بمناسبة يوم الصحفي..نقابةالصحفيين تقود حملة للإفراج عن الصحفيين في سجون السيسي    وزير العمل يلتقى نظيره السويسري لتعزيز التعاون في الملفات المشتركة    خبراء عسكريون: الجمهورية الجديدة حاربت الإرهاب فكريًا وعسكريًا ونجحت فى مشروعات التنمية الشاملة    وزير النقل يوجه بخفض تأخيرات القطارات    صندوق النقد الدولى: قرار توحيد سعر الصرف حسن الأوضاع المالية فى مصر    وزير المالية: أسعار التعاقد في التأمين الصحي الشامل جاذبة، والقطاع الخاص يشارك في التسعير    إشادات صينية بتطور النقل البحري والسكك الحديدية في مصر    أسعار الأسماك اليوم 7 يونيو بسوق العبور    ارتفاع حجم التجارة الخارجية للصين بواقع 6.3% في أول 5 أشهر من 2024    أمريكا تحذر إسرائيل من شن حرب على لبنان: ستدفعون إيران للتدخل    الإعلامية قصواء الخلالي ترد على حملة الاستهداف الممنهج ضدها من جانب جماعات أمريكية داعمة لإسرائيل.. إلى متى الصمت؟    البرهان: الجيش السوداني مستمر في معركته ضد الميليشيات المتمردة    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    اختلاف في الرأي داخل الناتو بشأن تسمية مشروع دعم جديد لأوكرانيا بسبب معارضة ألمانيا    خطأ فادح ل«ميلر» بشأن استهداف مدرسة في غزة.. و«الخارجية الأمريكية» توضح    أخبار الأهلي : ابراهيم حسن يكشف سر عدم الدفع بشوبير أساسيا مع المنتخب    جيل رياضى قادر على تحقيق طموحات الجمهورية الجديدة    إجراء جديد ضد مسجل خطر قتل عشيقته في الخليفة    لطلاب الثانوية العامة 2024.. شاهد المراجعة النهائية لمادة اللغة الانجليزية    صحة شمال سيناء تشن حملة رقابية مكثفة استعداداً لعيد الأضحى المبارك    العثور على جثة شاب مذبوح وملقى في بحر الحجايزة بالدقهلية    «الغرف السياحية»: انطلاق رحلات الحج السياحي 5 نجوم اليوم.. ولا مبيت في منى    المتحف المصري يعرض تمثالا فريدا لصاحب أول معاهدة سلام بالتاريخ    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مرسى جميل عزيز l ملك الحروف .. و موسيقار الكلمات    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. قصة حب «فيلسوف الفن» وسيدة المسرح    «أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة» موضوع خطبة الجمعة بمساجد شمال سيناء    «الرقابة الصحية»: 3 ملايين مريض يموتون سنويًا بالدول منخفضة الدخل بسبب «غياب الجودة»    ماكرون: الوقت ليس مناسبا للاعتراف بدولة فلسطين    منتخب السودان يتصدر مجموعة تصفيات كأس العالم على حساب السنغال    الأخضر بكامِ ؟.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    هل يشترط صيام العشر من ذي الحجة أم يكفي يومان.. دار الإفتاء توضح    عبر الموقع الرسمي.. نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024 (رابط مباشر)    تفشي سلالة من إنفلونزا الطيور في مزرعة دواجن خامسة بأستراليا    السيطرة على حريق شب في محل حلويات بحلوان    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    سيد معوض: هناك لاعبين لعبوا المباراة بقوة وبعد نصف ساعة كانوا بعيدين تمامًا    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    رغم الفوز.. نبيل الحلفاوي ينتقد مبارة مصر وبوركينا فاسو .. ماذا قال؟    