بعد الحادث الذى استهدف الصحيفة الفرنسية الساخرة "شارلى إيبدو"، والتى قتل على إثره 12 شخصا للثأر مما نشرته من قبل من رسوم كاريكاتيرية تسىء إلى النبى "محمد صلى الله عليه وسلم"- تصارعت الجماعات المسلحة على تبنى الهجمة، حيث استبق تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام "داعش"، فى إعلان مسئوليته عن الحادث، فيما أعقبه تنظيم القاعدة فى اليمن وأعلن مسئوليته عن الهجمات فى محاولة منهما لإظهار الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن من خلال عملية إرهابية، هزت العالم. وتبنى "داعش" الهجوم، حيث أعلن أبو سعد الأنصارى، مسئول أئمة وخطباء تنظيم الدولة الإسلامية خلال خطبة صلاة الجمعة قبل الماضية فى أحد مساجد الموصل أن "عمليات فرنسا هى رسالة لكل دول التحالف الدولى وستكرر فى كل من بريطانياوأمريكا". ومن جانبه أعلن عضو بارز فى تنظيم القاعدة فى اليمن أن مجموعة تابعة له نفذت هجوما ضد المجلة الساخرة "شارلى إيبدو" الفرنسية فى باريس "انتقاما لشرف" النبى محمد "ص" . فالإرهاب بات ظاهرة عالمية ذات جذور تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ومعالجة ظاهرة الإرهاب فى العالم واجتثاثها من جذورها يفرض ألا يتم التعامل مع هذه الآفة من الناحية الأمنية فقط، فلقد ثبت أن استخدام القوة وحدها لا يكفى وذلك لأن العنف لا يولد إلا العنف، ولذا إذا ما أرادت دول العالم وخاصة الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدةوبريطانيا ومنظمة الأممالمتحدة القضاء على هذه الظاهرة عليها معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة فى دول العالم وخاصة فى إفريقيا وآسيا، حيث الدول الفقيرة التى تعانى من الفقر والبطالة والأمراض. لا تعتقد الدول الكبرى أنها بمنأى عن الإرهاب وذلك لأن الإرهاب ظاهرة عالمية وأن معالجة ظاهرة الإرهاب والتعامل معه لا بد أن يخضع لقوانين السلم والأمن العالميين والتى قام عليها المجتمع الدولى الحديث. ومن الناحية التاريخية فإن من أوجد ظاهرة الإرهاب هى أمريكا والغرب الذين شجعوا على الإرهاب منذ الحرب الباردة بين الدولتين العظميين أمريكا وروسيا، وخاصة ما حدث بينهما من صراع على أفغانستان أثناء الحكم الشيوعى لها، فكان الاتحاد السوفيتى حريصا على التمسك بأفغانستان وذلك حتى يجد له نفوذا يطل به على مناطق المياه الدافئة فى منطقة الخليج وكذلك إيران وتركيا وجزء من المنطقة العربية مما جعل من أفغانستان منطقة صراع إقليمى وأخذت أمريكا تدعم "المنظمات الجهادية" التى كانت فى حرب أهلية مع النظام الشيوعى، وجاء من يسمون أنفسهم (بالمجاهدين) من كل أنحاء العالم تقودهم حركة طالبان و"القاعدة" وغيرهما. فالاعتقاد بأنه يمكن حسم المعركة من الجو، أو عبر حملة عسكرية فى العراق فقط، هو وهم، أو تبسيط للحالة الصعبة التى كبرت مع الوقت، ومع الإهمال. نحن أمام حرب ضروس فى سوريا وجوارها، ستستهلك على الأقل عامين، والأرجح ضعف ذلك. وكل مؤشرات الاستعداد الحالية تعطى الانطباع بأن الزمن سيكون أطول من ذلك خاصة فى سوريا، على اعتبار أن فى العراق دولة، وجيشا، وإمكانيات، وتحالفات محلية، قادرة على طرد وهزيمة «داعش»، طالما أن الحكومة المركزية فى بغداد تتعامل بجدية مع الخطر. أما الحرب على «داعش» فى سوريا، فإنها القصة الأصعب سياسيا واجتماعيا وعسكريا. لا شك أن الإرهاب الذى تمارسه داعش أدخل العالم مرحلة شديدة الخطورة فى تأثيره على الأمن والسلم العالميين وذلك لأنه إرهاب متعدد الجنسيات، وسبق أن حذر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ال سعود فى كلمة له منذ فترة من خطورة الإرهاب على المنطقة والعالم، وأن الإرهاب سوف يتمدد إلى أوروبا وأمريكا وهى الكلمة التى وجهها فى اجتماعه بسفراء الدول الأجنبية وطلب منهم إبلاغ زعماء بلدانهم بأنه لا بد من محاربة الإرهاب. داعش لم تعد شأنا إقليميا خاصا، لا يجدى الآن التنصل من المسئولية عن داعش من قبل طريقة الولاياتالمتحدة فى الحملة على الإرهاب، التى لم تجد صدى نقديا يليق بتبعاتها الكارثية، كما أن إدانة داعش على المستوى الأمنى والسياسى لا يحل المعضلة إذا لم يترافق مع تتبع للجذور الفكرية والاجتماعية وبيئة الاستقطاب والخطاب السائد وتفكيك المفاهيم الأساسية ورصد نماذج التجنيد والتسويق والدعاية على الإنترنت. هذا على مستوى التنظيم بما يعنى القيادات، الكوادر، التمويل، التحالفات مع تيارات ورموز أخرى يبدو أن «داعش» أملها الوحيد بعد سقوط تجربة «الإسلام السياسى»، لكن السؤال الذى يولد الآن: هل تكفى محاصرة داعش للخروج من حالة داعش؟! هل محاولة استدعاء التدخل الغربى تحت أى مظلة لسحق التنظيم ستكون كافية للقضاء عليه، أم سيدخل فى حالة بيات ليعود بشكل أقوى كما أخبرتنا تجارب طالبان والقاعدة والقاعدة فى جزيرة العرب؟.