افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    سعر سبيكة الذهب بعد تثبيت الفائدة.. اعرف بكام    مياه الشرب بالجيزة.. كسر مفاجىء بمحبس مياه قطر 600 مم بمنطقة كعابيش بفيصل    يمن الحماقي: أتمنى ألا أرى تعويما آخرا للجنيه المصري    نداء عاجل من غرفة شركات السياحة لحاملي تأشيرات الزيارة بالسعودية    أسعار الدواجن البيضاء في المزرعة والأسواق اليوم الجمعة 24-5-2024    أوقاف القليوبية: توزيع 10 أطنان لحوم وسلع على الأسر الأولى بالرعاية    الجيش الإيراني يعلن النتائج الأولية للتحقيق في حادثة مروحية رئيسي    حزب الله اللبناني يعلن استهدف جنود إسرائيليين عند مثلث السروات مقابل بلدة يارون بالصواريخ    قرار يوسع العزلة الدولية.. ماذا وراء تصنيف الحكومة الأسترالية لميليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية؟    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    هيثم عرابي يكشف تعليمات طلعت يوسف للاعبي فيوتشر قبل مواجهة الزمالك    "قمة اليد والدوري المصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    منتخب مصر يخسر من المغرب في ربع نهائي بطولة إفريقيا للساق الواحدة    خالد جلال: جوميز كان يعرف من أين تؤكل الكتف    إكرامي يكشف سلاح الأهلي للفوز على الترجي ويوجه رسالة للشناوي    "فوز الهلال وتعادل النصر".. نتائج مباريات أمس بالدوري السعودي للمحترفين    إصابة 5 أشخاص في انقلاب سيارة ربع نقل بصحراوي المنيا    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    خبطة في مقتل.. تفاصيل ضبط ترسانة من الأسلحة والمخدرات بمطروح    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بالقليوبية    الأرصاد تتوقع تحسن الطقس وكسر الموجة الحارة    نقابة المهن الموسيقية تعزي مدحت صالح في وفاة شقيقه    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج القوس الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    وفاة شقيق الفنان مدحت صالح    أسماء جلال أنيقة وياسمين صبري بفستان عصري.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| نجاة فنانة من حادث سير وهيفاء وهبي تتصدر "التريند" بسبب التجاعيد    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    شوبير يُعلن موقف عبد المنعم وهاني من المشاركة أمام الترجي    عمرو أنور يعلن رحيله عن طنطا ويقترب من تدريب المصرية للاتصالات    شهادات سيدات ل«المصرى اليوم» تحكى تجربة استخدام أوبر : «بنعيش أوقات من الرعب»    الأحزاب السياسية: أكاذيب شبكة CNN حول مصر تتعمد تضليل الرأي العام.. تقرير    مأساة غزة.. إدارة مستشفى شهداء الأقصى تحذر من كارثة خلال ساعات وتقدم طلبا لتفاديها    5 شهداء وعدد من الجرحى في قصف شقة سكنية وسط حي الدرج بمدينة غزة    طريقة الاستعلام عن معاشات شهر يونيو.. أماكن الصرف وحقيقة الزيادة    عاجل.. الموت يفجع الفنان مدحت صالح في وفاة شقيقه    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    جيش الاحتلال يتصدى لطائرتين مسيرتين فوق إيلات    تحقيقات موسعة بواقعة ضبط أكبر شحنة كوكايين في 2024 ببورسعيد    انطلاق المؤتمر السنوي ل «طب القناة» في دورته ال 15    لجنة سكرتارية الهجرة باتحاد نقابات عمال مصر تناقش ملفات مهمة    محمد نور: خطة مجابهة التضليل تعتمد على 3 محاور    الفريق أول محمد زكى: قادرون على مجابهة أى تحديات تفرض علينا    رئيس الوزراء يناقش سبل دعم وتطوير خدمات الصحفيين    محافظ بورسعيد يشيد بجهد كنترول امتحانات الشهادة الإعدادية    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    بالفيديو.. خالد الجندي: عقد مؤتمر عن السنة يُفوت الفرصة على المزايدين    قبل قصد بيت الله الحرام| قاعود: الإقلاع عن الذنوب ورد المظالم من أهم المستحبات    وزارة الصحة تؤكد: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى    محافظ كفر الشيخ يتفقد السوق الدائم بغرب العاصمة    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    عفو السيسي عن عقوبة "البحيري" .. هل عطّل الأزهر عن فتوى جديدة عن "مركز تكوين"    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر فصلا من "ثورة الخل والبصل" للدسوقى رشدى
نشر في اليوم السابع يوم 11 - 04 - 2011

أعرف أن مقدمات الكتب مزعجة، نستخدم فيها اليقين الكامل ونحن نحاول إقناعك بأنك ستقرأ كتابا محصلش، ويظل كل كاتب فينا يحكى لك عن مميزات سطور كتابه، وكيف سهر الليالى حتى يصبح بين يديك، ولا تستبعد أن يبالغ أحدهم ويخبرك بأنه كتب الكتاب لك أنت خصيصا..