الصيادلة: الدواء المصري حتى بعد الزيادة الأرخص في العالم    بعد جدل أفشة.. تركي آل شيخ يعلن عن مفاجأة في برنامج إبراهيم فايق    موعد مباراة كوت ديفوار والجابون في تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم    ما قانونية المكالمات الهاتفية لشركات التسويق العقاري؟ خبير يجيب (فيديو)    إنفوجراف لكلمة مصر نيابة عن «المجموعة العربية» في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    عيد الأضحى 2024| أحكام الأضحية في 17 سؤال    ساتر لجميع جسدها.. الإفتاء توضح الزي الشرعي للمرأة أثناء الحج    أمين الفتوى: إعداد الزوجة للطعام فضل منها وليس واجبا    «صلاة الجمعة».. مواقيت الصلاة اليوم في محافظات مصر    خالد جلال ينعي المخرج محمد لبيب مدير دار عرض مسرح الطليعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    حسين حمودة بعد حصوله على جائزة الدولة في الأدب: "حاسس إن في حاجة أقدر أقدمها لبنتي"    حظ عاثر للأهلي.. إصابة ثنائي دولي في ساعات    في عيد تأسيسها الأول.. الأنبا مرقس يكرس إيبارشية القوصية لقلب يسوع الأقدس    عضو اتحاد المنتجين: استقرار في أسعار الدواجن خلال 10 أيام    بمكون سحري وفي دقيقة واحدة .. طريقة تنظيف الممبار استعدادًا ل عيد الأضحى    نجاح أول تجربة لعلاج جيني يعمل على إعادة السمع للأطفال.. النتائج مبشرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هانى لبيب: لن تضع الكنيسة عقولنا فى قفص (4-4)
نشر في اليوم السابع يوم 07 - 07 - 2008

فى الجزء الرابع والأخير من حوار المفكر القبطى هانى لبيب، يتناول بصراحته المعهودة القضايا الأكثر حساسية فى الملف القبطى، بدءا بتعديل لائحة الأحوال الشخصية ومرورا بخلافة البابا شنودة والصراعات داخل الكنيسة، وتصوره لتطوير المجلس الملى ودور الإعلام فى تغذية المناخ الطائفى، وكذلك تصوره لدور الكنيسة فى المرحلة المقبلة ....
هل توافق على التعديل المحدود للائحة الأحوال الشخصية للأقباط؟
هم يريدون تشريع الموضوع وإصباغ صفة القانون عليه، وهذا "بيريح شوية". أهم شئ أن القرار حينما نشر، من وقع عليه؟ وقع عليه البابا شنودة بنفسه. وأعتقد أن هذه الحركة ذكية من الكنيسة والدولة معا، للرد على من يدعون أن المجلس الملى للأقباط غير دستورى. الدولة والكنيسة ردتا معا: "المجلس الملى دستورى". وللأمانة، المجلس عمل أشياء جيدة، دون أن يعلن عن ذلك. ما يعنينا هو أن المجلس الملى وحده القادر على امتصاص الصدمات. فالمواجهة بين الكنيسة والدولة لا يظلم فيها سوى الناس، مسلمين ومسيحيين. ومن يستطيع أن يحول دون حدوث ذلك هو وحده المجلس الملى.
مسلمون ومسيحيون .. كيف؟
تذكرى حينما تم الاعتراض على فيلم "شفرة دافنشى"، قلت إن الفيلم به مغالطات دينية وتاريخية، لكن لا يجوز أن تضع الكنيسة قفصا حديديا على رؤوسنا وعقولنا. المنع غير جائز. أيضا حينما يخرج شخص بملابس سوداء (يقصد من الكنيسة) ويصادر، سيخرج آخر ليقول: "الكنيسة أصبحت مثل الأزهر". حينما أقوم بانتقاد ما، فمن سيرد علىّ أو يشتمنى، سيشتم "هانى لبيب" فقط. أما من ينتقدون من أصحاب الملابس السوداء، فهو يمثلون الكنيسة نفسها.
لكن المجلس الملى ليس مطلق الحرية فى قراره..
