بيانات التضخم الأمريكية تهبط بمؤشرات البورصات الأوروبية    حزب العدل: مصر أكدت في القمة العربية رفض تهجير الفلسطينيين قسريا    تفاصيل عقد فيرناندو مونزو الجديد مع الأهلي    جدول مواعيد القطارات المخصصة لأهالي النوبة خلال عيد الأضحى المبارك    وصول جثمان زوجة أحمد عدوية لمسجد السيدة نفسية    قرار حكومى باعتبار مشروع نزع ملكية عقارين بشارع السبتية من أعمال المنفعة العامة    الفئة من 401 إلى 500.. تصنيف تايمز العالمي يضم «جنوب الوادي» لقائمة الجامعات الشابة    حريق في طائرة أمريكية يجبر المسافرين على الإخلاء (فيديو)    فيديو| وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يعزف الجيتار في ملهى ليلي ب أوكرانيا    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    تقارير: تياجو موتا يقترب من خلافة أليجري في يوفنتوس    فانتازي يلا كورة.. الثلاثي الذهبي قبل الجولة الأخيرة في بريميرليج    سكاي: فونيسكا الخيار الأول لخلافة بيولي في ميلان    رئيس جامعة الأقصر: منشآت جميع الكليات جاهزة لاستقبال امتحانات نهاية العام    مد فترة استلام الطلبات لوظائف القطار الكهربائي الخفيف حتى 23- 5- 2024    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    «الصحة» توجه إرشادات لتجنب الإصابة بالعدوى خلال فترة الحج.. تعرف عليها    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    «كارثة متوقعة خلال أيام».. العالم الهولندي يحذر من زلازل بقوة 8 درجات قبل نهاية مايو    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    إسباني محب للإنذارات.. من هو حكم مباراة النصر والهلال في الدوري السعودي؟    "الصحة" تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد .. صور    كيف تؤثر موجات الطقس الحارة على الصحة النفسية والبدنية للفرد؟    "هُتك عرضه".. آخر تطورات واقعة تهديد طفل بمقطع فيديو في الشرقية    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    تفاصيل اجتماع وزيرا الرياضة و التخطيط لتقييم العروض المتُقدمة لإدارة مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية    التموين: وصول 4 طائرات تحمل خمسة آلاف خيمة إلى أهالي قطاع غزة    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    نجم الأهلي مهدد بالاستبعاد من منتخب مصر (تعرف على السبب)    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    طريقة عمل طاجن العكاوي بالبطاطس    فنانات إسبانيات يشاركن في الدورة الثانية من ملتقى «تمكين المرأة بالفن» في القاهرة    محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا.. ماذا قال الجاني عن دوافعه؟ (فيديو)    الجمعة .. انطلاق نصف نهائي بطولة العالم للإسكواش بمصر    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    تعرف على مواعيد عرض فيلم "شرق 12" في مهرجان كان السينمائي    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    نقابة العاملين الأكاديميين بجامعة كاليفورنيا تجيز إضرابا ردا على قمع احتجاجات غزة    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    توقيع بروتوكول تجديد التعاون بين جامعة بنها وجامعة ووهان الصينية    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    يسرا رفيقة عادل إمام في مشوار الإبداع: بتباهى بالزعيم وسعيدة إني جزء من مسيرته    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جريمة ضم الحرم الإبراهيمى
نشر في اليوم السابع يوم 03 - 03 - 2010

ما تقوم به إسرائيل الآن يعتبر خرقا للقواعد والقيم الدولية، إن الحرم الإبراهيمى ومسجد بلال بن رباح ليس له أية صلة قريبة أو بعيدة بالتاريخ الإسرائيلى بل تخص تراث وحضارة فلسطين، وأعتقد أننا يجب أن نقف وقفة جادة ضد الاحتلال الإسرائيلى، ويجب على الجامعة العربية أن توحد الجهود وتدعو الأثريين من الدول العربية فى سبيل وضع استراتيجية موحدة تجاه العدو الإسرائيلى؛ ولذلك فإن لجنة التراث العالمى يجب أن تعرف أن هذا التراث ليس يهودياً، بل فلسطينى ويجب على المجتمع الدولى عدم تجاهل هذه الجريمة النكراء.
