"معيط" يوجه بإتاحة نصف مليار جنيه لدعم سداد أجور العاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    السبت .. جامعة النيل تفتح أبوابها للطلاب وأسرهم الراغبين في التعرف على كلياتها    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    «المالية»: نصف مليار جنيه تمويلًا إضافيًا لدعم سداد أجورالعاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    خطة النواب تناقش مشروع موازنة البرامج والأداء للهيئة العامة للتنمية الصناعية    انطلاق «عمومية المنشآت الفندقية» بحضور رئيس إتحاد الغرف السياحية    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    تفاصيل خطة الاحتلال الإسرائيلي للرد على الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين    يديعوت أحرونوت: وزارة الخارجية الإسرائيلية تدرس سلسلة من الإجراءات العقابية ضد أيرلندا وإسبانيا والنرويج    بعد العثور على خاتم الرئيس الراحل إبرهيم رئيسي.. ما سر ارتداء الخواتم في إيران؟    حقيقة مفاوضات الزمالك مع نجم نهضة بركان المغربي    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    "الرجل الأول والعقد".. كواليس رحيل بوتشيتينو عن تشيلسي    هاني شكري: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية ونتمنى فوز الأهلي بدوري الأبطال    محافظ الإسماعيلية يتابع جهود مديرية التموين    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل ابن زوجته بالقليوبية    ترقب المصريين لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: أهمية العيد في الحياة الثقافية والاجتماعية    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    تطورات الحالة الصحية للفنان عباس أبو الحسن.. عملية جراحية في القدم قريبا    المتحف القومي للحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    غادة عبد الرازق تعود للسينما بعد 6 سنوات غياب، ما القصة؟    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    «التعليم»: قبول ملفات التقديم للصف الأول الابتدائي 2024 للأطفال البالغين 6 سنوات    رئيس حزب الجيل: فخور بموقف مصر الحاسم تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة    رئيس جهاز القاهرة الجديدة يبحث مطالب ومقترحات سكان حي الأندلس    تراجع جديد.. سعر الريال السعودي اليوم الأربعاء 22-5-2024 مقابل الجنيه المصري بمنتصف التعاملات    لمواليد برج القوس.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    « وتر حساس » يعيد صبا مبارك للتليفزيون    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    لمدة يومين.. انطلاق قافلة طبية إلى منطقة أبوغليلة بمطروح    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    التكييف في الصيف.. كيف يمكن أن يكون وسيلة لإصابتك بأمراض الرئة والتنفس؟    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    قمة عربية فى ظروف استثنائية    صدمه القطار.. مصرع تلميذ أثناء عبوره «السكة الحديد» بسوهاج    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات المياه والصرف الجاري تنفيذها مع شركاء التنمية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    الرئيس الصيني: السياحة جسر مهم بين الشعبين الصيني والأمريكي للتواصل والتفاهم    سيدة «المغربلين»    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    طريقة صنع السينابون بالقرفة.. نكهة المحلَّات ولذَّة الطعم    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما قال مسؤول كبير فى القصر الجمهورى: مين الحمار اللى كتب خطاب الرئيس؟
نشر في اليوم السابع يوم 17 - 02 - 2011

◄◄ مثل الذين كتبوا خطابات الرئيس كمثل الذين يحملون أسفاراً لا يفهمون فى السياسة ولا فى الاجتماع ولا يعرفون طبيعة الشعب المصرى
كنا نحلم بأن يكون لمصر رئيس سابق بدلا من أن تظل طوال الوقت أرملة لرجال يركبون فوق كرسى حكمها ولا يرحلون إلا حينما يقبض عزرائيل أرواحهم، كنا نحلم برئيس سابق فرزقنا الله ورزقتنا إرادتنا التى انتفضت من أسفل غبار سنوات القمع والقهر رئيسا مخلوعا وسابقا بالتبعية.
