نظافة القاهرة تطلق أكبر خطة تشغيل على مدار الساعة للتعامل الفوري مع المخلفات    د. محمود حسين: تصاعد الحملة ضد الإخوان هدفه صرف الأنظار عن فشل السيسى ونظامه الانقلابى    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    تعرف على موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    تراجع أسعار العقود الآجلة للنفط مع جهود الوصول لهدنة بين إسرائيل وحماس    مجلس الدولة يلزم الأبنية التعليمية بسداد مقابل انتفاع بأراضي المدارس    «السجيني» و«رحمي» يعرضان خُطتهما في الرقابة والسيطرة علي الأسواق بالغربية    حملة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: حملتنا نجحت في تخفيض الأسعار    واشنطن: 5 وحدات عسكرية إسرائيلية ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان    فيديو| مقتل 3 أفراد شرطة في ولاية أمريكية خلال تنفيذ مذكرة توقيف مطلوب    محلل سياسي: أمريكا تحتاج صفقة الهدنة مع المقاومة الفلسطينية أكثر من اسرائيل نفسها    ولي العهد السعودي وبلينكن يبحثان التطورات في قطاع غزة    وفد حماس يغادر القاهرة.. وهذا مصير الهدنة مع إسرائيل    زيلينسكي: الأسلحة الأمريكية الحيوية بدأت في الوصول إلى أوكرانيا بكميات صغيرة    عبدالجليل: كهربا لن يشارك أساسيًا مع الأهلي.. وسامسون لا يصلح للزمالك    جوميز يرحب برحيل أشرف روقا.. وأوباما يطلب المساواة مع شيكابالا للتجديد.. تفاصيل    موعد مباريات اليوم الثلاثاء 30 أبريل 2024| إنفوجراف    حازم إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية.. ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    حملات تفتيشية مفاجئة على المخابز والمطاعم بالغربية    السجن 10 سنوات لمسن هتك عرض طفلة في بني سويف    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    فتوى تحسم جدل زاهي حواس حول وجود سيدنا موسى في مصر.. هل عاصر الفراعنة؟    نقيب الممثلين يترأس لجنة الحكم ومناقشة لرسالة دكتوراه بجامعة المنصورة    رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم يشهد الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    ما هو مصير من حصلوا على لقاح أسترازينيكا؟.. المصل واللقاح توضح    أستاذ بجامعة عين شمس: الدواء المصرى مُصنع بشكل جيد وأثبت كفاءته مع المريض    مفاجأة صادمة.. جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    «جامعة القناة» تُطلق قافلة طبية لحي الجناين بمحافظة السويس    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    كوافيرة لمدة 20 سنة حتى الوصول لمديرة إقليمية بأمازون.. شيرين بدر تكشف التفاصيل    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق شب داخل مطعم مأكولات سوري شهير بالمعادي    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    ندى ثابت: مركز البيانات والحوسبة يعزز جهود الدولة في التحول الرقمي    موسم مبشر.. حصاد 14280 فدان بصل بالوادي الجديد (صور)    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن سلسلة غارات عنيفة شرق مخيم جباليا شمال غزة    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    توفيق السيد: لن يتم إعادة مباراة المقاولون العرب وسموحة لهذا السبب    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    تعيين إمام محمدين رئيسًا لقطاع الناشئين بنادي مودرن فيوتشر    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    "قارئ شفاه" يكشف ما قاله صلاح لكلوب خلال اشتباكهما بمباراة وست هام.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تراجع مبيعات هواتف أيفون فى الولايات المتحدة ل33% من جميع الهواتف الذكية    بالفيديو| أمينة الفتوى تنصح المتزوجين حديثاً: يجوز تأجيل الإنجاب في هذه الحالات    بالرابط، خطوات الاستعلام عن موعد الاختبار الإلكتروني لوظائف مصلحة الخبراء بوزارة العدل    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر مقالات أيمن شرف رئيس تحرير "الدستور" الجديد حول الأزمة الأخيرة للجريدة والخطوط العريضة للسياسة التحريرية فى المرحلة القادمة
نشر في اليوم السابع يوم 22 - 10 - 2010

ينشر اليوم السابع مجموعة من مقالات الكاتب الصحفى أيمن شرف رئيس تحرير "الدستور" الجديد، والتى تحمل توضيحاً لرؤيته حول الأزمة الأخيرة بالجريدة، وتلمح للسياسة التحريرية فى المرحلة القادمة، وفيما يلى مجموعة من هذه المقالات..
