وظيفة فورية ومضمونة.. تنسيق مدارس التمريض بعد الإعدادية (الشروط وتوقعات الحد الأدنى للقبول)    ختام امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية دار العلوم جامعة أسوان    الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة يلتقى منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمجلس الأمن القومي الأمريكي    وزير الاتصالات يبحث مع نظيره الكوري التعاون فى مجالات الرقائق الالكترونية والذكاء الاصطناعى    للراغبين في الشراء.. تراجع أسعار المولدات الكهربائية في مصر 2024    رئيس هيئة الدواء يبحث مع المستحضرات الدوائية بالكونغو فرص الاستثمار    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    CNN: إسرائيل استخدمت صواريخ أمريكية في قصف مدرسة الأونروا بالنصيرات    المستشار الألمانى يتعهد بترحيل مهاجرين عقب حادث طعن شرطى    أويارزابال يحتفي بالهاتريك الأول    مدرب تونس: حققنا الأهم أمام غينيا الاستوائية.. ونعاني من الغيابات    عبد الرحمن مجدي: ظُلمت في مشكلة الأولمبياد.. والأهلي سيتوج بالدوري وأنتقل للنادي الأكثر بطولات    حسام البدري يكشف كواليس رحيله عن بيراميدز ورفض عرض الزمالك    لوكاكو: الأندية الأوروبية تعلم أن السعودية قادمة.. المزيد يرغبون في اللعب هناك    وزيرة التضامن: استمرار تفويج حجاج الجمعيات حتى 9 يونيو الجاري    رسميًا اليوم.. المحكمة العليا تستطلع هلال شهر ذي الحجة 1445 في السعودية    هل عمر المنسي شرير في مسلسل مفترق طرق؟.. ماجد المصري يجيب    الأقوى والأكثر جاذبية.. 3 أبراج تستطيع الاستحواذ على اهتمام الآخرين    جميلة عوض تحتفل بحنتها قبل ساعات من حفل زفافها الليلة    ثقافة بورسعيد تناقش تلوث البيئة وأثره على الصحة العامة    انطلاق أول حلقتين من الفيلم الوثائقي "أم الدنيا" حصريًا على WATCH IT    صيام العشرة الأوائل من ذي الحجة.. لماذا استحب الصيام بها؟    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    تزامنًا مع عيد الأضحى 2024.. «الإفتاء» تكشف أفضل وقت لذبح الأضحية    دراسة تحذر من مخاطر مشروبات الطاقة على مرضى القلب    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    المشدد 5 سنوات لعاطل وربة منزل بتهمة تزوير عقود بيع شقة    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    محافظ أسوان يكرم أبطال نادي ذوي الاحتياجات الخاصة لحصدهم العديد من الميداليات الذهبية    التحالف الوطنى للعمل الأهلى ينظم احتفالية لتكريم ذوى الهمم بالأقصر    طلب إحاطة بشأن رفع بعض المدارس الخاصة للمصروفات بنسبة 100%    في يوم واحد.. ضبط 14 ألف قضية تتعلق بالنقل والمواصلات    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    تخريج 6 دفعات من معهد المحاماة ومشروع تدريبي لنقابة المحامين للعدالة الإلكترونية بالوادي الجديد    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    ليلة في حب سيدة المسرح العربي.. تفاصيل تكريم سميحة أيوب بدار الأوبرا    تركي آل الشيخ: أتمنى جزء رابع من "ولاد رزق" ومستعدين لدعمه بشكل أكبر    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    وزير الري: تراجع نصيب الفرد من المياه إلى 500 متر مكعب (تفاصيل)    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    تباين أداء مؤشرات البورصة بعد مرور ساعة من بدء التداولات    اقتصادي يكشف أسباب ارتفاع احتياطي مصر من النقد الأجنبي ل46.125 مليار دولار    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    أمين الفتوى: لابد من أداء هذه الصلاة مرة واحدة كل شهر    ننشر أسماء الفائزين بمسابقة "وقف الفنجري" جامعة القاهرة 2024    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    قبل عيد الأضحى.. ضبط أطنان من الدواجن واللحوم والأسماك مجهولة المصدر بالقاهرة    بوريل يستدعي وزير خارجية إسرائيل بعد طلب دول أوروبية فرض عقوبات    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    رئيس شؤون التعليم يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية بالأقصر    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واحد فى المائة يا سيادة الرئيس
نشر في اليوم السابع يوم 08 - 11 - 2008

فى الأزمة المالية الحالية التى صدرتها أمريكا إلى العالم نلاحظ مبدئيا أن الدول الأكثر تأثرا بها هى نفس الدول الأكثر ارتباطا بالنموذج الأمريكى من الرأسمالية، أو التى استجابت سابقا لضغوط صندوق النقد الدولى بإلحاح أمريكى، حتى تحرر سوقها الخاص من الضوابط والقيود. الصين مثلا من بين أقل الدول تأثرا لأنها رفضت دائما، وبإصرار، إلحاح أمريكا عليها بالعولمة والخصخصة وإطلاق حرية دخول وخروج الأموال الأجنبية والسماح بتعويم عملتها الوطنية.
