مازال معرض القاهرة الدولى للكتاب يعيش طور المراهقة، كأنه لم يشرخ مِن الزمان اثنى وأربعين شتاءً، ومثله مثل المراهقين استمرأ اقتراف ببراءة ربما أخطاء ما قبل النضوج؛ فالتنظيم غير منضبط، والنظافة ليست كما ينبغى، ومشكلات الشحن لا تنتهى، وإيجار المساحات باهظ. حدث كل هذا رغم أنف المسئولين الجدد الذين حرصوا على إحكام كل شىء، وصرحوا غير مرة بأنهم هيأوا كل الظروف التى تتيح إظهار مدى النضج الذى أصبح عليه المؤتمر، وتبرهن على أنه قد امتلك بالفعل حكمة ورشادة الأربعينيين. لكن ثمة شكاكين لا يثقون فى مثل هذه التصريحات ويصرون على أنه مازال ذلك المراهق الذى لا تؤمن عواقب تصرفاته، ومِن ثم أخضعوا نشاطه لرقابة دائمة متعددة الاتجاهات، فهناك رقابة الأزهر (الرقابة الدينية)، ورقابة وزارة الإعلام (الرقابة على المطبوعات)، ورقابة المصنفات الفنية (الرقابة بزعم حماية الآداب العامة وحقوق الملكية الفكرية)؛ وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فهناك رقابات أخرى يحرص القائمون بها على عدم الظهور فى الصورة، ومع ذلك يبين بعضهم فيها بوضوح لا تخطئه عين، ورقابة مباحث أمن الدولة المثل الحى على هذا الظهور. وثمة خطرغير كل ما سبق يهز الأرض تحت أقدام شاغلى المعرض ورواده هزاً. خطرٌ مُرجأ التعامل معه منذ عام ونيف أو العامين، إنْ وقع فسيكون كالطامة، بل هو الطامة الكبرى. وهو قادم هذه المرة مِن ناحية هيئة المعارض، مالكة الأرض والمنشآت التى عليها، فهذه المنشآت تحتاج ليس فقط إلى صيانة، وإنما إلى هدم وإعادة بناء. معنى هذا أن مستقبل المعرض، الذى تباهى مسئولوه بأن دورته الأخيرة استوعبت 800 ناشر من 31 دولة منها 15 دولة أجنبية و 16 دولة عربية ليس من بينها الجزائر، مهدد بالزوال. ونتيجة لهذا الخطر الذى خرج من دائرة الاحتمال المشكوك فيه إلى دائرة اليقين الذى لا مراء فيه، ظهرت حالات من الجذب والشد بين الناشرين والهيئة المصرية العامة للكتاب من جهة وهيئة المعارض من جهة أخرى، ولم يعد أمام المنظمين إذا ما حيل بينهم وبين الإرجاء إلا أحد أمرين: إما إيقاف تنظيم المعرض بكل ما يحتويه من فعاليات لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ويالها من كارثة؛ وإما الانتقال إلى ساحة عرض أخرى، ومصر كلها ليس فيها ساحة عرض توازى فى المساحة أرض المعارض، فأكبر ساحة بعدها هى قاعة المؤتمرات الدولية بمدينة نصر، وهذه القاعة لا يمكنها استقبال أكثر من ربع الناشرين الحاليين أى 200 ناشر، ويالها من فجيعة. وإذا افترضنا، من باب الجدل لا أكثر، أنه بالإمكان إرجاء وقوع الكارثة وظل حال المعرض على ما هو عليه الآن، فإنه سوف يواجه منافسات حادة تؤثر على مكانته وترتيبه بين معارض الكتب العالمية، ومصدر هذه المنافسات هو معارض الكتب العربية، ولعل أهمها الآن معارض دمشق وأبو ظبى وجدة. نعم يسرنا كعرب أن يكون فى كل بلد عربى معرض للكتاب، لكن الإمكانات الحديثة التى بدأت تمتلكها المعارض العربية باتت تمثل تهديداً للمعرض المصرى الذى لم يشهد تطوراً تقنياً يعتد به منذ نشأ للآن. إن الهدف الرئيسى لمعرض القاهرة هو بيع الكتب، أما التقاء الناشرين ببعضهم البعض وبالمؤلفين، وبيع حقوق الكتب، وتبادل العقود، فأنشطة مازالت ترنوا إليها العيون، ولعل فيما فعله ناصر الأنصارى بإرسائه قبل وفاته برنامجاً للنشر الدولى أتاح لناشرين دوليين تبادل حقوق النشر، واستمرار هذا البرنامج فى عهد كل من محمد صابر عرب وحلمى النمنم، ما يؤدى فى المستقبل إن استمر المعرض إلى المزج بين بيع الكتب وحقوقها. وعلى الرغم من أن البرامج الثقافية هى أهم ما يميز المعرض من إيجابيات، ومع أن برامج الدورة الأخيرة مازت باحتفالها بمرور 150 عاماً على بدء عمليات حفر قناة السويس، وستين عاماً على بناء السد العالى، وبدعوتها روسيا كضيف شرف المهرجان، مثلما مازت بإعادة المقهى الثقافى، فإن واضعى هذه البرامج وقعوا فى بعض أخطاء منها أنهم مازالوا يتبنون مصطلح الإقليمية لإسباغ صفة الدونية على كل ما هو غير مركزى، إغلاق الأمسيات على أسماء بعينها، عدم الالتفات إلى أهمية المناظرات الثقافية، وعدم بذل الجهد باتجاه جذب الجمهور للندوات. وهم مسئولون أيضاً عن غياب النجوم التى اعتاد الزوار التطلع إليها فى سماء المعرض. ربما كان صحيحاً أنه لم تتم مصادرة أية كتب من داخل المعرض، كما صرح مسئولو المعرض غير مرة، لكن مصادرة رواية إدريس على ( الزعيم يحلق شعره) من خارج المعرض، واعتقال ناشرها الشاعر الجميلى شحاتة وعدم الإفراج عنه إلا بعد خمسة أيام بتدخل من محمد سلماوى رئيس مجلس إدارة اتحاد الكتاب، أمران لم يتزامنا فقط مع موعد انعقاد المعرض وإنما تركا ظلالهما عليه لدرجة أنه تم سحب المعروض من هذه الرواية فى جناح البشاير وإبلاغ إدارة المعرض بذلك. وما زال الأمل قائماً فى تبديد المخاطر التى تهدد مستقبل أكبر معارض الكتب العربية؛ فهل هذا ممكن؟.. نتمنى.