أرابيسك
ضمير مصر.. وضمير الدستور
فى الإصدار الأول ل «الدستور» كنا قد اتفقنا على فكرة أن نقيم تجربة الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، باعتبار أن الجريدة لا تؤمن بأن هناك «تابوهات» لا يجوز نقدها.. واختار «مايسترو» التجربة إبراهيم عيسى عددًا من أفراد كتيبتها التحريرية للكتابة ليخرج التقييم فى النهاية متوازنًا، هو يعرف من خلال نقاشاتنا مواقف كل منا تجاه الرجل، مآخذنا على هيكل وإشاداتنا به. فى ذلك الملف كتب جمال فهمى وإبراهيم داود وياسر أيوب وبلال فضل وهناء فتحى وإبراهيم عيسى وكاتب هذه السطور.. كل عبَّر عن وجهة نظره بحرية واحترام دون تجريح أو إساءة شخصية للرجل.. فكان الملف مدهشًا للقراء ولمحمد حسنين هيكل نفسه، وأظنه تساءل مَنْ هؤلاء الشباب الذين يطرقون مناطق جديدة وغير مألوفة فى الصحافة المصرية وقتها «منتصف التسعينيات»؟
ونحن مازلنا فى طور الإعداد للملف، دخلت إلى مكتب إبراهيم عيسى.. غرفة صغيرة متواضعة تحوى مكتبين - الأول له والثانى لمدير التحرير «الصديق» جمال فهمى، وفوجئت بشخص آخر جالس على مكتب عيسى هو الأديب يوسف القعيد.. وفاجأنى جمال بأسلوبه المرح - كعادته - خذ عندك يا سيدى.. وآدى واحد من الذين سينتقدون هيكل.. فرد القعيد: «إزاى تنتقدوا هيكل.. هيكل ده ضمير أمة.. ضمير مصر».. فاندهشت من التعبير وقلت له: «عذرًا يا أستاذ يوسف.. ضمير مصر لا يمكن أن يختصر فى شخص، ولا يمكن أن يلخصه فرد واحد.. ضمير مصر تمثله نخبتها بكل أطيافها.. وتنويعاتها.. من مثقفين وفنانين وسياسيين.. من عبدالوهاب وأم كلثوم إلى ناصر وسعد زغلول إلى طه حسين والعقاد.. وجمال حمدان إلى التابعى وهيكل.. قائمة طويلة من المبدعين والمفكرين وعاشقى هذا الوطن.. الذين لم يبخلوا عليه بشىء، وشاركوا فى صناعة هويته».. وبالطبع لم أستطع أن أقنع الأستاذ يوسف القعيد - أحد مريدى هيكل - بضرورة وأهمية ونقد وتقييم من حولناهم إلى رموز مقدسة لا تحتمل «الاقتراب أو التصوير»، رغم مداخلة الزميل والصديق حمدى رزق معى فى الحوار فى نفس الاتجاه.