كنا نحلم بأن يتطور النظام الحاكم ويتحول لكى يصبح أكثر ذكاء وبالتالى أكثر فهما لنا ولمطالبنا العادلة والمشروعة وبالتبعية أسرع فى الاستجابة والتعامل معها، ولكنه ظل على عهدنا به متغطرسا وساذجا وبطىء الفهم والاستيعاب والرد، فأشعل بسذاجته وتكبره هذا غضبنا وضاعف رغبتنا فى الانتقام.
النظام الذى كان حاكما قبل 25 يناير ضرب مثلا فى الغباء السياسى وبطء الاستيعاب وسذاجة إدارة الأزمات، وللتدليل على ذلك تعال نقف أمام الخطابات الرئاسية الثلاثة التى ألقاها الرئيس «المخلوع» حسنى مبارك فى الفترة من 25 يناير وحتى يوم 10 فبراير قبل رحيله بأقل من 24 ساعة، الخطابات الثلاثة دليل حى وبرهان واضح على المشاكل التى يعانى منها النظام السياسى والرئيس شخصيا، والتى تمثلت فى البطء والوصول بعد انتهاء الحفلة، واللعب فى الوقت الضائع، وعدم فهم الشعب الذى ظل يحكمه لمدة 30 عاما، بالإضافة إلى سوء اختيار رجاله وتحديدا سوء اختيار الرجال المسؤولين عن صياغة صورة الرئيس الذهنية والإعلامية فى عقول الناس.
الخطابات الثلاثة نموذج واضح على حالة الارتباك التى عاشها النظام خلال أيام الثورة، ونموذج أوضح على سوء اختيار الرئيس لكتبة خطاباته ومستشاريه، فإذا استثنينا الخطاب الثانى يمكنك أن تقول بكل بساطة إن الذين كتبوا للرئيس خطابيه الأول والثالث ينتمون إلى تلك الفئة الحيوانية التى تحمل أسفارا دون أن تعى ذلك أو تفهمه، وسواء كانوا مجموعة أو شخصا فهم لا يختلفون كثيرا أوربما يكونون هم أنفسهم الذين أتحفونا على مدار السنوات الماضية بالخطابات المملة والسطحية والمكررة التى يلقيها علينا الرئيس فى كل عيد وكل مناسبة. بكل تأكيد أدرك الرئيس«المخلوع» الآن أنه فعل مثل العريس الذى أراد أن يعيد تقديم نفسه للعروسة فى ليلة الدخلة بشكل جديد وقصة شعر جذابة، فذهب إلى «حلاق» بدلا من أن يقدم «البوصة« فى زى «العروسة» قدمها للناس فى أبشع صورة، وبدلا من أن يقدمه للناس مبشرا قدمه لهم منذرا، وبدلا من أن يقدمه لهم جذابا ومختلفا قدمه لهم برأس تملؤه البطحات وغير مستوى الشعر.
بكل تأكيد يدرك الرئيس «المخلوع» الآن أن الذى كتب له الخطاب الأول تطوع علشان يكحلها فأعماها، والذى كتب له الخطاب الثالث تطوع لكى ينقذه ففعل مثل الدبة الشهيرة بقتل صاحبها وهوى فوق رأسه بشومة الخطاب الساذج ليقضى عليه للأبد وهو ما أدركه المقربون للرئيس مبارك لدرجة أن مسئولا كبيرا فى القصر الرئاسى صرخ وهو يستمع للخطاب قائلاً: «مين الحمار اللى كتب الكلام ده؟!»، ولكى تتضح لك كيف ساهمت الخطابات الثلاثة فى الإسراع بغرق سفينة نظام مبارك؟، تعال نتوقف بالتحليل والتركيز مع الخطابات الثلاثة من حيث التوقيت، والصياغة، ومدى توافق كل خطاب مع الحالة الموجودة فى ميدان التحرير.