هل يمكن أن تتوقف لحظة لتكتشف كم مرة خدعك هؤلاء المؤلفون بتلك المقدمات الغرقانة فى مديحك أيها القارئ الذى يدفع من جيبه حتى تتقدم كتبهم فى قوائم الأكثر مبيعا؟
آسف يا عزيزى.. أنا لم أكن أنوى تذكيرك بذلك، ولكن أنا فقط أحاول أن أخبرك بألا تخشى السقوط فى هذا الفخ، فهذه ليست مقدمة، وربما لا يكون هذا كتابا من أصله.. أنت صاحب القرار؟!
الثورة تفرض علينا أشياء مختلفة.. أن أكتب أنا كلاما مختلفا، لكى تقرأه أنت بشكل مختلف أليس كذلك؟! ألم تغيرك الثورة وتجعلك ترى الأشياء بمنظور أكثر اختلافا مما كانت عليه الأمور من قبل؟!.. إن لم يحدث معك ذلك وكنت من هؤلاء الذين أصابهم الفزع أو الضيق من عنوان الكتاب، وتخيلت أن استخدام الخل والبصل هنا غرضه السخرية أو الفذلكة أو فيه إهانة لثورة وثوار25 يناير، دعنى وبكل أسف أقل لك بأن الحظ لن يحالفك مع هذا الكتاب، لن تفهمه ولن يفهمك، لن تحبه.. وسيبادلك هو نفس الشعور.
وحدهم فقط أبناء الثورة اللى بجد، الذين نزلوا إلى الشوارع فى 25 يناير يوم البداية و28 يناير يوم جمعة الغضب، سيفهمون لماذا استخدمت الخل والبصل فى العنوان، وسيدركون لماذا اخترت للثورة اسما يحمل كل هذه الروائح، بينما الناس فى البلدان الأخرى يطلقون على ثوراتهم أسماء الزهور؟!.
الخل والبصل ومعهم الكولا بنوعيها سواء كانت بيبسى أو كوكا كولا هم شفرة ثورة 25 يناير التى لا يفهمها سوى الذين أشعلوا نارها وخاطروا بالنزول إلى الشارع فى الأيام الأولى، بينما كان الكل ينتظر ويترقب لحظة الانتصار للقفز عليها، أو لحظة الهزيمة لإعلان شماتته وبراءته من تلك المحاولة الخائبة..
وحدهم الذين نزلوا إلى ميدان التحرير وكورنيش الإسكندرية وشوارع السويس، يفهمون أن الخل والبصل والكولا فعلا ما هو أكثر من حماية الأنوف والأجهزة التنفسية والعصبية من فيضان القنابل المسيلة للدموع التى أطلقها رجال حبيب العادلى بلا رحمة وبلا حساب، حتى أننا فى ميدان الجلاء يوم جمعة الغضب أحصينا سقوط أكثر من 200 قنبلة مسيلة للدموع فى نصف ساعة فقط، واكتشفنا أن أغلبها قنابل منتهية الصلاحية مثلها مثل النظام الذى قرر أن يستخدمها لقمع الذين يبحثون عن الحرية والكرامة.
تعال أبدأ معك من الأول حتى تعرف لماذا ظهر الخل والبصل ومعهما الكولا فى المظاهرات، أنت تعرف أو عرفت أو شاهدت أو سمعت أو شوفت بعينك وعشت اللحظة ما الذى تفعله القنابل المسيلة للدموع فى المتظاهرين، تلك الأسطوانة فضية اللون وارد.
أمريكا تجعل من العيون جمرة من النار، وتصيب بنوع من الحرقان، كنا نتخيل أنه خاص بجهنم فقط، وتخنق الصدر وتخيل لك بأن الأنفاس الأخيرة على وشك الدخول والخروج، ولأن نظام مبارك تكفل طوال سنوات حكمه بإفساد الأجهزة التنفسية للمصريين بمصانع الأسمنت والبلاستيك والكيماويات، فكان تأثير قنابل الغاز على هذه الصدور التعبة والمريضة أقوى وأعنف وأشرس مما قد يحدث فى الحالات العادية.
ولأن سؤال المجرب أفضل من سؤال الطبيب وأرخص كمان، فقد جاءت نصائح المجربين والمتمرسين لتقول بأن استنشاق الخل والبصل يهدئ من روع حرقان الغاز ويمنح الجهاز التنفسى فرصة للنجاة من الاختناق، واستخدام الكولا هو طوق النجاة للعيون مما يسببه غاز تلك القنابل من هياج ونار، ولأن العزم كان واضحا والنية كانت معقودة، ولأن الذين نزلوا إلى الشوارع يعلمون أن أجهزة الأمن لن ترحم شابا ولا شيخا ولن تفرق بين رجل أو امرأة وستسعى لأن تغلق أفواه الجميع وتخلى الشوارع لكى تعطى مبارك تمامها الشهير بأن الأمن مستتب والوضع تحت السيطرة، تسلح أغلب المتظاهرين بالخل والبصل والكمامات، وأعطت زجاجات البيبسى وكانزات الكولا المنتشر فى أيدى المتظاهرين إحساسا بأن الأمر نزهة وليس مظاهرات ستتحول فيما بعد وبفضل تلك الكانزات وروائح الخل والبصل إلى ثورة تطيح برأس نظام كنا نتخيل أنها أنشف من رأس أبو الهول.