وبينما تعانى الميزانية الأمريكية حاليا من عجز يبلغ ألف بليون دولار تمثل 6.5 % من الناتج المحلى الأمريكى، بينما النسبة الآمنة لا تتجاوز ثلاثة بالمائة، فإن احتياطى الصين من النقد الأجنبى بلغ 1900 بليون دولار. من هنا تتفاوض أمريكا مع الصين، مباشرة أو عبر المؤتمر الدولى الاستثنائى فى واشنطن بعد أيام، حتى تساعد الصين فى إخراج أمريكا من الأزمة.فى هذه المرة..للصين شروط، وبين الشارى والبائع.. يفتح الله.
مجلة «الإيكونوميست» فى لندن وهى النصير الدائم للرأسمالية القحة حتى فى طبعتها المتوحشة حينما أرادت قبل أسبوعين أن تدافع عن رأسمالية السوق الحرة، جادلت بأنه فى خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة نجح مئات الملايين من الناس فى الخروج من دائرة الفقر المدقع. وراهنت المجلة على أن الحقبة الحالية ربما تشهد أسرع نمو فى الدخل كمتوسط لنصيب الفرد.
لكن المجلة تناست أن معظم النمو الذى تتحدث عنه، خصوصا من حيث تخفيض أعداد الفقراء، إنما جرى فى الصين تحديدا التى رفضت دائما إطلاق العنان لحرية السوق حسب النموذج الأمريكى، والتى مايزال القطاع العام فيها ضمن الركائز القوية للاقتصاد، والقطاع الخاص.. الأجنبى خصوصا.. يلتزم بالضوابط التى تقررها الدولة. الأكثر أهمية: هناك ضوابط لدخول وخروج الأموال الأجنبية وإصرار على حماية العملة الصينية (اليوان) من جشع المضاربين الدوليين. الصين تمنع من الأساس تداول عملتها خارج حدودها.
ولأن الكلام يجيب كلام.. فقد حدث خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس الأمريكى جيمى كارتر وقتها إلى الصين.. أن أثار مع القادة الصينيين مسألة حقوق الإنسان. أمريكا، ككل امبراطورية مستجدة، تريد تغليف مصالحها من خلال انتحال رسالة تبشيرية تعطيها تفوقا أخلاقيا يسمح لها بمحاسبة الآخرين. الرئيس الأمريكى، وباسم حقوق الإنسان، يحث قادة الصين على مزيد من الانفتاح على العالم فيسمحون مثلا بالمزيد من عرض الأفلام والمسلسلات التليفزيونية الأمريكية بلا قيود، ويسمحون للصينيين بحرية الانتقال والسفر إلى الخارج.. إلخ.