الخطاب الأول.. جاء متأخرا ومنقولا بالمسطرة من خطابات عيد العمال
لم يستوعب النظام درس 25 يناير ولم يخرج مسؤول واحد للتحدث إلى الشعب الذى قرر أن ينتفض، بل منح الناس النظام 48 ساعة مهلة قبل التظاهرة الثانية فى جمعة الغضب التى توافق يوم 28 يناير ولم يفكر الرئيس فى أى خطاب للتهدئة أو التواصل لتظهر حالة التكبر والغطرسة والاستعلاء واضحة قبل أن تكسرها مظاهرات جمعة الغضب التى سقط أمامها الجهاز الأمنى بالكامل ونزل الجيش إلى الشوارع، وكل ذلك دون أن يظهر مسؤول واحد يخطب فى الناس أو حتى يضحك عليهم بخطاب عاطفى للتهدئة.
عام البلد فى الفوضى وتكهرب النظام وبدأت الشروخ تتسع وبدأت أعمدته تتساقط وبدأت عوراته تنكشف حتى سقط تماما، والناس كلها تنتظر ظهور الرئيس أو أحد رجاله ليقدم تفسيرا أو تبريرا أو حتى دفاعا أو أى قربان للتهدئة، ولكن غطرسة النظام أخرته حتى فات الوقت وظهر الرئيس فى الثوانى الأخيرة من الوقت بدل الضائع وتحديدا فى الثانية عشرة والنصف من مساء الجمعة ليلقى خطابه بعد أن سيطر الناس على الميدان واختفت الداخلية وتحول البلد إلى خراب، ويبدو أن تأخر الرئيس فى الظهور لم يكن كافيا، فخرج الرئيس بخطاب تخيل أنه الكحل الذى سيزين وجه نظامه مرة أخرى فإذا به يصيبه بالعمى ويدق أول مسمار فى نعش الخروج أو الرحيل.
انتظر الناس من خطاب الرئيس بعد كل هذه الأحداث قرارات حاسمة ومواقف واضحة وخططا جاهزة للتنفيذ فخذلهم الرئيس بخطاب اعتاد الشعب المصرى سماع الكلام الذى يتضمنه فى ليلة القدر وعيد العمال وعيد الشرطة أو كل مناسبة يهل علينا فيها الرئيس خطيبا، وأخذ يردد نفس الجملة القديمة بكل ماتحمله من عمومية وخواء وملل مثل: (الاخوة المواطنون.. أتحدث إليكم فى ظرف دقيق يفرض علينا جميعا وقفة جادة وصادقة مع النفس تتوخى سلامة القصد وصالح الوطن). بل لم يعترف حتى بمشروعية خروج المتظاهرين للشارع وأخذ يلف ويدور لكى يصف حركة الشباب فى الشارع بأنها عمل فوضوى، وأخذ الأمور فى منحنى آخر اعتاد أن يخوفنا به سنوات طوالا وهو القوى الخارجية التى تتآمر على مصر والمندسين الذى يسعون لركوب موجة الجماهير فى إصرار غير عادى على التعامل مع المتظاهرين وكأنهم أطفال وأنه مازال الوصى عليهم، وترك الرئيس كل الأحداث وأخذ يتحدث عن دور مصر السياسى وثقل الدور المصرى فى المنطقة والاقتصاد والإنجازات ويعايرنا بانحيازه للفقراء الذى لم يقدم لنا عليه دليلا، وكأنه يخطب فى عيد العمال أو يعيد تقديم نفسه مرشحا فى انتخابات قادمة، وحتى حينما أراد أن يفرح الجماهير بقرار إقالة الحكومة قالها وكأنه يقولها على مضض: «لقد طلبت من الحكومة التقدم باستقالتها اليوم وسوف أكلف الحكومة الجديدة اعتبارا من الغد بتكليفات واضحة ومحددة للتعامل الحاسم مع أولويات المرحلة الراهنة». كان واضحا فى هذا الخطاب حالة الفهم الرئاسى البطيئة لمايحدث فى الشارع وكان واضحا أن ساذجا ما، لم يفهم بعد طبيعة الشعب المصرى وطبيعة الأحداث الجارية، قد صاغ هذا الخطاب عن جهل، وبنفس الطريقة القديمة والمملة دون أى مراعاة لاختلاف الظروف المحيطة، وهى طريقة تشبه إلى حد كبير الطريقة التى يكتب بها السادة رؤساء تحرير الصحف القومية الجدد منفصلة عن الواقع، وتقليدية وتستخدم مصطلحات وألفاظا لا تصل إلى القلب ولا تقنع العقل.