ومرت الأيام وثبتت وجهة نظرى ووجهة نظر ذلك الجيل الذى صنع الإصدار الأول ل «الدستور» بكل تنوعه وثرائه.. فقد بات مقبولاً اليوم على الساحة الصحفية والإعلامية نقد وإعادة تقييم أى تجربة.. ولم يعد مقبولاً بأى حال من الأحوال تقديس أى شخص.. رئيسًا كان أو وزيرًا أو حتى مفكرًا.. لم تعد النخبة المصرية أسيرة لفكرة «الشخص الرمز» كما كانت من قبل. هذا الجيل من الصحفيين والكتاب الموهوبين الذين اختارهم عيسى بعناية يحتلون الآن مواقع مهمة فى قيادة مؤسسات صحفية خاصة وحتى حكومية، اكتسبوا نجوميتهم ومكانتهم من مساحة الحرية الواسعة التى وفرتها تجربة «الدستور»، ومن دأبهم وإخلاصهم لمهنة الصحافة باعتبارها أداة للتنوير وتغيير المجتمع نحو الأفضل. مثل هؤلاء الصحفيين وغيرهم من الكتاب والمثقفين الذين شاركوا فى الإصدار الثانى للجريدة يشكلون أيضًا «ضمير الدستور»، كما تشكل نخبة مصر بكل تنويعاتها «ضمير مصر».. وأظنهم لا يؤمنون بأن تجربة الدستور تجربة شخص واحد، وأظنهم لا يؤمنون بأنها تجربة «فوق النقد»، بل أكاد أزعم أنهم فى جلساتهم الخاصة وربما العامة يبدون مآخذهم عليها وانتقاداتهم لها، جنبًا إلى جنب إشاداتهم بها.. ويتذكرون أن مقولة نابليون الشهيرة «أنا فرنسا وفرنسا أنا» ليست صحيحة بالمرة. وللحديث بقية وتفصيل حين ينقشع الغبار وتهدأ الانفعالات!..
أرابيسك
الخروج من أزمة «الدستور»
الأزمات عندما تحل يظن الناس أنها وقعت فجأة لكن العارفين يعلمون أن لها بدايات وتفاعلات ومفجرات.. ويعلمون أيضاً أن لها نهايات وطرقا ووسائل وأساليب فى تهدئتها ثم إنهائها تماماً. وأزمة «الدستور» لن تستمر إلى الأبد، لن يبقى الصحفيون المعتصمون فى النقابة أو المقر القديم كما هم إلى ما لا نهاية.. ولن يظل «الدستور» يصدر بجهد غير عادى إلى الأبد.. وسيجد إبراهيم عيسى مكاناً يليق بمكانته يواصل فيه رسالته المهنية.. الخروج ب «الدستور» من أزمتها مهمة شديدة الصعوبة.. لكنها تستحق المحاولة، من أجل أشياء كثيرة.. اسم «الدستور» نفسه له فى قلبى مكانة خاصة ويستدعى ذكريات رائعة.. ليس عندى فقط، بل عند جميع من شاركوا فى بنائها صفحة صفحة.. وعند قرائها الذين ارتبطوا بها عاطفياً.. صحيفة جريئة تطرق مناطق جديدة وغير مألوفة وتتناول قضايا شائكة وأحياناً محظورة.. تجربة صحفية أثارت غيرة آخرين فراحوا يقلدونها إخراجاً وتبويباً وصياغة وسقفاً سياسياً مرتفعاً. إصدار الصحيفة حالياً فى حد ذاته وبأقل الإمكانيات الفنية المتاحة مع الحفاظ على الحد الممكن من رسالتها الصحفية هو عمل «انتحارى» نبيل إذا فشل سيخسر الجميع.. مُلاكها الجدد والقراء والصحفيون والكتاب والنخبة المصرية التى التفت حول الصحيفة ومن باعوها.. مؤسس الجريدة الأستاذ عصام فهمى ورئيس تحريرها الأول إبراهيم عيسى.