نعم ولذلك أسميناه فى مشروعنا "المجلس النيابى"، لأن من العيب أن نسمى المجلس ب"الملى". و هذه التسمية تعود إلى العصر العثمانى البائد، بينما نأمل أن نقيم كياناً مدنياً، وأن يكون هناك أسقف واحد ممثل للكنيسة فى المجلس، تختاره الكنيسة كما تشاء، على أن يكون الباقون مدنيين يتم انتخابهم بإشراف وزارة الداخلية، كما هو متبع عادة، الفكرة الأساسية التى نقترحها تتعلق بتوسيع المجلس واختصاصاته دون الانفصال الكامل عن الكنيسة.
ما موقفك من تعديل اللائحة فى جملة واحدة؟
التعديل شكلى دون الدخول فى المضمون، وليس فيه حل لمشاكل الناس.
من سيخلف البابا شنودة ومن المرشحون، وأين مفاتيح القرار؟
حينما جاء البابا شنودة وجلس على الكرسى البابوى، خلق للكنيسة هيبة وكيانا فى الدولة، وخرج بها من المصرية إلى العربية وإلى العالمية، وترتب على ذلك أن الكرسى البابوى كبر هو أيضا. ولكن هل لدينا فى الكنيسة صف ثان من القادة الروحيين؟ الخطر أنه إذا ما جاء من هو أصغر من الكرسى، سيتم التلاعب به. نعم، هناك أساقفة أقوياء، ولكن طبقاً للآلية المتبعة، فهم لن يخلفوا البابا مثل الأنبا موسى، يؤنس، رويس، أرميا.
لكن هناك آخرين أقوياء، وهناك جدل بشأنهم إيمانياً وأخلاقياً..
رجال الدين ليسوا ملائكة، وهذا ما جعل جمال عبدالناصر يلغى نظام المحاكم الشرعية. وهناك أمور يجب تحديدها، مثل معايير اختيار الأسقف ودوره والنظام المالى للكنيسة، ومنذ عدة سنوات، طالب البعض بأن يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات الإشراف على أموال الكنيسة. وأنا ضد ذلك، لأنه يشرف أساسا على أموال الدولة، والكنيسة لا تتعامل مع أموال الدولة، وإنما تتعامل مع أموال أبنائها، وتصرف أموالها على أبنائها. والإشراف على أموال الكنيسة لابد وأن يكون تابعاً للمجلس الملى.
ما تصورك للكنيسة كمؤسسة إذن؟
أنا أريد كنيسة مؤسسية، لابد أن يعرف الأسقف أنه لو أخطأ، سيعاقب عقوبة محددة ومعروفة. أنا اتفق مع الأنبا بيشوى فى بعض الحالات، وأهمها فى موضوع المحاكمات الكنسية. فمثلاً لو أخطأ أسقف ما، فيجب عدم التشهير به. ولكن متى شهّر به وخرج صاحب المشكلة ليقول "إنه ظلم" من قبل المحاكمات الكنسية والأنبا بيشوى، هنا يجب أن أنشر نص التحقيقات معه. وسأضرب لك مثلاً: كان هناك كاهن يدعى إبراهيم عبدالسيد – رحمه الله. وكان موقوفا ومتذمرا من المحاكمات الكنسية التى أجريت معه. وحينما جلست معه، طالبته أن يوقع على ورقة تفيد أنه "يوافق" على نشر نص التحقيقات الكنسية معه صحفياً. ولكنه اعترض. هنا تأكدت أنه متجاوز مالياً.
أتحدث عن تجاوزات وفضائح أخلاقية يمارسها رجال الدين ..
المعيار هنا النظام. يعنى طالما أنه لا يوجد نظام محدد وواضح وصريح، فالأمور ستسير بشكل عشوائى.