إن الحرم الإبراهيمى هو عبارة عن بناء محاط بسور يقع فى وسط مدينة الخليل، حيث تشير الدراسات التاريخية إلى أن الحرم بُنى على يد سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، ثم مر البناء بمراحل كثيرة من الهدم والبناء إلى أن جاء الفتح الإسلامى وحوله إلى مسجد بالشكل الحالى المعروف، وبعد سقوط مدينة القدس فى يد الصليبيين تحول المسجد إلى كنيسة، ثم حرره صلاح الدين الأيوبى سنة 587 ه إلى مسجد بعد معركة حطين.. وظل المسجد تقام فيه الشعائر الدينية الإسلامية إلى أن وضع الاحتلال عليه العلم الصهيونى فى الثامن من يونيو 1967، ولكن منذ وقوع مجزرة الحرم الإبراهيمى توالت الاعتداءات على المسجد، وكان آخرها قرار حكومة الاحتلال الصهيونى بضمه إلى قائمة ما يسمى «الآثار التاريخية التراثية» المنوى ترميمها كخطوة جديدة فى طريق استيلاء المغتصبين الصهاينة على كامل أروقة الحرم وتحويله إلى معبد يهودى من خلال طمس معالمه الإسلامية.
والحقيقة هنا أن اليهود لا يقرأون التاريخ وإن كانوا يفعلون فالمؤكد أنهم لم يستفيدوا بقراءته شيئاً ولم يعوا دروسه، وما أكثر دروس التاريخ والماضى.. فمن خلال قراءتنا للتاريخ فإنها ليست المرة الأولى التى تقوم بها إسرائيل بمثل هذا العمل الإجرامى، بل إن هناك محاولات كثيرة قام بها الاحتلال الإسرائيلى.
لكن التاريخ البشرى يؤكد لنا أنه ما من أمة على وجه الأرض استطاعت أن تمحو أمة أخرى وتحل محلها سواء كان هذا الصراع قد تأسس على أسس دينية أو عرقية أو ديموجرافية كالصراع على الأرض مثلاً. ظلت أرض فلسطين ساحة لسلسلة متواصلة من الصراع.. فالصراع العربى الإسرائيلى ما هو إلا حقبة متكررة من صراع محموم على أرض لا ترتوى إلا بالدماء. وإذا عدنا بذاكرة التاريخ إلى جذور هذا الصراع نجد اختلافاً بين الأسماء والمسميات، ولكن يبقى الصراع هو الصراع بأيديولوجيته المقيتة.
وفلسطين الحالية هى جزء من فلسطين التاريخية قبل التقسيم الاستعمارى اللاحق للحرب العالمية الأولى. ففلسطين التاريخية هى كل المنطقة المسماة الآن بفلسطين والأردن. وقد ظلت هذه الأرض تمثل نزاعاً بين قومين متباينين هما الكنعانيون (أصل الفلسطينيين) والعبرانيون الذى انحدر منهم ما يعرف فى يومنا هذا باليهود، ومن الثابت تاريخياً وأثرياً أن تاريخ استيطان الكنعانيين بأرض فلسطين يسبق بكثير وجود العبرانيين على هذه الأرض.
وعن الكنعانيين عرف العبرانيون الزراعة وإن ظلت معظم عشائرهم وقبائلهم تنتمى إلى طائفة القبائل الرعوية، وعن الكنعانيين أيضاً عرف العبرانيون كيفية استخلاص المعادن من باطن الأرض. ويذكر المؤرخون عن تاريخ وجود العبرانيين بفلسطين أنه جاء نتيجة ما يعرف ب »الهجرات الثلاث« حيث إن الهجرة الأولى هى هجرة نبى الله إبراهيم عليه السلام من أرض العراق القديم وهى هجرة محدودة الأثر قليلة المصادر. أما الهجرة الثانية فهى مرتبطة بما يعرف فى التاريخ بدولة الآراميين. والثالثة وهى أهمهم جميعا فهى المعروفة بقصة خروج نبى الله موسى عليه السلام وقومه من مصر.
ويعتبر نبى الله داود هو المؤسس الحقيقى لدولة العبرانيين، وهو الذى تمكن من إدارة الدفة لصالحهم بعد أن كانت دوماً فى صالح الكنعانيين (الفلسطينيين) المتفوقين فى صناعة الأسلحة، إضافة إلى قوتهم الحضارية وتاريخهم الضارب بجذوره فى أعماق الأرض. وقد غير داود كل هذا لصالح العبرانيين واتخذ أورشليم عاصمة لدولته. وخلفه ابنه سليمان على العرش. ويحدثنا القرآن الكريم عن ملك سليمان وما وصل إليه من سلطان وقوة.
