاء.. وإلا كيف يمكن أن يستخدم هذا الوصف البليغ لتبيان الاستقامة الأخلاقية الرائعة فى وصف والدة السيدة مريم؟ إنه مجتمع ليس فيه قليل من البغايا.. ليس فيه كثير من العفيفات.. أيها الناس.. أيها الناس.. مللت المدن المقدسة دلونى على المدن المدنسة.. لا أريد رؤية رجال يتشدقون بالعفة.. بل أريد أن أكحل عيونى برؤية البغايا، فهؤلاء الرجال هم المجرمون وهن الضحايا، ولينكر على ما أقول أى من هؤلاء، فلولا أننا معاشر الرجل اشتريناهن وبعناهن فى سوق النخاسة التى يدرها الرجال.. لما وجدنا بغايا، المهم أن يبقى ثوب الرجل ناصع البياض فلا شُبْهه تدينه، فهو لا يحبل ولا يلد ولايسأل عن غشاء بكارته التى ربما يكون قد أهدرها آلاف المرات، لكن المرأة عليها أن تدفع ثمن أنها مرأة فى مجتمعات ذكورية لا تعترف بغير الرجال.