أى نظام تتحدث عنه؟
لابد أن يكون هناك رقابة. والرقابة لا تأتى من أسقف تجاه أسقف مثله، ولكن من المجلس الملى.. وأنا سأقول شيئا قد يعترض عليه الكثيرون. أنا لا أوافق أن يتحكم المجلس الملى فى أمور العقد والحل، وأنا ضد أن يرفض أو يوافق المجلس الملى على بناء كنيسة أو مستشفى ب20 مليون جنيه مثلاً، فكل مطرانية أدرى بشئونها ومالياتها. ولكن من حق المجلس أن يتابع أوجه صرف ال20 مليونا، من خلال المستندات والصادر والوارد. لابد من وجود رقابة. ولا ينفع أن يكون الحد الأقصى للسلطة هو الأسقف.
هل تعتقد أن الأساقفة سيقبلون أن تكون الرقابة عليهم من قبل علمانيين قادمين من المجلس الملى؟
بالطبع لن يوافقوا. ولكن فى الأدبيات الكنسية لاحظى.. الأسقف هو من فى النهاية؟
عفوا لا أفهم سؤالك..
الأسقف هو راعى الشعب. ومن هو الشعب؟ المجلس الملى آت من الشعب وانتخبه الشعب. الرقابة ستكون من المنتخبين من الشعب على راعى الشعب. انظرى: الأسقف ليس هو الذى يشترى الأسمنت والمواد والأدوات الأخرى، لكن القطاع الذى تحت إدارته هو الذى يقوم بهذه المهام، ومن ثم يجب أن تكون الرقابة على نظام الإدارة. وأنا لا أقصد التشكيك فى ذمة الأساقفة المالية، ولكن أقصد أن الذى يفعله الأسقف، يجب أن يمر على عين أخرى تلقى نظرة عليه. هذا هو الطبيعى والمتعارف عليه عالمياً.
ما تعليقك على كثرة الخدمات التى تقوم بها الكنيسة فى الآونة الأخيرة؟
من الأشياء التى أحلم بها على المستوى الشخصى، تقديم خدمات مباشرة للأقباط. أكبر أزمة يعانى منها الأقباط هذه الأيام هى أزمة الشباب المخطوبين، الذين ينفصلون لأنهم لا يجدون شقة صغيرة يتزوجون فيها. فما المانع لو قامت الكنيسة ببناء عمارة سكنية لهؤلاء الشباب، وملّكنا لهم الشقق بالتقسيط؟ والأموال موجودة بالفعل، علينا فقط تغيير نظام التبرع بأموال ليست لها عائد مباشر.
ولكن هناك أولويات والكنيسة عليها توفير هذه الأولويات؟
نعم، ولكن هناك تكرار واضح فى هذه الخدمات. فمثلاً تجدين فى منطقة جزيرة بدران بشبرا عدة مستشفيات ومستوصفات مسيحية وإسلامية، تقدم جميعها خدمات علاجية جيدة المستوى. إلا أننا فى حاجة إلى تنويع طبيعة هذه الخدمات. وبالنسبة للخدمات التى تقدم للأقباط بصفة خاصة، فهى كثيرة وتؤدى إلى سحب البساط من تحت أقدام الدولة لصالح المؤسسة الكنسية. وهذا يساهم فى ترسيخ المناخ الطائفى، لأن هذه الخدمات لا تقوم على أساس مدنى، وإنما على أساس دينى.
نعود إلى خلافة البابا، ما تصورك لما يمكن أن يحدث فى الكنيسة فى ظل الصراعات المعلنة بين الأساقفة؟
لا أظن كثيراً أن هناك صراعات بين الأساقفة على خلافة البابا، فطبقاً للائحة القديمة، التى سيتم من خلالها انتخاب البابا القادم، ستكون المسألة ببساطة "ترشيح" بين المجمع المقدس وبين المجلس الملى. وأعتقد أن الخلافات سوف تكون محدودة، إلا لو حدث تعديل فى اللائحة القديمة، وأنا عموما استبعد ذلك لأن اللائحة القديمة تحتاج إلى إعادة النظر فيها ككل، وليس مجرد تعديلها. وهذا لو حدث سيفتح الباب للصراعات. أتمنى أن يختار المجمع المقدس والمجلس الملى بطريركا يستطيع ملء هذا الكرسى الكبير. عموما لا يمكن لأحد أن ينكر أن البابا شنودة شخصيته قوية جدا وكاريزمية إلى أبعد حد، استطاع أن يخرج بالكثير من الأقباط من داخل جدران الكنيسة إلى الخارج.