عودة الصحفيين المعتصمين لعملهم واجب أخلاقى ومهنى ونقابى، ووحدة العاملين فى «الدستور» الذين يصدرونها الآن والمعترضين فى النقابة تحت مظلة واحدة أمر يقتضى التفكير بعمق.. والإجابة عن أسئلة بديهية بذهن صاف.. لماذا سعى أصحاب «الدستور» لبيعها؟ ولماذا تفجر الوضع بهذه الصورة رغم أن المشاكل داخل الجريدة لم تتوقف منذ بدء إصدارها يومياً؟ الاتهامات جاهزة والمزايدات على أشدها والحقائق تختلط بالأكاذيب والدوافع الشخصية ترتدى عباءات مواقف سياسية عامة، ونظرية المؤامرة هى الأسهل دائماً فى التصديق لإراحة العقل من متابعة التفاصيل الظاهرة والمختفية والمسكوت عنها. صدور الجريدة حالياً يتم بجهد ذهنى ونفسى كبير من أجل ملاحقة الوقت وفصل الأهم عن المهم عن الأقل أهمية.. الجوهرى عن الثانوى.. ترتيب الأولويات وإعادة تنظيم الأوراق والأشخاص. الحفاظ على اسمى كنقابى لم يسئ يوماً لزميل، ولم يتحول خلافى مع أى زميل إلى خصومة لدودة، هو خط أحمر لا يمكننى تجاوزه.. ولن أعطى الفرصة لأحد لكى يدفعنى إلى تجاوزه.. زملائى من صحفيى «الدستور» بينى وبينهم صفحة بيضاء ناصعة لم تلوثها نميمة ولا وشاية.. وأنا حريص تماماً على بقائها كذلك.. ومطالب الصحفيين فى الجريدة وخارجها واحدة.. لائحة للأجور والترقى والتأمين الصحى.. وعدم التراجع عن مكتسبات الصحفيين التى تم الاتفاق عليها مع الإدارة الجديدة، والحفاظ على الخط السياسى للجريدة، وتشكيل صندوق لرعاية العاملين بها، وإعادة الصحفيين الذين فصلتهم الإدارة السابقة عن العمل.
خروج «الدستور» من أزمتها يحتاج إلى جهد الجميع.. التعقل ووزن الأمور بميزانها الصحيح والتوقف عن المزايدات والامتناع عن تصعيد المواقف.. أعرف أنها مهمة صعبة لكنها ليست أبداً مستحيلة.. وهناك من الأسباب ما يشجع كثيراً على المحاولة.. فريق من الصحفيين يحدوهم هدف نبيل وإنسانى للغاية.. هو استمرار التجربة.. عبادة على وسامى جعفر وعبدالله أحمد ومروان كوتة وكارم محفوظ ويوسف وهيب وغيرهم أصدروا الجريدة فى عددها الاستثنائى الأول بعد الأزمة وانضم إليهم كتاب وأصدقاء قدامى بالجريدة كان حرصهم على «الدستور» أعلى من غيرهم.. ومعهم إدارة تريد احتواء الأزمة والنهوض بالجريدة وتبادر إلى الاتفاق.
أرابيسك
المسكوت عنه فى أزمة «الدستور»
هذا المقال أكتبه فى العادة ليلاً وما إن أصل إلى الجريدة صباحاً تقرأه هيئة التحرير التى تصدر «الدستور» حالياً.. قد يتحفظ أحدهم على جملة أو حتى على فكرة المقال.. وربما يعترض على عنوانه.. التشاور مبدأ ثابت.. والثقة تُعطى للجميع.. والكفاءة هى المعيار الأساسى والوحيد فى توزيع كل محرر فى مجال عمله.. ليس ما أفعله تقليداً جديداً ولكنه إجراء ديمقراطى وتعبير عن الحالة الجديدة التى تصدر بها «الدستور» الآن. والسؤال: لماذا يخوض هؤلاء هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر؟ لماذا تصر مجموعة من الصحفيين على أن تصدر الصحيفة بعد أزمة إقالة رئيس تحريرها؟ ولماذا يكافحون.. يسهرون ويبذلون أقصى طاقتهم لكى يستمر الإصدار؟ ولماذا أصر أنا رغم صداقتى الطويلة لإبراهيم عيسى وتقديرى الشخصى له.. صداقة تتجاوز الصحافة إلى الأدب والسياسة.. ولماذا أغامر فى مواجهة نخبة تصدق مقولة جاهزة: إن «إقالة عيسى» من «الدستور» أسبابها سياسية هى إقصاؤه عن معارضة الحكومة دون أن تفكر تلك النخبة فى تفاصيل دقيقة ومهمة تؤكد أن المسألة بها جوانب أخرى حقيقية و«صادمة» فى الوقت نفسه؟.
