لم يلتفت كثيرون وسط الضجيج الذى أثاره توالى الإعلان عن تأسيس أحزاب جديدة، بعضها جاد وكثير منها وهمى، إلى عدد من القضايا المهمة فجرتها برامج ومواقف هذه الأحزاب. القضية الأولى هى قضية المرجعية الدينية- الإسلامية تحديداً- للدولة وللحزب، فالأحزاب الخمسة التى تعلن أن لها مرجعية إسلامية «الحرية والعدالة- النور- الوسط- الفضيلة- الحضارة»، تؤكد أنها أحزاب مدنية، وتستند فى ذلك إلى التعديل الذى أدخله المجلس الأعلى للقوات المسلحة على قانون الأحزاب، وأجاز قيام أحزاب بمرجعية دينية بعد أن كان النص يمنع قيام أحزاب دينية أو على أساس مرجعية دينية. و«المرجعية الدينية» هى الاسم الحركى للدولة الدينية والحزب الدينى، فحزب مثل حزب الحرية والعدالة الذى أسسته جماعة الإخوان المسلمين يقوم على مبادئ ومنطلقات الجماعة التى رفعت منذ تأسيسها شعار «الإسلام دين ودولة» وتدعو لإقامة الدولة «الإسلامية» والخلافة الإسلامية، وتميز ضد الأقباط والمرأة فى تولى الوظائف العامة، وتدعو فى مشروع برنامج الحزب الذى طرحته عام 2007 إلى عرض جميع مشاريع القوانين قبل إصدارها على «هيئة كبار العلماء» لتقرر مدى توافقها مع مبادئ الشريعة الإسلامية. إن الخلط بين الدين والسياسة، أى الخلط بين المقدس والنسبى الذى هو مثار للخلاف والصراع، يضر بالدين وبالسياسة معاً، والمخرج فى التمسك بشعار ثورة 1919 «الدين لله والوطن للجميع». القضية الثانية هى قضية المادة «2» فى دستور 1971 الملغى، التى تم نسخها نصا فى الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتحت رقم «2» أيضاً، فأغلب الأحزاب القائمة والجديدة أعلنت، صراحة أو ضمنًا، رفضها لإلغاء هذه المادة أو تعديلها. ويخضع هؤلاء للإرهاب الفكرى الذى أشاعه الإخوان وتيارات الإسلام السياسى، والذى فرض قدسية على مادة فى الدستور وجعل الاقتراب منها «خطا أحمر» رغم أن هذه المادة تميز ضد غير المسلمين، ويستند إليها بعض دعاة التفرقة والفتنة الطائفية. وتتعارض مع مواد الدستور التى تنص على حقوق المواطنة والمساواة بين المواطنين. وبداية فلم يطالب أحد بإلغاء هذه المادة. ولكن انصبت المطالبات على ضرورة تعديلها لتتوافق مع مواد الدستور الأخرى ومدنية الدولة، وأصل هذه المادة فى دستور 1923 هو مادة تنص على أن الإسلام دين الدولة، وإضافة مبادئ الشريعة الإسلامية هى مصدر «ثم المصدر» الرئيسى للتشريع تم فى دستور 1971 على يد الرئيس الراحل أنور السادات، والتعديل الدستورى عام 1980 كان مناورة سياسية لكسب التيارات الإسلامية إلى جانبه فى صراعه من أجل السلطة، والتعديل المطلوب بسيط، وينص على: «الإسلام دين غالبية المصريين، ومبادئ الشرائع السماوية والقيم العليا للأديان أحد مصادر التشريع». القضية الثالثة تتعلق بأن الأحزاب التى قدمت أوراق تأسيسها للجنة شؤون الأحزاب وتم تأسيسها قانوناً، أو فى طريقها للحصول على الموافقة، هى أحزاب رجال الأعمال أو القادرين مالياً من الطبقة الوسطى، مؤكداً بذلك ما قالته الأحزاب والكتاب والقوى الديمقراطية من أن تعديلات قانون الأحزاب تقصر الحق فى تأسيس الأحزاب السياسية على الأغنياء، فثراء الإخوان معروف للجميع، وحزب المصريين الأحرار، وبصرف النظر عن مؤسسه نجيب ساويرس أعلن أنه جمع من 27 من أعضائه 6.5 مليون جنيه، وفى المناظرات التى جمعت عدداً من هذه الأحزاب وأقيمت فى قاعات فى الفنادق الكبرى، كان هناك رسم دخول يتراوح بين 20 و500 جنيه للفرد، ونشرت «اليوم السابع» تقريراً صحفياً حول نية بعض كبار رجال الأعمال مثل ثروت باسيلى، وصفوان ثابت، وشريف الجبلى، وخالد نصير، الانضمام لحزب المصريين الأحرار، أو الحرية والعدالة أو الوفد برئاسة د.السيد البدوى. القضية الرابعة هى قضية الائتلافات والتحالفات وهى قضية تحتاج لمقال خاص فيما بعد.