بمعنى؟
لا أحد يختلف على قداسته. البابا أعطى للأقباط وجودا فعليا. والبطريرك القادم لابد أن يكون مثله وليس أقل منه، ويستمر على نهجه دون أن يهدم ما بناه. البابا لديه قدرة عالية على التعامل مع الإعلام ومع أجهزة الدولة ورجالها، والذى يشغلنى الآن هو وجود صف ثان من الأساقفة، قادر على حمل الراية من بعده. وطبقاً للنظام القديم، فإن الترشيح سيكون محصورا فى الأنبا موسى أسقف الشباب والأنبا يؤنس الأسقف العام بالكاتدرائية والأنبا رويس سكرتير البابا والأنبا أرميا سكرتير البابا أيضاً. وأعتقد أنه لن يكون هناك ترشيح من قبل أساقفة الأبرشيات مثل الأنبا بسنتى أو الأنبا بيشوى.
هل هناك شخصيات أخرى مرشحة لخلافة البابا؟
لا أعتقد.
كم عمر هؤلاء المرشحين؟
الأنبا موسى فى السبعينيات والأنبا رويس تقريبا مثله. ويؤنس أظن أنه فى بداية الخمسينيات، والأنبا أرميا فى بداية الأربعينيات. تذكرى أن البابا شنودة حينما جاء بطريركا كان عمره 51 عاما، وكان فى بداية نضجه وهو ما ساعده على قيادة بقية المجموعة.
غير هذه الأسماء الأربعة، هل هناك مرشحون آخرون؟
البعض يردد أسماء عديدة، أنا شخصيا لا أعرفهم على المستوى الشخصى، لكنهم يتصدرون المشهد ومعروفون على المستوى العام، فنحن نحتاج إلى مرشح يعرف حدود دور البابا جيدا وواجبات كرسى القديس مرقس الذى سيجلس عليه.
من أين يبدأ وأين ينتهى؟
نعم. والأهم، أن يعرف كيف يدير ملف الأقباط مع الدولة، لأن الاحتقانات الطائفية أصبحت مستمرة ومتواجدة بشكل مطرد: فى مناهج التعليم وفى الإعلام وفى الشارع وفى السعودية، ومن الأب زكريا بطرس وأمثاله.
أنت تتحدث عن العلاقة بين الكنيسة والدولة على أنها علاقة "سيئة".. فكيف كانت العلاقة قبل ذلك؟
العلاقة ليست سيئة بالمعنى الصريح للكلمة، ولكنها تقوم على الشد والجذب. فمثلاً بخصوص العلاقة بين البابا كيرلس والرئيس جمال عبدالناصر فيما مضى، قال الناس أشياء اعتبرها أنا "خرافات"، من ضمنها أن الأنبا كيرلس شفى عبدالناصر من مرض القلب بمعجزة، وهو ما لم يحدث!
