لا أستطيع أن أفهم لماذا نصر دائما نحن المصريون على عدم إكمال العمل، أى عمل، بالصورة المثلى الواجبة؟ لماذا لا نفكر بعقلانية وتجرد؟ كيف لا نتخذ القرارات الحاسمة فى التوقيتات المناسبة؟ لم لا نجتث ما فينا من عيوب أزلية وننهض ولو لمرة واحدة وننطلق دون عودة لجهل أو فقر أو مرض أو تخلف؟ إلى متى سنظل كذلك بعيدين عن كل ما هو منطقى وعلمى؟ لماذا تظهر الأشياء واضحة أمام أعيننا ونتعمد ألا نراها؟ لماذا نعلم الحقائق من الماضى والحاضر ولا نتعظ بها أو نحتاط منها فى المستقبل؟ لماذا نحن هكذا نشكو من الظلم والقهر والاستبداد بينما تقودنا أفعالنا إلى استجداء الظالم والقاهر والمستبد منا أو من خارجنا ليحكم فينا ويتحكم؟ هل هى عقد نفسية أم قصور عقل أم قلة حيلة؟ ما هذا الهوان والضعف؟ أسقطنا حاكما وانشغلنا بفرعيات عن هدفنا وهو إسقاط نظام فاسد شاركنا كلنا فى صنعه، أردناها حرية فباتت فوضى، شعارنا بناء الدولة وقبل أن نشرع فى خطوات البناء تسابقنا فى هدم الأساسيات من ثوابت القيم حتى أصبحنا على وشك سقوط الدولة، كل ذلك حدث ويحدث وسيحدث لأننا نسير حياتنا بدون تخطيط بستر الله ورحمته وبدعاء الوالدين، نرى فقط ما تحت أرجلنا، ما يهمنا هو الآن، وليس ثم ماذا بعد، مع كل ادعاءاتنا أننا نعمل للمستقبل، نتفرغ لأنفسنا بأنانية وجهالة ولا نفكر فى أجيالنا القادمة، كلنا ندعى الوطنية وتدمع أعيننا عند سماع أغنية ولا نقوم بذرة خردل من عمل أو موقف يثبت أننا مازلنا وطنيين. أنا أقصد بكلامى هذا كل المصريين، أغلبية الشعب من منشدى التغيير أو هؤلاء ممن يؤيدون النظام السابق، ثوار ميدان التحرير أو محركى الثورة المضادة، المواطنين الشرفاء أوالمجرمين والبلطجية واللصوص، المعتصمين أو معارضى الاعتصامات، الأغنياء أو الفقراء، المتعلمين أو الأميين، المثقفين أو الجهلة، من فى يدهم القرار من الجيش والحكومة أو جموع الشعب بمؤيديه ومعارضيه، المخلصين أو الخونة.. أقصدهم جميعا وأحثهم جميعا ألا يسعوا بحسن نية أو بسوئها إلى إسقاط الدولة عمدا أو عن غير قصد لأنه لو حدث ذلك لا قدر الله فالجميع ولأجيال وعقود قادمة، كبيرا أو صغيرا، أبا أو ابنا، مسيحيا أو مسلما، صالحا أو مجرما، ظالما أو مظلوما سيعانى هو وأولاده وأحفاده وأحفاد أحفاده معاناة تفوق بشاعتها خيال أكثر المتشائمين منا وأغلظ الأعداء قلبا علينا من غيرنا. منذ متى ونحن نثق فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وفى الغرب عموما بمخططاته على مدار التاريخ لإسقاطنا، وتهديد أمننا القومى بنهب ثرواتنا واغتيال أحلامنا فى غد أفضل، حتى نصحو وننام نتشدق بكلمة أوباما وتصريح هذا وتعقيب ذلك فى مدح الثورة والأهداف واضحة لمن يرى وهى إلهائنا بالاحتفال عن العمل وشغلنا بالفرعيات عن الأصل والتمهيد لمد أواصر الود المزعوم والبحث عن بدائل أخرى ووجوها جديدة من بيننا لتكملة السياسات والأجندات بأساليب أكثر عصرية وخبث .كيف نظن أن العالم تغير حقيقة بثورتنا وعلى أيدينا وهو فاعل بتنظيم وتخطيط لن ينقطع لخدمة مصالحه ومن ركائز ذلك ألا تقوم لنا قائمة وهاهى دول شديدة الضآلة فى حوض النيل بإيعاذ غير معلن من أعداء أمتنا تتطاول علينا فعلا وليس قولا . الغرب لا يهمه مسيحيى مصر أو مسلميها، نحن فى نظره مجرد عالم ثالث متخلف يملك ثروات وأهمها الثروة البشرية التى ستهدده حتما إن انتفضت وأفاقت من غيبوبتها. لذا فهو يلعب على نفس الوتر الحساس عن طريق بقايا أتباعه من بيننا وشركائه من دول تحيط بنا كإسرائيل وغيرها، لا يجب أن نختزل ما يحدث الآن على أذيال الثورة المضادة للنظام السابق فقط وإلا صرنا بلا بصيرة أو بصر. لا يهمنى ماذا يفعل الآخرون لإسقاطنا ولكن ما يؤرقنى هو ماذا سنفعل نحن لتفويت تلك الفرص على هؤلاء، أولا لنتحلى بالصدق والموضوعية، من منا بلغ عقده الخامس أو أكبر عمرا وشعر بالفرق بين المسلم والمسيحى فى مصر أو نشأ على سؤال ما ديانتك؟ لا أحد من كان وراء السلفيين والمتطرفين من المسلمين والمسيحيين الذين عاثوا فينا فسادا؟ هى أياد وأذناب خارجية وداخلية هدفها إشعال الفتنة بين نسيج الوطن الواحد، خارجية لإسقاطنا وداخلية لإحداث انشقاق بيننا يمكنهم من السيطرة علينا وإحباط هممنا، هذا الانشقاق لم يكن دينيا فقط للعامة دون الصفوة من المثقفين بل كان بين الأغنياء والفقراء، ورجال الأعمال والموظفين، ورجال الشرطة والمواطنين، وذوى المؤهلات العليا ومن هم دون ذلك.. كلهم من ذات الدين أو ليسوا منه، لا يهم، لم يكن الغرض مناصرة دين على آخر أو طائفة دون الأخرى ولكن الهدف كان أحداث الوقيعة بين كل فئات المجتمع للسيطرة الكاملة عليه، هذا عملهم سواء مخططين أو منفذين أو ذيول، وقد أجادوه، أما نحن فقد انساق الأغلبية منا دون وعى جهرا أو خفاء وراءهم، خاصة من هم منا دون نصيب وافر من الثقافة والعلم أو من هم من الأجيال الأصغر سنا الذين لم يشهدوا ما نشأنا ونشأت أجيالنا السابقة عليه من ثوابت الأخوة والترابط تجرى فى دماءنا منذ قديم الأزل، كلنا ذقنا الظلم والاستبداد والقهر والمعاناة طيلة عقود والكثير منا خاصة محدودى الدخل وبسطاء الحال ارتبطوا ولو معنويا بدور العبادة هربا من الدنيا وبحثا عن آخرة يجدون فيها ما فاتهم فيها وتركوا آذانهم للعديد ممن هم دون خبرة أو علم، فأخذوا قشور الأديان دون جوهرها وتمادوا فى العبادات وتجاهلوا المعاملات التى هى أصل العبادات، فالعبادات تهذب النفس البشرية لترقى فى معاملتها وترسخ قيمها لتنضبط الحياة، فالرب واحد وكل منا حر فى عبادته بطريقته، سبحانه يحاسب ويغفر ولا أحد منا له حق فى المزايدة على إيمان الآخر لأننا وبكل بساطة أهملنا جوهر الأديان وهو التعاملات فيما بيننا والقيم السماوية التى حثت عليها كل الأديان فوصلنا فى حياتنا إلى ما نحن فيه الآن . أصبحنا نستدعى الدين فى كل خلاف لندارى خيبتنا وصارت عبارة الفتنة الطائفية كالعلكة تمضع فى أفواهنا وأفواه وسائل إعلامنا بإيعاذ من الجهلة حكاما وداعين ومدعين ومنتفعين ومأجورين وخونة وأعداء، كل شىء قد يؤدى إليها، شجار بين صبية يلعبون إلى تساقط مياه غسيل على جار، إلى ثأر بين عائلات، إلى انتقام من جريمة عادية.. قتل أو سطو، أو تعد على ممتلكات خاصة أو عامة، ومنها بالطبع دور العبادة أو طريقة لحل مشكلة عاطفية واجتماعية بين فتاة من هنا وشاب من هناك الخ.. حتى الملتزمون فينا انشغلوا بلقمة العيش واستقرار حال رزق الفرد والأسرة بكل أنانية واستماتة وتهاونوا إلى حد الخيانة مرغمين فى الحفاظ على باقى أضلاع مكونات أمننا القومى. كل ما يمكن أن نفعله لتهديد أمننا القومى قمنا بإنجازه على خير وجه لخدمة أعداءنا فى الداخل والخارج غباءً منا وجهلا وتهورا وتقصيرا وتواكلا وكأننا جندنا لخدمتهم دون قصد منا وبلا عناء أو مقابل منهم، وبتفريطنا فى أمننا القومى بتمزيق نسيج الأمة وبتخريب الاقتصاد وبإثارة الفوضى بأغراض أو عن جهل، كما يحدث اليوم، تهدد أمن المواطن الفرد فى عرضه وحياته وماله وممتلكاته وصارت حياة كل واحد فينا معرضة للخطر فى كل لحظة من اللحظات، فماذا علينا فعله حاكمين ومحكومين؟.