طريقة صياغة ذلك البيان كانت تشبه إلى حد كبير تلك الطريقة التى يكتب بها عبدالله كمال فى روز اليوسف وممتاز القط فى أخبار اليوم، بها كثير من المراوغة والسطحية والغرور الذى لا يريد أن يعترف بسقوط الدولة والمأزق الذى غرق فيه النظام، ومازال يصر على أن كل شىء تمام وكل شىء تحت السيطرة، ولذلك كان طبيعيا ألا يكون لهذا الخطاب أى رد فعل طيب فى الشارع المصرى بل على العكس تحول إلى بنزين زاد من اشتعال غضب المتظاهرين ووضع عنادهم فى مواجهة عناد الرئيس الذى أصبح واضحا جدا مدى انعزاله عن الشعب ومدى عدم فهمه لما يدور من إحداث، بل يحسب لهذا الخطاب أنه رفع سقف المطالب إلى رحيل الرئيس نفسه ليجنى مبارك جزاء اختياره لهؤلاء الهواة والسذج غير القادرين على كتابة خطاب ناظر مدرسة يستعد للوقوف أمام ميكروفون الإذاعة المدرسية بعد فسحة شهدت حالة فوضى بين الطلاب.
الخطاب الثانى.. أول خطاب ذكى من 30 سنة وتأثيره ضاع بسبب موقعة «الجمل»
بعد 72 ساعة من الخطاب الأول يبدو أن أحد العقلاء قد حل على القصر الرئاسى وتذكر للحظة عاطفية الشعب المصرى وطيبة قلبه وقرر أن يستغلها فى الخطاب الثانى، ولكنه لم يلتفت إلى أمر هام جدا وهو أن الحَكم كان قد صفّر خلاص، وأن الوقت قد فات على أى محاولة لإصلاح ماكسره الشعب الذى ظل فى انتظار أى تحرك إيجابى من الرئيس ولكنه لم يفعل.
الصياغة التى كتب بها الخطاب الثانى كانت مختلفة عن أى كلام قاله الرئيس قبل ذلك، جاءت الكلمات عاطفية، وظهر تأثر الرئيس المخلوع بها لأول مرة بعد سنوات كان خلالها يقرأ علينا الخطابات وكأنه إنسان آلى، بالإضافة إلى أن الخطاب حمل بعض القرارات الهامة والتى كانت تشكل مطالب قديمة وحقيقية للشعب المصرى ولكن ماذا تفعل القرارات إذا جاءت متأخرة عن وقتها مع شعب قرر أن يقضى على الماضى بكل أشكاله القمعية والقهرية؟!
تعاطف الناس فى المنازل مع خطاب الرئيس ومستهم جمل كثيرة مثل: (أتوجه بحديثى اليوم مباشرة لأبناء الشعب.. بفلاحيه وعماله.. مسلميه وأقباطه.. شيوخه وشبابه.. ولكل مصرى ومصرية.. فى ريف الوطن ومدنه على اتساع أرضه ومحافظاته، لم أكن يوما طالب سلطة أو جاه.. ويعلم الشعب الظروف العصيبة التى تحملت فيها المسؤولية.. وما قدمته للوطن حربا وسلاما. كما أننى رجل من أبناء قواتنا المسلحة.. وليس من طبعى خيانة الأمانة.. أو التخلى عن الواجب والمسؤولية، وأقول بكل الصدق وبصرف النظر عن الظرف الراهن إننى لم أكن أنوى الترشح لفترة رئاسية جديدة فقد قضيت ما يكفى من العمر فى خدمة مصر وشعبها. لكننى الآن حريص كل الحرص على أن أختتم عملى من أجل الوطن بما يضمن تسليم أمانته ورايته، ومصر عزيزة آمنة مستقرة وبما يحفظ الشرعية ويحترم الدستور«. واختتم الرئيس مبارك المخلوع خطابه بالقول: ( إن هذا الوطن العزيز هو وطنى مثلما هو وطن كل مصرى ومصرية، فيه عشت وحاربت من أجله ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه وعلى أرضه اموت وسيحكم التاريخ علىّ وعلى غيرى بما لنا أو علينا).