ولكن البعض أكد صحة هذه الواقعة واستشهدوا برأى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، الذى أشاد بأن الرئيس عبدالناصر شاهد العذراء بكنيسة الزيتون؟
نعم. البعض أكد واقعة مشاهدته للعذراء على قبة الكنيسة. ولكن أنا سألت اثنين ممن أثق فى كلامهم بشكل تام ونفوا واقعة المعجزة هذه، وهم الكاتب الكبير هيكل والأنبا غريجوريوس. الرئيس عبدالناصر لم يكن يعرف أى شىء عن الكنيسة المصرية، وبدأ يقدرها أكثر من خلال الإمبراطور الأثيوبى هيلاسيلاسى.. ففى أحد زيارات الإمبراطور لمصر، لم يتمكن الرئيس عبدالناصر من استقباله لأنه كان مريضا، وإنما أرسل له وفدا من رئاسة الجمهورية ليكون فى استقباله. وقبل أن يذهب الإمبراطور الأثيوبى إلى القصر الذى سيقيم به، صمم أن يزور الكاتدرائية لتحية البابا كيرلس السادس. وعندما وصل إلى الأنبا كيرلس، قدم له التحية القبطية المعروفة باسم "المطانية"، التى بها تبجيل واحترام كثيرين. فاندهش وفد الرئاسة والحرس المحيط بالضيف، وظن أن الإمبراطور قد سقط على الأرض. القصة هذه نقلت بكامل تفاصيلها للرئيس عبدالناصر. فتغيرت نظرة عبدالناصر عن الأنبا كيرلس الذى كان فى البداية يعتبره "قسيسا عنده فى البلد"، عندما رأى الإمبراطور شخصياً يبجله بهذا الشكل.
هل يمكن القول إن الإمبراطور الأثيوبى هو السبب فى تقوية العلاقة بين الكنيسة وعبدالناصر؟
نعم وهناك موقف ثان أكد هذه العلاقة، عندما قرر الإمبراطور هيلاسيلاسى عقد أكبر مؤتمر لاهوتى فى 1963 فى الشرق، قرر أيضا أن الأنبا كيرلس هو الذى سيرأسه. لكن البابا كيرلس معروف عنه أنه لا يسافر. كان المؤتمر سيبدأ يوم الاثنين فى أديس أبابا والمقرر أن تصل الوفود جميعاً السبت. مر يوما السبت والأحد دون أن يحضر البابا، وجاء الاثنين، يوم افتتاح المؤتمر، ولم يحضر البابا أيضاً. فأجل الإمبراطور يوم الافتتاح إلى اليوم التالى، الثلاثاء، وأرسل مساعده الشخصى لإحضار البابا، وطلب من الرئيس عبدالناصر أن يضغط عليه "شخصياً" لكى يأتى. ومن هنا بدأ عبدالناصر يدرك جيداً مكانة الكنيسة ومكانة البابا كيرلس.
كانت مصر فى أوج دورها العربى والأفريقى آنذاك..
بالضبط. وأضيف على هذا دورها الهام فى مجموعة دول عدم الانحياز. استفاد ناصر من الكنيسة باعتبارها أقدم كنيسة فى الشرق الأوسط وأفريقيا، وتبنى عبدالناصر فى هذا الوقت مشروع بناء أكبر كاتدرائية مسيحية فى الشرق الأوسط، وهى الكاتدرائية الحالية بالعباسية. والخلاصة أن علاقة عبدالناصر والأنبا كيرلس كانت قائمة على الاحترام والود المتبادل.
الحقيقة أن الوقائع كثيرة..
هناك واقعة شهيرة أخرى ذكرها الكثيرون: كان هناك مجموعة تخطط لاغتيال جمال عبدالناصر، وذهبوا إليه متنكرين فى الزى الأسود للرهبان والأساقفة، وقالوا له "إننا من طرف البابا كيرلس". فاستغرب عبدالناصر لأن البابا كان معتادا أن يأتى إليه شخصيا، فلما أرسل هذه المرة وفدا من عنده، تساءل عبدالناصر عن سبب التغيير وأمر بتقديم " شاى بحليب" للمجموعة وشربوا بالفعل الشاى بالحليب، وانكشفت بعدها الألاعيب. فهم لم يكونوا أساقفة لأن الأساقفة لا يشربون الحليب فى الصيام. وتم القبض عليهم. هذه مؤشرات سياسية وعلاقات مودة وحب وليس "معجزات" كما أشيع.
لكن العلاقة كانت متوترة للغاية فى عهد السادات..