مشاكل «الدستور» التى دعت أصحابها إلى بيعها هى نفسها كانت السبب فى أن يتخذ الصحفيون الذين يصدرون «الدستور» الآن هذا الموقف، فهم يريدون أن يقولوا بوضوح وبشكل عملى إن «الدستور» ليست شخصاً، وإنها لم تمت بعد إقالة عيسى، وإن الوضع السابق للجريدة لا يمكن أن يستمر، لا يمكن أن يظل الصحفيون مظلومين فى رواتبهم وترقياتهم، وأن تحكم الشللية تقييم الناس، وأن يحصل المقربون على رواتب عالية، أما غيرهم فيحصلون على أدنى الرواتب فى سوق صحفية ترتفع فيها كل يوم قيمة الأجور فى الصحف المستقلة والخاصة، إلى حد أن صحفياً بالدستور ذهب يوم «قبض الرواتب» إلى المحاسب فلم يجد سوى خمسة جنيهات! بعد خصم التأمينات والضرائب وتحميلها كلها عليه دون أن تدفع الجريدة حصتها.
بنفس قدر موهبة إبراهيم عيسى الصحفية كانت «الدستور» فى إصدارها اليومى الأخير حافلة بالمظالم، وكان العمل اليومى - رغم إحساس كل صحفى بالزهو من مواقف الجريدة السياسية - عبئاً نفسياً وإنسانياً.. بالطبع أتحدث عن الصحفيين «الشغيلة» فى الجرنال، وليس عن المقربين. وكان ذلك وضعاً ينذر بالخطر.. وفى أكثر من مرة حذرت «الصديق» إبراهيم عيسى، وحين كلفنى بمهمة رئيس التحرير التنفيذى للعدد الأسبوعى واختيار فريق عمل مستقل له، قلت له «المشكلة ليست من يقود المجموعة.. الناس ليس لديهم حافز للتجويد.. لابد من تخصيص مكافآت إضافية لمن يشارك فى العدد الأسبوعى»، واقترحت عليه أن يوزع راتبى على المحررين لمدة شهر، وسيرى النتيجة، وفى اليوم نفسه قررت الخروج من «دائرة العبث» لأوفر له المبلغ.. ولم يحدث شىء وظلت الأمور على ما هى عليه، لكى يكتشف ملاك الجريدة أنها تخسر، وأن بيعها هو الحل.. الغريب أن من يتحدثون الآن عن المؤامرة، وأن الملاك الجدد تآمروا للإطاحة بإبراهيم عيسى لا يتذكرون نقطة مفصلية فى الموضوع هى أن عيسى باع حصته «أى حصة شقيقه شادى» العشرة فى المائة أيضاً، فلماذا لم يتمسك بها لتظل وسيلة للحفاظ على الجريدة ومنع انحرافها عن خط سياسى أو أى شىء آخر؟!
دوافع الأب فى عدم ترشيح الابن
الشواهد على تصعيد نجل الرئيس سياسياً لتولى منصب الرئاسة لم تعد تقريباً فى حاجة إلى تأكيد أو استدلال، بدءاً باستحداث لجنة السياسات فى الحزب الوطنى وتوليه رئاستها، مروراً بوضعه ضمن الهيئة العليا للحزب التى تشترط آخر التعديلات الدستورية عضويتها للترشح لمنصب الرئيس.. إضافة إلى ما يتردد فى الكواليس عن أنه يعين وزراء فى الحكومة.. مما يجعل جمال مبارك يتحرك فى حدود مسافة فضفاضة ما بين منصب الرئيس ومنصب رئيس الوزراء.