رغم سوء التوقيت ورغم أن هذا الخطاب كان توقيته المثالى هو 28 يناير، أحدث الخطاب التأثير المرجو منه أو على الأقل أحدث حالة من التهدئة والتعاطف مع الرئيس فى الشوارع والمنازل كانت كفيلة بأن تخلق جبهة مضادة تضغط على الموجودين فى ميدان التحرير وتحل الأزمة قليلا ولكن.. ظهرت اختيارات مبارك السيئة لتعاقبه على سوء اختياره وعلى سوء ماقدمه للشعب من نواب ورجال أعمال فى هيئة بعض النواب ورجال الأعمال الذين أحبوا خدمة الرئيس والنظام الذى يحميهم فقضوا عليها تماما بعدما أرسلوا البلطجية لضرب المتظاهرين فى الميدان لتتحول الساحة إلى أرض معارك سقط فيها عدد من الشهداء وأكدت عدم ثقة الناس فى النظام ورفعت سقف الإصرار على رحيل النظام بأكمله إلى آخر مدى، ليخسر الرئيس كل أنواع التعاطف التى حصل عليها من الخطاب الثانى، والذى أرغمت صيغته المختلفة الجميع على البحث عن صاحب هذا القلم المختلف لقناعة الناس بأن الأخوة الذين يديرون المؤسسات القومية أضعف وأقل من أن يكتبوا خطابا مؤثرا بهذا الشكل وهم الذين فشلوا فى الدفاع عن النظام طوال السنوات الماضية، فبدأت بعض الأصابع تشير إلى نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد، غير أن المعلومات المؤكدة والتى كانت محيرة ومفاجئة هى أن الخطاب كتبه وزير الإعلام أنس الفقى.
الخطاب الثالث.. الأكثر ركاكة وفقراً.. وكاتبه مجرم تهمته الغباء الإعلامى والسياسى
ببساطة شديدة أحدث الخطاب الرئاسى الثالث أكبر خرم فى سفينة الرئيس وأغرقها فى لحظة إلقاء كلماته على مسامع الناس، الخطاب الثالث جاء سيئا من حيث التوقيت ومن حيث الصياغة ومن حيث المضمون وجاء وكأن من أشار به وكتبه واحد من تلك الفئة الحيوانية «الحميرية» التى تحمل أسفارا وهى لا تعى ذلك كما قلنا فى مقدمة الكلام.
التوقيت كان سيئا جدا خاصة أن الخطاب جاء بعد 9 أيام من الخطاب الثانى دون أن يقدم جديدا أو حتى يقدم استجابة واضحة لمطالب الناس، وعادت الصياغة وطريقة الكلام إلى حيث النموذج القديم الذى كان الرئيس يقدمه فى حفلات الشرطة وأعياد العمال، ويبدو أن معدوم الفكر والموهبة والثقافة والفكر الذى كتب الخطاب لم يكن على دراية بالتغيير الذى حدث فى الشارع بعد 28 يناير تحديدا، ولم يفهم أن الرئيس نفسه أصبح هدفا ولم يعد الأمر مقتصرا على التعديلات الدستورية أو تغيير الوزراء، فكتب الخطاب بصيغة أن الرئيس مازال موجودا ويخطط للمستقبل، فجاءت الصيغة تحمل تحديا للناس فى الشارع لتساهم فى إشعال الموقف، ففى الوقت الذى كان الشارع فيه ينتظر نقلا للسلطة أو على الأقل اعتذارا واضحا وخطوات أوضح لتنفيذ الإصلاحات أظهر كاتب الخطاب ذو العقل الحميرى الرئيس وهو يقدم وعودا تشبه نفس الوعود التى كان يقدمها منذ ثلاثين عاما، ولم يفهم كاتب الخطاب العبقرى أن الظروف التى كان يعيشها الشارع لم تكن تتحمل أن تسمع من الرئيس كلمات أو جملا تبدأ بسوف.