فى فترة الرئيس السادات حدث العكس بسب التوترات الطائفية وبعض الأفراد قاموا بتغذية هذا الاحتقان بين البابا والسادات. فالبابا يتعامل على أنه رئيس الأقباط، والسادات يتعامل على أنه رئيس الجمهورية. وتحول الموضوع إلى جفاء بين شخصيتين لهما نفوذ، وتسبب هذا فى حدوث الصدام. زاد من ذلك المناخ الطائفى المحتقن. إلى جانب أن قداسة البابا شنودة ذكر لى، وأنا محتفظ بتسجيله لى، أن الرئيس السادات اجتمع به فى استراحة الرئاسة بالقناطر وسأله: "كم تصريحا كان عبدالناصر يعطيها لكم كل عام لبناء كنائس جديدة؟ قال له البابا: "25 يا ريس". فرد السادات: "سأجعلها 50. ومات السادات ولم ينفذ أبدا وعده"
كان لأقباط المهجر فى هذه الفترة دور سئ للغاية..
أقباط المهجر كانوا دائما يهاجمون السادات، خاصة بعد توقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل. وخلال زيارته للبيت الأبيض، قاموا برفع شعارات مناهضة تنتقده بشدة، ولكن لم يقذفوه بالبيض والطماطم داخل البيت الأبيض لأن "ده تهريج ومش ممكن يحصل". العلاقة كانت علاقة صداقة، تحولت إلى علاقة صدام. وفى سنة 1981 حدث الصدام الشهير، عندما كون السادات اللجنة الخماسية برئاسة الأب متى المسكين لتدير شئون الكنيسة بدلا من البابا. وللعلم متى المسكين هو نفسه الذى اقترح فكرة اللجنة الخماسية، التى وافق عليها السادات، رغم أن السادات، فى بداية حكمه، كان يكره الأب متى بدعوى أنه شيوعى واشتراكى. لكن بعد ذلك أحبه وتعاون معه. ولو أردنا تحليل العلاقة بين الكنيسة والدولة، سوف نجد أن صدام 1981 كان بمثابة نقطة فاصلة. وبعده، حدث تحول فى العلاقة بين الدولة والكنيسة: الكنيسة عرفت حدودها، وعرفت أن هناك سلطة عليا وحدودا يجب ألا تتخطاها. وأن هناك كذلك دولة مدنية وقانونا، وأن هذا لابد أن يكون المرجع الأول والأخير.
لكن لماذا أفرج الرئيس مبارك عن كل المعتقلين فى أحداث 1981، فيما عدا البابا شنودة؟
لأكثر من سبب. الشارع وقتها كان فى حالة غليان، وكان الأمن ضعيفا وخروج البابا سوف يمثل نوعا من الصدام بين الأقباط وبين الجماعات الإسلامية، التى لم يكن أحد يعرف خيوطها جيداً. السبب الثانى هو نظرة السادات للكنيسة والبابا كأحد أدوات التطبيع. فعندما طلب السادات من البابا "فتح" الزيارات الدينية للقدس، رفض البابا. وبصراحة هذا الرد كشف لنا ذكاءه بمرور الوقت. السبب الثالث هو نظرة الشك بين الطرفين: شك الكنيسة وتخوفها من الرئيس الجديد القادم. من هو، وكيف سيتعامل معها ومع الملف القبطى، والشك من مؤسسة الرئاسة تجاه الكنيسة خوفاً من ردود فعلها تجاه الرئيس الجديد. هذه الأمور ونقاط الاشتباك هى التى صممت نمط وأسس العلاقة الحالية بين الكنيسة والدولة. ومع الوقت بدأت العلاقة تتحرر من توترها، وعادت الدولة والكنيسة تتبادلان التهانى وعادت الثقة من جديد، ولا أظن أن الصدام بين الدولة والكنيسة سيتكرر مرة أخرى. ما يمكن أن يحدث هو حدوث نوع من التوترات تغذيها الحوادث المتكررة التى تحدث هنا وهناك، ويكتب عنها الإعلام بشكل طائفى.
طبعاً الكلام الذى سجلناه كله صالح للنشر وعلى مسئوليتك الشخصية؟
(ضاحكا).. طبعاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.