مصاب بالسرطان فى كل بيت، هكذا كان الوضع فى قرية «أبوعزباوى» بقرية وادى الملاك التابعة لمركز أبوحماد بمحافظة الشرقية التى يعانى نحو 160 من أبنائها من مرض السرطان. %90 من المصابين بالقرية يعيشون فى مساحة كيلو متر مربع، هكذا قال «عبدالله الداوودى» عضو اتحاد الملاك للتنمية الحضارية، مضيفا «اكتشفنا بداية إصابة القرية بالمرض منذ نحو 4 سنوات، لكن معدل الإصابة يسير بمعدل بطىء جدا». «الداوودى» أضاف «فى عام 2012 فاق معدل الإصابات كل التوقعات حتى وصلنا فى 6 أشهر إلى 225 حالة، متنوعة ما بين سرطان الدم والمثانة والكبد والثدى والمخ والفم، بكل الفئات العمرية يمكن القول بأن الوباء يضرب القرية». المثير للجدل كما يكشف «الداوودى» أن معدلات الإصابة بالسرطان تتركز فى محيط لا يتجاوز الكيلو متر ما استدعى التواصل مع وزارة الصحة بالشرقية التى قامت بإيفاد لجان مختلفة من كلية الطب بجامعة الزقازيق لمسح القرية. سعيد عبدالحميد البالغ من العمر 42 عاما بات يواجه الحياة بوجه شاحب، بعد أن شرع السرطان فى الهجوم على جسده النحيل، لا يجيد الحديث عن حالته المرضية فهو كباقى الفلاحين الذين يعتبرون أن الإصابة بالسرطان كالعار الذى لحق بهم، لابد من المداراة عليه ولا يجب التحدث فيه حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا. «عبدالحميد» العامل باليومية يصف حالته بإصابته بحالة من الإعياء التى تتطلب نوما عميقا لساعات طويلة، حتى نصحه المقربون بضرورة العرض على الطبيب الذى شخص إصابته بغدة قائلا له «لا داعى للقلق». أدوية الغدة التى تعاطاها «عبدالحميد» لم تجدِ نفعا معه بعد شهرين متواصلين، فقام بزيارة أخرى للطبيب الذى كشف النقاب عن إصابته بسرطان الغدد الليمفاوية والتى تحتاج إلى العلاج بجلسات الكيماوى. ازدادت نحافة عبدالحميد لكنه بدأ يشعر بتحسن فى جسده لكن ذلك لم يدم سوى بضعة أشهر حيث عاود السرطان الظهور من خلال ورم فى بطنه لتبدأ رحلة الكيماوى من جديد. عبدالحميد الذى يعد أول حالة أصيبت بالسرطان فى «أبوعزباوى» يعول 5 أطفال، وتكلف علاجه نحو 50 ألف جنيه بحسب قوله، وهو يقول إن السرطان لم يتوقف عند ذلك الحد لكنه امتد ليأكل العصب الخامس حتى مات فأصبح محتاجا إلى زرع قرنية. تكاليف زرع القرنية وحدها ليست كفيلة بإثناء عبدالحميد عن إجراء العملية لكنه متخوف من انتشار المرض بشكل أشرس مما عليه الآن هو ما يمنعه من إجراء عملية الزرع، فبحسب وصفه «خايف أضرب مشرط فى وشى المرض ينتشر». على سطح منزل ابنه يجلس أحمد أبوإسماعيل البالغ من العمر نحو 60 عاما يتداوى بالشمس من برد الشتاء لكن ذلك لم يمنع السرطان من الهجوم. «أبوإسماعيل» الذى اكتشف إصابته بالخبيث فى المثانة، فتم تحويله إلى مستشفى الإسماعيلية لكن عدم وجود سرير له بالمستشفى حال دون خضوعه للعلاج، فعاد مرة أخرى إلى مستشفى الزقازيق الذى طالبه بإجراء عملية جراحية. الرجل حكى عن مرضه قائلاً: «تم استئصال نحو 40 سنتيمتر من الأمعاء لتكوين مثانة صناعية فى أعقاب استئصال المثانة المصابة، إلا أن السرطان «عامل زى عش الدبابير مينفعش تهاجمه ويسيبك فى حالك»، هكذا يصف أبوإسماعيل حالته. وأضاف «بعد إجراء العملية وفترة شفاء استمرت نحو عامين وقبل أسبوعين فقط أصبت بمغص شديد، الأمر الذى احتاج إلى مسكنات لكنها لم تشفع فى إيقاف الألم الذى تزايد بشدة حتى تم تشخيصه سرطانا أدى إلى انسداد فى الأمعاء». عطا عبدالرحمن السيد 35 عاما ذهبت للطبيب لاستئصال كيس دهنى، لكن ذلك لم يوقف الألم فعاودت الذهاب إلى الطبيب الذى شخص حالتها بسرطان ثدى يستلزم استئصال الثدى الأيسر مع الخضوع للعلاج الكيماوى. السيدة الثلاثينية العاملة باليومية فى مجال جمع الخضراوات والفواكه من المزارع قالت «أواجه بمفردى المرض ومتطلبات الحياة بعد أن ترك زوجى المنزل قبل نحو 7 سنوات». «عطا» رفضت التقاط صورة لها بسبب معايرة الأطفال لأطفالها الثلاثة بسبب مرض والدتهم، مما جعلهم يتغيبون عن المدارس ويتخفون من أعين زملائهم. فوزية فوزى، 30 سنة، تحكى عن وفاة زوجها الذى توفى قبل أسابيع بسبب إصابته بسرطان بالغدد الليمفاوية بالرقبة قائلة «لم يطل المرض فبدأ بنقصان ملحوظ فى الوزن مع ألم فى البطن صاحبه تضخم فى الكبد والطحال استمر لمدة ثلاثة أشهر بعدها توفى». بعد حصار المرض للأهالى أوفدت كلية الطب بجامعة الزقازيق قافلة للتحقق من سبب انتشار السرطان بها لعمل استقصاء وبائى بدراسة جغرافية الأماكن التى بها حالات مصابة، وتم أخذ عدد من العينات من الأطعمة والمياه. اللجنة توصلت إلى أن هناك نوع امن الملح «ملح أمينى» يستعمل فى القرية، لكن أحدا لم يقتنع بذلك، ما استدعى قافلة أخرى أكدت استخدام فلاحى القرية مبيدات تصنع محليا، وأنواع أخرى من الهرمونات مجهولة المصدر إسرائيلية المنشأ تسرع انضاج الثمار. اللجنة ذكرت أن المبيدات أحد المسببات القوية للمرض بنسبة تصل إلى %90 لاحتواء الغذاء على جرعات من هرمونات الانضاج أكثر من المعدل الطبيعى للنبات، كما تؤثر على الخصوبة وتزيد من حجم الكبد. وقالت اللجنة إن الأهالى فى مصر يستخدمون المبيدات الزراعية بطريقة عشوائية، وهو ما يوجب تحركا فوريا من الدولة للحد من الآثار السلبية التى تظهر من الإصابة بالسرطان، ثم الفشل الكلوى، ثم فيروس سى.