هل تذكر الكاتب الكبير فهمى هويدى – قبل أو أثناء كتابة مقاله الأخير فى جريدة الأهرام فى 12/8/2008 بعنوان "الخطأ والخطيئة فى قراءة الأزمة الفلسطينية"، والذى بدأه بما يلى: "الخطأ أن تختزل الأزمة الفلسطينية فى الصراع بين رام اللهوغزة، والخطيئة أن نتجاهل مسئوليتنا عما يجرى وننفض أيدينا من الموضوع ونتحول إلى مراقبين ومتفرجين" – أقول هل تذكر – وهو كاتب مصرى أولا قبل أن يكون مفكرا إسلاميا – رقود أكثر من 25 من قوات الأمن المصرية وإصابة 50 آخرين داخل مستشفيات رفح، إثر الاعتداء الذى تعرضوا له من جانب أعداد كبيرة من الفلسطينيين عند بوابة صلاح الدين، عند محاولتهم اختراق الحدود المصرية بقذف الحجارة وإطلاق القنابل المسيلة للدموع والرصاص تجاه الجانب المصرى، وكذلك رفض نحو 1500 فلسطينى مغادرة سيناء وإحراق مواقع للإدارة التعليمية المصرية أواخر العام الماضى.. ألم تكن إستراتيجية حماس المغتصبة لنصف الدولة الفلسطينية قد اتضحت؟ فبعدما عزلت قطاع غزة واغتصاب السلطة من شرعيتها، حاولت وتحاول خلق زعزعة وتهديد لأمن مصر تحت حجة الحصار الإسرائيلى لغزة، وكأن الحصار الإسرائيلى لم يكن بيد حماس وتدبيرها بعدما اعتقلت قطاع غزة بأكمله، والذى يزيد عدد سكانه على 1.5 مليون نسمة فى غياهب الفقر والمرض للاستئثار بالسلطة والمال.. فبعدما فصلت القطاع عن الضفة وهو كان خطوة أولى للفصل الفعلى بينهما ليعطى الفرصة لإسرائيل، للتنصل من التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية برمتها.... فحماس التى تتمسك بموقفها وتواجدها على المعابر فى القطاع وسط استمرار الحصار الإسرائيلى، يعنى أن تظل هذه المعابر مغلقة إلى الأبد ويظل نصف الشعب الفلسطينى أسير حصار القوى الغاشمة المزدوجة "حماس وإسرائيل"... وبالرغم من هذا المشهد المأسوى بفعل حماس المغتصبة، وجدنا أن هناك أصواتا باركت هذا الانقضاض على حدودنا الوطنية، بل الأكثر من ذلك دعوا لتنظيم المظاهرات فى شوارع بر مصر لا لشىء إلا لتدعيم حماس فى السلطة، وليس لمصلحة الشعب الفلسطينى الذى من الأولى أن تكون رعايته من جانب من يحكمونهم من ذوى اللحى المزيفة.... بل والأكثر من ذلك، قامت طائفة الإخوان بمصر بتقديم نحو نصف مليار جنيه إلى حركة حماس، فى الأيام الأولى من فتح معبر رفح ودخول الفلسطينيين إلى مصر، خصصت جانبا كبيرا منها لشراء أسلحة لتنفيذ عمليات فدائية ضد إسرائيل... وطبقا لما نشر آنذاك فإن هذه الأموال تم تسليمها لحماس فى صورة أموال نقدية... فهل كان على طائفة الإخوان أن تدعم حركة غير شرعية اغتصبت نصف الأراضى الفلسطينية وبأموال مصرية؟ علما بأن هذه الحركة هى التى اخترقت حدودنا الوطنية وأدخلت أموالا مزيفة إلى الأراضى الوطنية... وبالرغم من كل ما حدث يقول الكاتب الكبير فهمى هويدى فى مقاله: "إن شروط محمود عباس تعبر عن رغبة عميقة فى التخلص من حركة حماس وإخراجها تماما من العملية السياسية، فضلا عن أن ذلك مطلب يستحيل تحقيقه من الناحية العملية، حيث ستوجد منظمة التحرير الفلسطينية ذات اللون الواحد فى جانب وحركة حماس ذات الشعبية الأكيدة فى جانب آخر".. والسؤال من أين هذه اليقينية فى الشعبية الأكيدة لحركة حماس؟ هل بسبب فوزها فى الانتخابات الأخيرة؟ "هل أصبحت صناديق الاقتراع وحق الانتخاب هو الأصل فى مجتمعات تتناحرها المصالح الشخصية والانقضاض على مكتسبات الأمم والشعوب؟ هل صارت الانتخابات هى المعيار الوحيد للديمقراطية وحق تقرير الشعوب لمصيرها؟ هل ذهاب مواطنين يعيشون تحت خط الفقر وسط أكوام الهدم والخراب، ليختاروا من يعدهم بالحياة الآخرة ذات النعيم وجنات الخلد هى عين الديمقراطية والشعبية؟ هل الاستشهادات المجانية ومرطبات الكلام صالحة لإطفاء النيران؟ هل صوت "الوعد الصادق" لجماعات انقسامية لا تؤمن سوى بقوة السلاح والتخريب عبر الجلباب ولحى التمرد والسعى إلى السلطة، هى القادرة على خلق دولة القانون والمساواة؟" ألم يفز الحزب اليمينى المتطرف "النازى" فى النمسا قبل عدة سنوات ورفضت أوروبا كلها التعامل مع النمسا، فما كان من رئيس ذلك الحزب إلا أن يتنحى من أجل مصالح بلاده وشعبه، ولم يعاند شعبه ولا أوروبا بذريعة فوزه فى الانتخابات.... ولم يجد الشعب النمساوى الذى ذهب لصناديق الاقتراع لاختياره إلا أن يحتكم لصوت العقل والمصلحة القومية ويعليها عن انتماءاته الحزبية.. هذه هى صناديق الاقتراع التى وإن تصادمت مع الحقوق الكبرى للشعوب فلتذهب إلى الجحيم.. إلا أن حماس وبعض المفكرين والسياسيين يتشدقون بصناديق الاقتراع، التى يدركون أن من يذهب إليها قد فقد دنياه من خلال الجهل والفقر والمرض، وراح يبحث عن خلاص، فوجده عبر هؤلاء الوكلاء الأغبياء الذين يضحون بمستقبل الشعوب لصالح أطماع السلطة.. والمشهد المأسوى فى فلسطين التى صارت دولتين بأيدى الفلسطينيين، ومازالت إسرائيل دولة مستقرة تنتظر المزيد من الانقسامات... عائلات فلسطينية تنالها رصاصات الغدر الفلسطينى.. ولا تعلن حركتى فتح وحماس عن فرصة كل منهما لتقسيم الوطن، وإنما يفضلان إعلان الفرحة وأكاليل الغار بعد تصفية الجميع.. ذهبت المفاوضات مع إسرائيل مع الريح، وانشغلوا بتدعيم القتال وتصفية الشباب.. وتضيع صرخات الأطفال فى جوف الأرض الملتهبة بنار النيران بين (الفتحجية والحماسية) الحماس للقتل والإبادة – ليس لإسرائيل العدو التاريخى، وإنما لفلسطين الأرض والناس، وفتح خزائن الترسانات لينهل منها السفاحون لقتل أبناء شعبهم الأعزل الباحث عن حياة كريمة فى ظل حصار إسرائيلى مريع.. هكذا تضيع فلسطين الموحدة على أيدى (الفتونية الجدد).. ويختم الكاتب الكبير فهمى هويدى مقاله أو رؤيته أو إرهاصاته أو تخيلاته بالتالى "ثمة بعد يغيبه كثيرون ممن يوجهون إلى الفلسطينيين الوعظ والتقريع والتبكيت، يتمثل فى تجاهل مسئولية الوضع العربى عما يحدث فى الأراضى المحتلة، ذلك أن الانهيار فى الوضع الفلسطينى هو انعكاس لانهيار النظام العربى... الخ". ويضيف "الأفدح والأخطر أن الرؤية الإستراتيجية فى العالم العربى أصابها الخلل، حتى أصبحنا نسمع من بعض العواصم أن إيران هى العدو.... وأن العالم العربى عجز حتى الآن عن رفع الحصار عن الفلسطينيين"... ويضيف "إن ممارسة النقد الذاتى للوضع العربى هى المقدمة الطبيعية لتصحيح الوضع الفلسطينى، لأننا لا نستطيع أن نضمن عافية أطراف الجسم طالما ظل القلب عليلاً أو معطوباً"..وأقول لكاتبنا الكبير الأستاذ هويدى، ما علاقة النقد الذاتى فيما يخص القضية الفلسطينية التى تعلم أن المسبب فيما حدث، هو ما ارتكبته حماس من فصل نصف الشعب واعتقاله بأيديولوجيتها التى تعرفها جيدا وبين علاقة الوضع الراهن، كما تقول – والذى هو كائن منذ عدة قرون وهو ليس بجديد، فهل تريد تصحيح ما لا يصحح بأن العرب الذين لم يتجمعوا أو يتفقوا طوال عقود طويلة عليهم الآن أن يتفقوا، حتى نضمن عافية أطراف الجسم. أتعتقد يا سيد هويدى أن القلب أصبح عليلا الآن، وأنت شخصيا تتحدث منذ سنوات عن علة هذا القلب؟ ما الذى حدث إذن.. هل تريد أن ترجىء أو تؤجل ما ارتكبته حماس فى العامين الأخيرين حتى يشفى القلب من مرض عضال عمره عقود طويلة؟ أم تريد ما هو مبين فى الشكل الآن من أن ما يحدث من حماس ومحاولات تصدير أزمة نصف الشعب الفلسطينى إلى مرض خبيث، لا يستطيع أحد مهما كان أن يعرف روشتة علاجه أو حتى تشخيصه؟ أم هل تريد إقناع المواطن الفلسطينى – وهذا هو الأهم وهو لب القضية – أن ما حدث من حماس وعصابتها لم يكن بخاطرها، وأن نصف الشعب الفلسطينى المعتقل فى حدود غزة كان قدراً لمرض عضال أصاب القلب العربى، وما كانت حماس إلا ذلك الجهاز الذى يتلخص دوره فى قياس نبض هذا القلب، وكأنه يعمل بلا فاعل أو من تلقاء نفسه... فهل بالفعل أجهزة الطب كالسونار وجهاز قياس ضغط القلب وغيرها تعمل من تلقاء نفسها، أم أن هناك طبيبا أو فنيا يعلم ويدرك جيدا ما يقوم به، فإذا كانت تشبيهاتك الطبية العظيمة صحيحة، فننصح كافة المواطنين العرب والفلسطينيين وغيرهم أن يعلموا حكمة جديدة... وهى "لا تثق فى أى جهاز طبى، سواء كان خاصا بإجراء تحاليل أم أشعة أو قياس ضغط الدم أو نبض القلب، لأن من الممكن أن يكون من قام بوضعه عدوا خبيثا، وليس الطبيب المعالج الذى وضعه على جسدك".... وشكرا على هذه الإفادة........