رغم كل هذه الشواهد تبدو على السطح مؤشرات فى الاتجاه المعاكس.. يرجعها البعض- استنتاجاً أحياناً أو معلومات أحياناً أخرى - إلى ممانعة من جهات سيادية، ويظل هناك احتمال آخر هو ممانعة الرئيس نفسه. ومرد الممانعة إذا صحت فى تقدير البعض مشهد لا يغيب عن ذاكرة الرئيس، هو مشهد اغتيال الراحل أنور السادات فى 6 أكتوبر 1981، ومعلومات تفصيلية عن الحادث مازالت محجوبة عن كثيرين، لكن الرئيس يعلم فى الغالب بحكم موقعه ومعايشته للأحداث تفاصيل ذلك المشهد «غير المعقول» حسب تعبير الراحل أنور السادات، والدهشة تكاد تعقد لسانه عندما رأى قاتليه يتقدمون إلى منصة العرض العسكرى، ليغتالوه وسط أبنائه من الضباط والجنود فى ذكرى انتصارهم على العدو.. انتصار كان مصدر شرعية للسادات نفسه. من المعلومات.. ما ذكره عرضاً سامى شرف- وزير شئون الرئاسة فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر- فى كتابه «سنوات مع عبد الناصر»، عن أنه تلقى فى 29 سبتمبر 1970 (اليوم التالى لوفاة ناصر) تحذيراً من رئيس أركان المدفعية بأنه سيقوم بانقلاب إذا تم اختيار أنور السادات رئيساً للجمهورية.. وكان رئيس أركان المدفعية وقتها العقيد محمد عبد الحليم أبوغزالة، الذى تولى قبل شهور من اغتيال السادات منصب وزير الدفاع.. وبعدها بشهور رقى إلى رتبة المشير.. هذه الواقعة إن صحت تعنى أن «العقيد» محمد عبد الحليم أبوغزالة كان يرفض جملة وتفصيلا تولى السادات رئاسة مصر، وربما أنه لم يكن وحده الذى يكن هذا الرفض.
معلومات لا أظنها لم تصل إلى الرئيس مبارك قبل نشرها فى كتاب سامى شرف فى 2006.. وغيرها كثير.. على سبيل المثال ما ورد فى اعترافات محمد سالم رحال- مؤسس تنظيم الجهاد- ومحمد عبد السلام فرج- رئيس التنظيم- أمام النيابة، عن تعاون جهات حكومية وشخصيات على مستوى رفيع مع رحال سواء بقصد أو بدون قصد، وعن تلقى رحال بين عامى 1979 و1980 نحو 25 مليون جنيه من إحدى الدول العربية، أنفقها على تنظيم لا يتعدى عدد أفراده ثلاثة آلاف شخص وعلى المساعدين والموالين من الحكومة وعلى جمع السلاح المهرب، وبمساعدة شخصيات كبيرة، كانت تمدهم بالمعلومات، وترعاهم من بعيد وتحذرهم وقت الخطر. من المعلومات.. أن سفيرى دولتين عربيتين كان لهما دور ملحوظ فى دعم تنظيم الجهاد، وأن أصابع الاتهام فى مخطط اغتيال السادات تشير أيضا إلى إيران.. وأن الجناة اعترفوا بأن ضابطاً برتبة مقدم أعطاهم إبر ضرب النار، وأن خالد الإسلامبولى قائد مجموعة الاغتيال قال فى التحقيقات إنه توقع ساعتها أن يكون ذلك الشخص هو الذى سيسلم رقابهم.. هذا المقدم حضر التحقيقات بوصفه شاهداً حسب رواية القاضى عبد الغفار محمد قاضى قضية الجهاد، والذى أكد مراراً حيادية الرئيس فى تعامله مع القضية، وحرصه على إطلاق سراح غالبية المتهمين فور تبرئتهم، رغم رفض وزارة الداخلية.. ونقل عبد الغفار محمد عن حسن أبو باشا- وزير الداخلية الأسبق- قوله إن إسرائيل رفضت الانسحاب من منطقة رأس محمد إلا بعد إعدام خالد الإسلامبولى! ومن المعلومات أيضاً.. أن الملازم أول احتياط خالد الإسلامبولى، تم استدعاؤه لحضور العرض العسكرى وتكليفه بمهمة نزع إبر ضرب النار رغم التحقيق معه مرتين قبلها بشبهة الانتماء إلى الجماعة الإسلامية، وأن شقيقه محمد شوقى الإسلامبولى كان معتقلا بالفعل وقتها لانتمائه للجماعة.