الصينيون استمعوا إلى الرئيس الأمريكى بكل تهذيب إلى أن فرغ تماما من عرض كل حججه.حجج رسالته الإنسانية التى يريد للمواطنين الصينيين التمتع بها. بعدها قال له رئيس وزراء الصين بكل هدوء: سيادة الرئيس.. لنفترض جدلا أن لدى زرارا أضغط عليه فتقوم دور السينما ويقوم التليفزيون الصينى بإغراق الصينيين بالمسلسلات والأفلام الأمريكية.. ولدى زرارا آخر يطلق تماما حرية تنقل الصينيين وسفرهم إلى الخارج حسب رغبة كل مواطن. والآن لنفترض أيضا أن عشرة بالمائة فقط من شعب الصين أعجبته أفلامكم ومسلسلاتكم التليفزيونية وصدقوا ما تعبر عنه من حياة مرفهة وسيارات فارهة وعنف وأموال فى لمح البصر.. فأرادوا الهجرة إلى أمريكا سعيا إلى تلك الجنة. عشرة فى المائة فقط يا سيادة الرئيس من شعب الصين. يعنى 120 مليون صينى.هل سفارتكم فى بكين مستعدة لإعطائهم تأشيرات دخول إلى أمريكا ؟ بلاش عشرة بالمائة. فلنقل خمسة بالمائة.
يعنى ستين مليونا. بل حتى واحد بالمائة يا سيادة الرئيس، يعنى 12 مليون صينى. نحن مستعدون للسماح لهم فورا بالخروج من الصين. هل أنتم مستعدون لتنفيذ جانبكم من الصفقة وتسمحون لهم بالقدوم إلى أمريكا لأنهم من حقهم إنسانيا اختيار مكان إقامتهم وعيشهم وأنتم تكررون صباح مساء التزامكم بحقوق الإنسان. إذن.. فلتكن هذه هى الصفقة :أنتم لديكم سلع تنتجونها وتريدون من يشتريها.. ونحن لدينا شباب بالملايين ويريدون وظائف منتجة وحياة كريمة ومسئوليتنا أن نبنى لهم المصانع والمرافق هنا كخطوة ضرورية لانطلاق أحلامهم. هل تقبلون مثل هذه الصفقة؟ واحد فى المائة من شعب الصين يا سيادة الرئيس..
لم يرد الرئيس، مفضلا الانتقال إلى البند التالى فى المباحثات.
مع تفكك الاتحاد السوفيتى وانفراد أمريكا بعرش القوة العالمية، عسكريا على الأقل، خرجت أمريكا على العالم بفكرة «العولمة» و«الخصخصة» ثم بمنظمة التجارة العالمية.بالعولمة تقصد أمريكا شطب القيود على حركة رأس المال وانكماش سيادة الدول على حدودها. وبالخصخصة تقصد خروج كل دولة من الاقتصاد المنتج والتزامها ببيع صناعاتها ومشروعاتها العامة.. خصوصا الأكبر منها والأكثر ربحا.والبيع يكون للمشترى الذى ترشحه مؤسسات أمريكية تحديدا وبالسعر الذى تقترحه، فينتهى الأمر بعد وقت يطول أو يقصر إلى عودة الاستعمار الأجنبى من الشباك بعد أن طردته الدول النامية من الباب.فى هذه المرة لا تسيل دماء ولا يسقط شهداء. فقط يتم وضع اليد على اقتصاد الدولة وتحويل أرباح مشاريعها الناجحة إلى الخارج أولا بأول. أما منظمة التجارة العالمية فتشرف على إزالة العقبات أمام دخول السلع الأجنبية واختصار الرسوم الجمركية التى كانت تحصل عليها الدولة كجزء من مواردها. وبتلك المنظمة تكتمل أضلاع المثلت مع البنك الدولى وصندوق النقد الدولى كأدوات فرضتها أمريكا على العالم كنتيجة مباشرة لخروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية.
من الملفت هنا أن نفس أمريكا التى استمرت لعقود تلح على الآخرين لفتح حدودهم أمام منتجاتها، وتوسعت فى هذا الإلحاح من باب «العولمة» هى أيضا التى تقيم أكبر سور على حدودها المشتركة مع المكسيك، الدولة الجارة جنوبا، لمنع أى تسلل من مواطنين مكسيكيين قد يحاولون الذهاب إلى أمريكا سعيا إلى فرص عمل تنقذهم من البطالة. المنع هنا يعنى الاعتقال والسجن والطرد.. وأحيانا إطلاق الرصاص.
