فلاح مصرى.. بالرغم من كونها صفة تجعل الكثير ممن يحملوها فخورين بها، إلا أنها قد تساوى "المعذبون فى الأرض" كما وصف الدكتور طه حسين. وبالرغم من كون الفلاح فى مصر يمثل قطاع الزراعة، وما له من أهمية فى الاقتصاد المصرى، إلا إن الفلاح المصرى لا يمثل تلك الأهمية، وكأن الأرض تطرح ثمارها بدون تدخل بشرى، وعلى مدار تاريخ مصر الحديث مثل الفلاح المصرى الطبقة الدنيا فى مصر التى تواجه كل المشاكل والمعاناة، ولا تحصل على أى ميزة. عاش الفلاح المصرى – ولا يزال – كما يقول عريان نصيف منتجاً رغم فقره مضطهداَ رغم إنتاجه، مناضلاَ رغم اضطهاده.. ببساطة لو نظرت إلى المائة عام الماضيين فى تاريخ مصر تجد أن الفلاح عاش فى أولها قمة الفقر والمعاناة والذل حتى ثورة يوليو 1952، والتى كان من مبادئها القضاء على الإقطاع، والذى تطلب إصدار قانون الإصلاح الزراعى فى 9 سبتمبر 1953، والذى يقضى بتحديد الملكية الزراعية، وأخذ الأرض من كبار الملاك وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين فى تعديلات متتالية، حددت ملكية الفرد والأسرة متدرجة من 200 فدان لخمسين فدانا للملاك القدامى، وعرفت هذه التعديلات بقانون الإصلاح الزراعى الأول والثانى، وأنشئت جمعيات الإصلاح الزراعى لتتولى استلام الأرض من الملاك بعد ترك النسبة التى حددها القانون لهم، وتوزيع باقى المساحة على الفلاحين الأجراء المعدمين العاملين بنفس الأرض ليتحولوا من أجراء لملاك وصاحب هذا القانون تغيرات اجتماعية بمصر، ورفع الفلاح المصرى قامته، واسترد أرضه أرض أجداده الذى حرم من تملكها آلاف السنين، وتوسعت بالإصلاح الزراعى زراعات مثل القطن، وبدأ الفلاح يجنى ثمار زرعه، ويعلم أبناءه، ويتولى الفلاحون حكم أنفسهم، وأصبح 9 سبتمبر من كل عام هو عيد الفلاح. إلا إن الحال لم يدم كثيراً، وبدأت دعاوى كون مصر دولة صناعية وليست زراعية كما يتهمها الاستعمار، وكأن دولة زراعية تعنى الجهل والتأخر، وبدأت تتزايد المشاكل والضغوط على الفلاح المصرى، وبدأ معها حال الزراعة فى مصر يزداد سوءاً حتى وصل الحال إلى أن مصر فقدت 36% من أراضيها الزراعية خلال النصف الأخير من القرن العشرين، وأكثر من 25% من الأراضى الزراعية فى مصر تعانى مشكلة ملوحة التربة فى 2008، واستيلاء وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية على مساحة تتراوح ما بين 50 70 ألف فدان سنويا من أخصب الأراضى الزراعية يتم البناء عليها، إلى أن أصبح انقراض اللون الأخضر خطر يهدد مستقبل مصر. والآن ألم يأتِ الوقت حتى نتذكر فلاحى مصر كمنتجين مهمين لمصر، ألم يأتِ الوقت كى تصبح كلمة فلاح كلمة تعنى مهنة مهمة لكل مصرى، ألم يأت الوقت حتى يحصل فلاحو مصر على الأهمية التى يمثلها قطاع الزراعة لأى اقتصاد على وجه الأرض.. ألم يأت الوقت حتى نهنئ فلاحى مصر بعيدهم. يقول بيرم التونسى: ليه تهدمونى وأنا اللى عزّكم بانى أنا اللى فوق جسمكم قطنى وكتانى عيلتى فى يوم دفنتى مالقتش أكفانى حتى الآسيّة وأنا راحل وسايبكم