مشهد اغتيال السادات بكل ما فيه من دموية ومفاجآت مفجعة والمعلومات التى توفرت بعده وما يمكن استنتاجه منها كفيل بأن يجعل من يجلس فى ذلك الموقع شديد الحذر.. شديد الحيطة.. وحين يصبح مطروحاً عليه أن يجلس ابنه مكانه لابد أن تدفعه حكمة السنين إلى الممانعة.. فمبارك نفسه رغم حذره وتحوطه تعرض هو أيضا لمحاولة اغتيال فاشلة.
طريق جمال المسدود
نفوذ السيد جمال مبارك نجل الرئيس فى دوائر السلطة لا تخطئه العين المجردة، وطموحه إلى الجلوس على كرسى أبيه لا تنفيه أى تصريحات مواربة هنا وهناك.. هو بالفعل فاعل أساسى فى صناعة سياسات الحكومة، وفى اختيار وزرائها، حتى إنه يعين وزراء فيها.. فى الكواليس يتردد ما يؤكد ذلك وبوضوح.. السيد فاروق حسنى - وزير الثقافة - كان يتطلع منذ فترة لتولى منصب وزير الإعلام بدلاً من الثقافة، أو الوزارتين معا، لكن السيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس قالت له على سمع من آخرين: «مبروك يا فاروق استمرارك فى الثقافة».. وتابعت فى نبرة اعتذارية «معلهش الإعلام وعد بيها جمال أنس الفقى!». ولسان الحال يقول وعد الحر دين! ورغم ذلك لا يبدو أن طريق جمال إلى الرئاسة ممهد بالورود.. بل إنه يبدو مغلقا.. وربما أن العقبة الرئيسية هى موقف الرئيس نفسه.. فى الصيف التالى للتعديلات الدستورية فى 2005 سافر الرئيس إلى استراحته فى محافظة ساحلية شمال مصر، ولم يصطحب معه كعادته السنوية عائلته بالكامل، كان معه فقط نجله الأكبر علاء ثم وصل إلى الاستراحة بعد ذلك نجله الأصغر جمال وقرينته.
وفى اليوم التالى غادر الرئيس المكان فجأة إلى القاهرة دون أن يصطحب بقية العائلة، لكنه قبل أن يغادر قال فى نبرة غاضبة عبارة وصلت إلى أسماع العاملين فى الاستراحة.. قال: أنا عملتلكو التعديلات الدستورية اللى انتوا عاوزينها.. أكتر من كده مفيش.. ثم سافر إلى القاهرة. والجملة الأخيرة فى عبارة الرئيس «أكتر من كده مفيش» ربما تشير بوضوح إلى ما تردد بقوة قبلها عن رغبة عائلية فى أن يتنحى الرئيس تاركاً الفرصة لترشيح ابنه جمال. الشواهد الظاهرة أيضا تؤكد ما يتردد فى الكواليس عن رفض الرئيس القاطع تولى ابنه مكانه.. فقد سبق أن تعهد الرئيس أمام مجلس الشعب فى عبارة صيغت بعناية بأنه باق فى منصبه «ما دام فى صدره قلب ينبض» وكانت موجة التصفيق من الحاضرين إشارة إلى شعورهم بالاطمئنان على مواقعهم.. فقد تذهب بها رياح التغيير مع صعود الابن للمنصب.
واقعة الاستراحة ثم الإعلان أمام أعضاء مجلس الشعب أكدها ترشح الرئيس للولاية الحالية.. لكنها لم توقف الفريق الآخر عن الطموح.. فريق الملتفين من أصحاب المصالح والحاجات حول جمال مبارك من أجل وصوله للمقعد الغالى.. يتخيلون - مازالوا - أن منصب الرئاسة فى مصر يمكن شراؤه بعدة ملايين.. وكأن البلد قد تم تجريفه تماما من العقلاء، وكأن مصر أصبحت خارج التاريخ، فعادت سنوات إلى الوراء، أو غادرت الجغرافيا من قلب العالم فى الشرق الأوسط إلى مجاهل أفريقيا حيث السلاطين يورثون أبناءهم، أو إلى شبه الجزيرة الكورية، حيث أبناء الزعماء الاشتراكيين يورثون أنظمة فاشية إلى أبنائهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.