وبينما صندوق النقد الدولى يفترض فيه أن يساعد الدول المأزومة التى قد تلجأ إليه لتدعيم عملاتها.. فإنه هو أيضا نفس الصندوق الذى ساهمت مشورته فى خراب اقتصاد دول بكاملها ووضعها تحت وصايته. نتذكر طبعا تلك المجموعة من الدول فى جنوب شرقى آسيا التى كانت تسمى «النمور الآسيوية» لأنها حققت فى جيل واحد نهضة اقتصادية غير مسبوقة. نهضة اعتمدت على الدور المركزى للدولة فى الحياة الاقتصادية والقيود الصارمة على الاستيراد والاستثمار المكثف فى التعليم المجانى والصحة والزراعة والصناعة والبنية التحتية.. إلخ. لكن مع الترويج لشعار «العولمة» استخدمت أمريكا صندوق النقد الدولى للإلحاح على تلك الدول بفتح أبوابها أمام دخول وخروج رأس المال وتفكيك القيود الصارمة على أداء البنوك وسماحها بالحصول على استثمارات أجنبية قصيرة المدى تستخدم فى تمويل عقارى طويل المدى من نوع إقامة المنتجعات الفاخرة بملاعب جولف متسعة ومراكز تسوق متضخمة.. إلخ.
وكنتيجة مباشرة لتلك النصائح المسمومة، وبدءا من تايلاند والمضاربة على عملتها، صحت تلك الدول ذات صباح لتجد نفسها تحولت فى لمح البصر من دول غنية ودائنة ومنتجة ومصدرة وعمالتها فى حالة تشغيل كامل.. إلى دول فقيرة ومدينة ومفلسة والملايين من عمالها على أرصفة البطالة.
فقط فى حالة رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد وقتها جرى التمرد المعلن على صندوق النقد الدولى ومشورته المسمومة، فارضا القيود الفورية على حركة رأس المال دخولا وخروجا وضرائب على الأرباح وضرائب أخرى على تحويلها إلى الخارج..و.. و.. محملا مسئولية الخراب الذى جرى على المضاربين الدوليين بقيادة جورج سوروس الأمريكى من أصل مجرى.. وأيضا صندوق النقد الدولى. وما تزال فى الذاكرة تلك الصورة الشهيرة لرئيس أندونيسيا الراحل الجنرال سوهارتو جالسا على منضدة يوقع اتفاقية استسلام لشروط صندوق النقد الدولى، بينما مدير الصندوق واقف إلى جانبه وفى عينيه نشوة المنتصر، فبمقتضى ذلك الاتفاق باعت أندونيسيا تاليا شركاتها ومصانعها العامة المنتجة والرابحة والكبيرة إلى السماسرة الأجانب بسعر التراب. إنه خراب ماتزال أندونيسيا تدفع ثمنه حتى اليوم.
لم يكن صندوق النقد الدولى يتصرف فى هذا كله كمؤسسة دولية، وهى صفته المعلنة، وإنما كامتداد لوزارة الخزانة الأمريكية. ومن البداية صممت أمريكا بنية الصندوق بحيث تحتكر لنفسها سلطة الفيتو النقض على قرارات الصندوق بحيث لايصدر أى قرار إلا بموافقتها. لقد استخدمت هنا حيلة بسيطة هى اشتراط حصول أى قرار على 85 فى المائة من الحصص التصويتية للدول الأعضاء. ولأن حصة أمريكا هى 15.6 بالمائة فإن الاعتراض الأمريكى على أى مشروع قرار يسقطه كأن لم يكن. أكثر من ذلك كان التلاعب من البداية فى الحصص التصويتية للدول الأعضاء. هكذا نجد أن بلجيكا ولوكسمبرج وهولندا مثلا وهى ثلاث دول سكانها 28 مليونا لها معا قوة تصويتية فى الصندوق أكثر من الصين والهند والبرازيل مجتمعة، وهى ثلاث دول مجموع سكانها 2600 مليون نسمة.
