لم أتعمد المحاولة لكن فجأة رأيت أنه يتوجب على فعل كل هذه الأشياء، فلم أكن هذا الذى يريد أن يتولى زمام الأمور، لم أكن من متحملى المسئولية قط، وإنما كنت دائما هذا الفتى صاحب الانطلاقات الأولى، صاحب أفكار المرح والسفر، فلم أفكر أن أعمل فى سن مبكرة أو أصنع الكثير من الأموال فى سن صغيرة، كل ما تمنيته أن تحصل كل فترة من حياتى على حقها فى العيش، ولكن بمجرد بدء أول فترة قبل ميعادها تتوالى سلسلة من تسارع الأحداث وتبادل أماكن الفترات حتى أن بعض الفترات لم تأخذ مكان أخرى، لكنها انحدرت، ماتت على ما أظن وسط هذا التسارع، ولم تتبق سوى فترة واحدة التى بدأت بفرض سيطرتها على الخط الزمنى للعمر، فترة العمل، المجهود، مزاحمة عمالقة مصارعى لقمة العيش، مصارعة هؤلاء من يبحثون عن أعمالهم، ليس ذلك وحسب، بل لم أرغب أن أكون واحدا من هؤلاء الملايين بل رغبت أن أكون من العشرات القلائل المسئولين عن توظيفهم، فأين المتعة فى كونك جزءا من قطيع. أين المتعة فى المزاحمة والمصارعة على القليل، أعلم جيدا أن المتعة الحقيقية تكمن فى أخذ مكان الأقوياء فالأماكن الضعيفة كثيرة ولا أظنها تحتاج إلى المزاحمة، ولم أقف عند حد التمنى بل بدأت أن أتحرك فى طريقى تاركا خلفى كل ما يعيق، ثم بدأت يوما تلو الآخر يمر وأجد نفسى أصر أكثر وأكثر على إكمال الطريق، لكن لحظة من التوقف لأسأل نفسى ما الدافع من سلوك هذا الطريق الطويل، أهو رغبة فعلية نابعة من داخلى على تحقيق ذلك، وإن كانت كذلك لما كنت أسابق الزمن، فمن الممكن أن أكون من هؤلاء الكبار فى سنين عديدة ولكن لما كنت أجرى دائما لأصل لكل هذا فى سن صغيرة، ولما أسأل سؤالا أعرف إجابته؟ فبالفعل كانت رغبة نابعة من داخلى لكنها هى، هى التى لم أرغب أن أجعلها تنتظر، لم أرها قط عائقا من الذى تركتهم، بل رغبت أن تكون هناك عندما أكمل ما أريد، أردت أن تكون معى من البداية وحتى النهاية، أظن أن هذا سببا وجيها لمسارعة الوقت، فالانتظار يضيف البرود ويضفى بلادة على العلاقات، فالمجهول دائما مخيف وأيا كانت الوعود فهى لا تضمن من هذا المجهول شىء. لم يكن الطريق سهلا وإنما كان أشبه بتكسير جدار ضخم لا تعلم عن سمكه شيئا ولا تعلم ما ستؤول إليه الأمور عند وقوعه، ولكن هناك إيمانا أنك ستكافأ بعد كل ذلك، هناك إيمان أنه بالفعل يستحق كل هذا العناء، وبالوصول تشعر بالنشوة، فبالنظر لما كنت عليه ونيتك ورغبتك فى الوصول لمكانك الحالى تجد أنك الشخص الأول والوحيد القادر على توجيه الدفة إلى حيث تريد، لا بل تجد أنك بالفعل تستحق كل ما وصلت إليه، ليس من أجل أى شخص حتى وإن كان من تحب، بل أنت تستحق لأنك فقط تستحق .