وتحدثت التوراة عن قصر سليمان الذى جاء بناؤه فى ثلاثة عشر عاما وجلب أخشابه من ببلوس (لبنان) وأقام الهيكل الذى قيل فى وصفه أنه صورة من دور العبادة الكنعانية. وبموت سليمان تنقسم العشائر الاثنتا عشرة العبرانية - نسبة إلى أبناء يعقوب الاثنا عشر - إلى مملكتين: الأولى هى مملكة إسرائيل وتضم عشرة عشائر متحدة يتولى حكمها الملك «يربعان» واتخذت من «شخم» ثم سامرية وهى السامرة حالياً عاصمة لها. أما المملكة الثانية فهى مملكة يهوداً وتتكون من العشيرتين الأخيرتين واتخذت من أورشليم (القدس الحالية) عاصمة لها ونشأ صراع حاد بين المملكتين فكانت كل واحدة منها تعلو على الأخرى لفترة من الزمن، كل هذا، والفلسطينيون على هيئة قبائل متفرقة فى أنحاء فلسطين مارست الزراعة والتجارة وأفادت بميزة الموقع الجغرافى الممتاز فى قلب حضارات العالم القديم.
وبعلو دولة آشور على يد ملوكها العظام بدأت صفحة جديدة فى تاريخ فلسطين، فبعد سلسلة من الصراعات انهارت مملكة إسرائيل على يد الملك »سرجون الثانى« عام 721ق.م ولحقت بها مملكة يهودا خط الدفاع الأخير الذى حال بين دولة آشور ومصر، واتبع ملوك آشور سياسة ما عرف بالتهجير التى أطلقت عليها المصادر العبرانية ما يعرف ب«السبى» حيث سبى ملوك آشور سكان المملكتين وقاموا بتهجيرهم إلى بقاع شتى من العالم القديم. ولم تستمر دولة آشور كثيراً حتى انتهت على يد الفرس بانتصار الملك «قورش» فى عام 539 ق.م على دولة آشور، وبعد ذلك اتبع الفرس سياسة جديدة وهى حق عودة المسبيين إلى وطنهم الأول بل أصدر »قورش« مرسوما أعلن فيه أنه هو نفسه مسئول عن إصلاح كل من الحصون والمعابد التى دمرت على يد الآشوريين. ومع انتهاء دولة الفرس على يد الإسكندر الأكبر أصبحت فلسطين خاضعة لحكم قواده بعد مماته. وكانت فلسطين من نصيب قائده بطليموس الذى حكم مصر وهكذا ارتبطت فلسطين ومصر بحكم أسرة حاكمة واحدة.
وقد أخذ بطليموس معه إلى مصر عدداً كبيراً من الأسرى اليهود خاصة إلى الإسكندرية وأطلق عليهم «يهود الشتات» واستمرت فلسطين تحت حكم البطالمة حتى جاء السلوقيون عام 198ق.م وقاموا بالاستيلاء على المنطقة وخضعت فلسطين منذ ذلك العهد لحكم السلوقيين رغم قيام العديد من الثورات إلى أن جاء الفتح الرومانى فى عام 63 ق.م.
وظلت الأوضاع مضطربة بفلسطين نتيجة النزاعات الداخلية بين طوائف اليهود وبعضهم البعض وبين الرومان ولم تهدأ الأوضاع إلا بتولى «هيرود» ملكاً على اليهود بمساعدة الرومان وقد عمل هيرود (37-4 ق.م) على كسب الطوائف اليهودية المتنازعة خاصة اليهود المتعصبين وذلك بالعمل على إقامة المعبد اليهودى، وبإقامته محيت آثار المعبد القديم الذى أقامه سليمان عليه السلام، فمن المؤكد أن عمارة هيرود قد أخفت وإلى الأبد آثار المعبد القديم. وقد كشفت الحفائر التى أجريت بالقرب من موقع القبة الشريفة عن جانب من الدكة (رصيف) الذى أقامه هيرود ليقيم عليها أثاث معبده هذا إلى جانب بقاء جزء من أحد الأبراج التى أقامها هيرود بالمدينة المقدسة. وبموت هيرود انقسمت مملكته بين ورثته الذين ظلوا فى سدة الحكم حتى قامت الثورة بين اليهود والرومان عام 66م واستمرت قرابة السنوات الخمس وفيها دمر المعبد وأورشليم، ولكنها انتهت بانتصار مؤقت لليهود على الحاكم الرومانى. وكان لهذا الانتصار دافع قوى لليهود للثورة على الرومان حتى قام الإمبراطور فسبسيان بحملته الشهيرة إلى فلسطين عام 68م. وقال مقولته الشهيرة لليهود: «رجالكم يقاتلون كالأفاعى فى جحورها فعلينا أن نستخرجهم من كل جحر لدق أعناقهم».
