دعا الروائى الكبير خيرى شلبى لفرض ضريبة ثقافية على رجال الأعمال فى مصر لتمويل المشروعات الثقافية الكبيرة، وقال شلبى خلال حفل التوقيع الذى عقدته له مكتبة ألف فرع الزمالك أمس الاثنين لتوقيع روايته "إسطاسية" الصادرة حديثا عن دار الشروق: لابد أن يكون للثقافة نصيب فى أموال البلاد، ولابد أن نفرض ضريبة جديدة على كل صاحب رأس مال، ولتكن ضريبة ثقافية. وقال شلبى، أعلم أن بعض رجال الأعمال يمولون بعثات دراسية إلى أمريكا وغيرها، لكن لا مانع أن يدفعوا قدرا معينا لتمويل المشروعات الثقافية، فرأس المال الحر يبرطع فى بلادنا، ويكسب باليمين واليسار، ولو سميتوا ما أقول حقدا، فرجال الأعمال مطالبون بأن يطفئوا نار الحقد بالمساهمة فى تمويل المشروعات الثقافية. وتطرق شلبى إلى ذكرياته مع القراءة وخبراته الحياتية التى شكلت جزءا كبيرا من تكوينه الأدبى، وقال إن الخبرة الحياتية أساس فى حياة أى بنى آدم حتى لو لم يكن كاتبا، لكن القراءة تقود القارئ لتحصيل خبرات حياتية أكثر، والإنسان عندما يواجه التجارب وهو "غشيم" غير لما يواجهها وهو على معرفة بها، فالقراءة هى التى تزوده بالخلفية اللازمة لمواجهة كل ما يقابله فى الحياة. وأكد شلبى أنه لم يكن يتصور كيف كانت ستكون حياته لو لم يقرأ فى صباه "يوميات نائب فى الأرياف" لتوفيق الحكيم، مشيرا إلى أن توفر الكتب فى المكان الذى يشهد نشأة الأطفال يغريهم بالقراءة، ووجود الكتب والمجلات مختلفة الألوان يجذب الأطفال نحوها. وأضاف شلبى: أنا تعلمت بسهولة جدا القراءة قبل الدخول للمدرسة ومن خلال اللوح الخشبى المدهون بالزنك والذى نحصل عليه فى "الكُتاب" وكنا نكتب عليه بالحبر، أو بالزنك، والفضل يرجع إلى توافر الكتب فى البيت. وقال شلبى: أنا من أشد المعجبين بمشروع القراءة للجميع، وأعتبره من المشروعات العظيمة جدا التى نفذت فى القرن العشرين فى الشرق الأوسط، وهناك بلدان تحاول تقليد هذا المشروع الذى شاركت فيه عدة وزارات وهو المفترض أن يحدث. وواصل شلبى امتداحه لمشروع القراءة للجميع مؤكدا على أن هذا المشروع قدم أمهات الكتب ومنها "الخطط التوفيقية وتاريخ الجبرتى، وابن خلدون، ووصف مصر، ومصر القديمة لسليم حسن، وقصة الحضارة"، بقروش زهيدة جدا أقل من سعر علبة السجائر، وصنع مكتبة فى كل بيت. ونصح شلبى الحضور فى المكتبة بالبدء فى قراءة الكتب المهمة، مؤكدا على أن كل منا ينشغل عنها، ويقول لنفسه: خليه لما أروق له، لكن الحقيقة أننا لن نروق ولن نجد الوقت للكتب المهمة، وقال شلبى: كلما تقدم بنا الزمن تتراكم الكتب التافهة على الكتب المهمة، ويثار حول الكتب التافهة الكثير من اللغط، تشغلنا عن الأعمال المهمة. وأضاف شلبى: قلة الثقافة أحسن من مطالعة ومتابعة المجلات التى تعطينا قشور الأشياء، فالثقافة تأتى من قراءة المصادر، والكتب الأصلية، فلا يجب أن نترك أنفسنا لقراءة المجلات والدوريات الثقافية التى تقدم نبذاً عن الواقع الثقافى، وتستقطبنا لأشياء ليس لها داعى لا تفيد فى الحياة، وتجعلنا نتأثر بمصطلحات ومشكلات لا تقدم ولا تؤخر. وأكد شلبى أن أفضل أوقات القراءة الجادة وقت السحر، قبل الفجر وبعده، مشيرا إلى أن الذهن يستوعب أكثر ويزداد شفافية كلما أُرهق الجسد. وقال شلبى: أنا كائن شعرى والشعر عندى هو الأكسجين الحقيقى لوجدانى، الذى يجف لكثرة القراءة والحياة المادية، ويقوم الشعر بترطيبه، وإروائه، وتصحو به المشاعر، ودائما أحتفظ بدواوين شعرية بجوارى من كل العصور، وأحرص على مطالعتها والرجوع إليها بين الحين والآخر، والشعر يوقظنى، ويجعلنى أكثر حبا للحياة، كما أنه ينعش الذكريات، لأنه يغذى منطقة الذكريات، وينعش أشياء كثيرة مشابهة للصور الشعرية التى نقرأها. وأضاف شلبى: أنا أيضا من عشاق الرواية البوليسية، وفى اعتقادى أنها خدمت الذهنية الإنسانية خدمات لا تقدر بمال، وفى رأيى أن مسرحية هاملت لشكسبير رواية بوليسية، بصرف النظر عن الشكل، فالرواية البوليسية مثل لعبة الشطرنج، والطاولة، محركة للذهن وبانية له، فقارئها يشارك مؤلفها، ويظل حدسه متوقدا، وأنا من المفتونين بالرواية البوليسية، ولدى مكتبة صغيرة تتجدد باستمرار تحوى أعمال آجاثا كريستى، وجيمس بوند، ولو كنت هنام على روحى، أحب قراءتها دائما. وأكد شلبى على أن الكتاب الردئ يفيد قارئه أضعاف الإفادة التى قد يحصل عليها من الكتاب الجيد، مشيرا إلى أهمية ألا يستهين القارئ بما يقرأ، أو يتصور أن الكتاب تافه، ومؤلفه عديم الخبرة. وامتنع خيرى شلبى عن الحديث كثيرا عن روايته "إسطاسية" مؤكدا على أن الأديب أسوأ من يتحدث عن عمله، وقال: إسطاسية هى أحدث رواية كتبتها، لكنها ليست آخر رواية، لأن آخر رواية لم أكتبها بعد، و"إسطاسية" عاشت فى وجدانى قبل التفكير فى الرواية ما يقرب من 30 عاما، وكنت قد نسيتها، ولكن الواقع المصرى هو الذى ذكرنى بها، وكثرة الأحداث فى السنوات الأخيرة نسجت فى ضميرى هذه الحدوتة، عن هذه السيدة التى فقدت إبنها، ونجا الجناة من فعلتهم، فاستأنفت "إسطاسية" الحكم مع القضاء الأعلى، وأقامت الحداد وفرضته على أهل القرية خمس سنوات كاملة، وهو ما جعل أهل القرية يعيشون فى أزمة ضمير.