الخل والبصل والكولا وفروا الحماية الصحية للمتظاهرين، ذلك هو الظاهر من الحديث عنهم وعن دورهم فى الأيام الأولى من ثورة 25 يناير ولكنهم صنعوا ما هو أهم.. أبقوا على تلك الثورة وحافظوا عليها.
ومرة أخرى، وحدهم الذين نزلوا إلى الشوارع فى 25 يناير وفى جمعة الغضب وأيام الثورة الأولى بشكل عام يدركون ذلك، ويشعرون بذلك الرابط الاجتماعى الذى خلقته حالة تبادل الخل والبصل والكولا بين المتظاهرين كلما أصاب أحدهم دخان القنابل المسيلة للدموع الخانق والشرير.
هذه اللهفة فى التنازل عن قطعة من البصلة أو شراء زجاجات الخل والكولا من الأكشاك، أو كمامات من الصيدلية، من أجل إسعاف مصاب أو إنقاذ مختنق أو سد عجز من جاء للمظاهرة بدون تلك الأسلحة الواقية، كشف المصريون أمام بعضهم للمرة الأولى، وفتحت مجالات للتعارف والنقاش انتهت بصداقة وبحب وزواج فى بعض الأحيان.
أعاد المصريون اكتشاف أنفسهم بحالة التضامن هذه، وشعر كل واحد وجد من يرفعه على كتفه بعد أن سقط مغميا عليه، أو وجد من يهديه زجاجة مياه أو كولا أو كمامة، بأنه ليس وحيدا فى مواجهة تلك القنابل والبنادق، شعر المصريون فجأة بأنهم قادرون على بناء ذلك البنيان المرصوص الذى يشد بعضه بعضا فلا يستطيع أى ديكتاتور هدمه.
أنا لا أبالغ إن قلت لك بأن عمليات تبادل الخل والبصل والكولا هى السبب الرئيسى فى استمرار تلك الثورة، لأن الروابط بين المتظاهرين سمحت لهم بأن يشدوا من أزر بعض، وأن يجد كل فرد فيهم مساحة لدى الآخر فى أن يؤكد عليه بضرورة النزول إلى الشارع أو البقاء فيه، وفتحت المجال لإنشاء وخلق مجموعات جديدة من الشباب أخذت على عاتقها تنظيم مسيرات فى شوارع أخرى وحث الرابضين فى منازلهم على النزول إلى الشارع والمشاركة.
أنا لا أبالغ إن قلت ذلك.. إن قلت إن الخل والبصل عرفا الغنى على الفقير، والمسلم على المسيحى، والشاب على العجوز.. عرفت مصر على بعضها..
ادخل برجلك اليمين إذن، وسمِّ الله وأنا سأدعو لك بأن تقرأ شيئا يبقى على شرارة تلك الثورة مشتعلة بداخلك، وربما نكتشف معا سر العفريت الذى كان يحكم تلك البلد..
انتظر لحظة.. أنا لم أخبرك أصلا عن العفريت، دعنى أحكى بسرعة لأن الأمر يهمك، ألست معى فى أن الجنون سكن رأسك، وأن رغبتك فى خبط تلك الرأس فى أقرب حيط حاضرة وقوية بسبب تصريحات رجال نظام مبارك السابق المستفزة والمضحكة، أليس غريبا أنه كلما يظهر أحدهم ليتحدث عن نظام مبارك وأخطائه يبرئ نفسه ويصرخ قائلا: "أنا ياما قلتلهم بس هم مسمعوش كلامى"..
فتحى سرور قال ذلك، ومصطفى الفقى قال إنه طالما نصح الرئيس بالاستجابة لمطالب الشعب، وصفوت الشريف قال مثله، وأحمد عز قال إنه ليس مسئولا، وإنه طالما نصح بتطوير الحزب، والعادلى قال فى التحقيقات إنه قال لا لضرب المتظاهرين بالرصاص، ورشيد قال من الخارج إنه دائما ما كان ينصح الرئيس بالقضاء على الفساد، ومبارك نفسه قال إنه أعطى تعليمات بنشر الحرية ورفع مستوى المواطن، لتكتشف فى نهاية تلك اللعبة أن هؤلاء الذين كبسوا على أنفاس البلد ونهبوا خيراتها ليسوا مذنبين، وأن عفريتا خفيا هو الذى كان يحكم تلك البلد، ودخل إلى قمقمه حينما صرفته الثورة وتركهم للمصير المجهول.. مش بذمتك نفسك تشكر العفريت؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.