أما حرص صندوق النقد الدولى على أن يكون له رجاله أو عيونه وآذانه داخل حكومات الدول الأعضاء كلما تيسر له ذلك.. فهو ملف متضخم يطول الحديث فيه. فقط أكتفى هنا بالعودة إلى أزمة دول جنوب شرقى آسيا فى سنة 1997 وتفرد ماليزيا بالتمرد على الصندوق والتصرف بعكس مشورته.أحد الأسباب المباشرة لذلك هو أن مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا وقتها اكتشف أن نائبه ووزير ماليته أنور إبراهيم قد سرب بغير علمه، ولا علم مجلس الوزراء، بعض النصائح المسمومة من صندوق النقد الدولى إلى البنوك الماليزية. وفجع مهاتير محمد أيضا فى اكتشافه أن أنور إبراهيم كان هو عين وأذن صندوق النقد الدولى داخل الحكومة منذ سنوات.بالطبع جرت إقالة ذلك الوزير فورا وتحول الأمر تاليا إلى فضيحة من نوع آخر ليس هذا مجالها.
فى الأزمة الحالية زاد مستوى الخراب بزيادة عدد الدول التى حررت أسواقها المالية استجابة لإلحاح صندوق النقد الدولى ووزارة الخزانة الأمريكية. دولة مثل ايسلندا اضطرت لإعلان إفلاسها بعد أن اكتشفت أن طريقها المباشر إلى هذا الخراب بدأ يوم قامت فى سنة 2002 بتحرير بنوكها من الملكية الحكومية. يعنى الخصخصة. أستاذ اقتصاد حائز على جائزة نوبل بحجم جوزيف ستيجليتز قال إن أسوأ ما فى الأزمة الحالية هو أن عديدين كانوا قد تنبأوا بها ولم يستمع إليهم أحد.آلان جرينسبان المحافظ السابق للبنك المركزى (الفيدرالى) الأمريكى لمدة 18 سنة اعترف أمام لجنة استماع فى الكونجرس يوم 23 أكتوبر بأنه أخطأ فى ثقته الزائدة بأن الأسواق تستطيع أن تنظم نفسها وبالتالى تساهل مع البنوك فى تقديمها القروض السهلة بغير ضمانات.
هو أخطأ لسنوات، والآن لم تعد أمريكا هى وحدها التى تدفع الثمن، وإنما معظم الدول التى سايرت أمريكا. ولم أجد من يركز المعنى هنا بأفضل من جريدة «الجارديان» فى لندن التى كتبت فيها مادلين بونتينج تقول إنه فى شهر سبتمبر الماضى: «تعرضت الولايات المتحدة وأوربا إلى الإذلال بسبب الفشل الكارثى للقواعد التى سبق لهم فرضها على الآخرين. والآن هم أصبحوا مضطرين إلى تمزيقها. إن المعايير المزدوجة للمصالح الغربية انكشفت بالكامل، فخططهم الاقتصادية للعلاج الآن هى بالضبط ما كانوا يرفضون مرة بعد مرة السماح للدول الأخرى بعمله فى أزمات مشابهة».
هم الآن مضطرون لمراجعة أنفسهم, يناقشون خطاياهم. ينقلبون على ما سبق لهم ترويجه. يمارسون التدخل الجبرى فى الاقتصاد ويفرضون التأميم كليا أو جزئيا أو حتى الاستحواذ.. ويضعون قواعد جديدة معاكسة تماما لكل ما اعتاد صندوق النقد الدولى أن يفرضه على كل دولة صغيرة وضعيفة اضطرتها الظروف إلى الالتجاء إليه.
أما نحن هنا فنعتبر أنه شرف عظيم أن يجرى انتخاب وزير المالية عندنا لرئاسة اللجنة المالية فى صندوق النقد الدولى، وهى لجنة استشارية تجتمع مرتين فى السنة. انتخاب قيل إن شرطه المسبق من صندوق النقد الدولى هو أن تحتفظ الحكومة المصرية لذلك المرشح بمنصبه كوزير للمالية لمدة ثلاث سنوات قادمة.
إنه شرط غريب ممن ابتدعوه. وهو أغرب وأغرب وأغرب ممن صدقوه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.