ظهر الرئيس فى الخطاب مرتبكا وكأنه مجبر على أن يقول كلاما مكررا ومملا حتى له هو شخصيا، يعد دون أن يقدم ضمانات فقال كلاما بدا رصينا ولكن فى حقيقة الأمر كان مضحكا وساذجا لأنه دار حول مطالب تجاوزها المتظاهرون منذ أيام مثل: (أعترف بأن مطالبكم هى مطالب عادلة ومشروعة.. فالأخطاء واردة فى أى نظام سياسى وفى أى دولة لكن المهم هو الاعتراف بها وتصحيحها فى أسرع وقت ومحاسبة مرتكبيها)..
ولأن رائحة الأساتذة رؤساء تحرير الصحف الحكومية ومن على شاكلتهم كانت ظاهرة فى ذلك الخطاب، خاصة فيما يتعلق بتحول طريقتهم فى الكلام عن شباب الثورة من الهجوم إلى الاحتفاء، كان طبيعيا أن يحمل الخطاب الكثير من الوعود على نفس الطريقة القديمة من نوعية: (الأبناء شباب مصر.. الأخوة المواطنون.. لقد أعلنت بعبارات لا تحتمل الجدل أو التأويل..عدم ترشحى للانتخابات الرئاسية المقبلة.. مكتفيا بما قدمته من عطاء للوطن..لأكثر من ستين عاما.. فى سنوات الحرب والسلام. أعلنت تمسكى بذلك.. وأعلنت تمسكا مماثلا وبذات القدر.. بالمضى فى النهوض بمسؤوليتى.. فى حماية الدستور ومصالح الشعب.. حتى يتم تسليم السلطة والمسؤولية.. لمن يختاره الناخبون شهر سبتمبر المقبل..
فى انتخابات حرة ونزيهة.. نوفر لها ضمانات الحرية والنزاهة.. فذلك هو القسم الذى أقسمته أمام الله والوطن.. وسوف أحافظ عليه).
أكمل الرئيس خطابه على نفس المنوال الساذج يقدم وعودا ويطلق تصريحات وردية ويتكلم بصيغة الرئيس القوى القادر على أن يفعل، وصوره كاتب الخطاب الذكى الذى كرر استخدام صيغة المستقبل وتعهد الرئيس بالمتابعة على أنه رئيس باق وطامع فى السلطة بعد أن قال هو إنه لن يترشح، ليسقط الرئيس فى شر أعماله وهو اختيار مستشارين ورجال أضعف من أن يدافعوا عنه، وأقل من أن ينقذوه، وأغبى من أن يساعدوه فى الخروج من أى مأزق حتى ولو بالضحك والتزييف، سقط مبارك فى شر أعماله بذلك الخطاب الذى يعتبر تلخيصا مبسطا لعصره الذى اعتمد على أصحاب الولاء والمنافقين عديمى الموهبة، وأصحاب العقول الحميرية الذين ضحكوا عليه، ولكنهم فشلوا فى الضحك على الناس البسيطة فى الشوارع بدليل أنهم خرجوا وطالبوا برأس الرئيس ولم يجد الرئيس نفسه قلما يدافع عنه بعد أن عادت أقلام كل رجاله إلى وضعها الطبيعى.. وضع الارتخاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.