وقد نجح فسبسيان فى إخماد ثورة اليهود التى تجددت فى عام 70م وأخمدها تيتوس قائد جيوش الرومان وابن الإمبراطور فسبسيان الذى قضى على شوكة اليهود وثورتهم وقام بتخريب المعبد وحرق أورشليم، وعاد إلى روما محملاً بكنوز المعبد اليهودى وأهمها الشمعدان المقدس المصنوع من الذهب الخالص، وفى عام 135م قام هادريان الإمبراطور الرومانى بتدمير مملكة يهودا فى أورشليم ومعبدها وأقام مكانه مدينة «إيليا كابيتولينا» ولم يسمح لأى يهودى بدخولها أو الاقتراب منها حتى لو أعلن دخوله المسيحية.
وبمجىء الإمبراطور قسطنطين واعتناقه المسيحية فى القرن الرابع الميلادى، تحولت أورشليم إلى مدينة مقدسة عند المسيحيين الذين حجوا إليها كما حج إليها السيد المسيح فى صباه وأقيمت كنيسة القيامة ذات التاريخ العريق. وجاء الفتح الإسلامى لفلسطين ليفتح صفحة جديدة فى هذه الأرض المقدسة فى عام 638م بدخول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس ووضع بنفسه التشريعات الخاصة بمعاملة أهلها وولى أمرها اثنين من جنوده وترك بها حامية كبيرة، ولم يتوقف اليهود يوماً عن التحايل لدخول بيت المقدس ويذكر لنا التاريخ أن جماعات من اليهود كانوا يعملون كخدم فى المسجد الأقصى الذى أقامه خليفة المسلمين عبد الملك بن مروان عام 690م وسمح لهم بممارسة طقوسهم وعقيدتهم فى إطار سماحة الدين الإسلامى المعهودة.
ومنذ الفتح الإسلامى لبيت المقدس، وفلسطين موطن آمن للمسيحيين والمسلمين واليهود كل يمارس عقيدته بحرية تامة مع تبعية بيت المقدس للخلافة الإسلامية التى تعاقبت عليها الدول من دولة بنى أمية ثم بنى العباس وصولاً إلى دولة العثمانيين والسلاجقة الذين أنزلوا الهزيمة بالروم فى موقعة «ملاذكرت» عام 1071م ويمثل هذا التاريخ أهمية خاصة فى العالم الإسلامى، حيث إنه كان بداية ابتلاء الأمة الإسلامية بما عرف بالحملات الصليبية.
وجاء الخلاص على يد القائد الشهير صلاح الدين الأيوبى فى معركة حطين الشهيرة عام 1187م التى كانت بداية النهاية.. نهاية أكذوبة الحرب من أجل الصليب وعادت بيت المقدس فى عام1161م إلى حظيرة الإسلام. واستقبل أهل المدينة من مسلمين ومسيحيين الناصر صلاح الدين بالفرح والتهليل.
كل هذا ولا يسجل لنا التاريخ عن أخبار اليهود إلا القليل النادر فهذا خبر عن شرذمة يهودية تحج إلى بيت المقدس، وآخر عن وصول معلم يهودى إسبانى إلى بيت المقدس، وليس هناك ذكر إطلاقاً عن أقوام يهودية مستقرة ببيت المقدس ويستمر تاريخ فلسطين مصطبغاً بالصبغة العربية الخالصة دون أى ذكر لدولة يهودية، فاليهود فى وقت الحملة الفرنسية لمصر عام (1798-1801م) لم يكن عددهم فى فلسطين يزيد على خمسة آلاف يهودى وقد قادت فرنسا ما يمكن أن نسميه نصرة العنصرية الرجعية متمثلة فى محاولة زرع اليهود فى بيت المقدس وكسب ولائهم وخلفتها إنجلترا التى أخذت على عاتقها إقامة وطن لليهود فى فلسطين، ونهاية المسلسل معروفة لنا جميعاً بمحاولة اليهود إقامة دولة لهم والقضاء على الشعب الفلسطينى..
وكما قلنا من قبل إنها ليست المرة الأولى التى تقوم فيها الحكومة الإسرائيلية بطمس وتهويد تاريخ وآثار فلسطين، أملاً منها فى البحث عن تاريخ لهم، فكانت بداية تلك المحاولات فى عام 1996، عندما قامت الحكومة الإسرائيلية بإجراء حفائر أسفل المسجد الأقصى حيث تم عمل نفق، وتم إنشاء باب له من جهة مدرسة الروضة التى تقع على طريق المجاهدين وتمت إضاءة النفق لتسهيل الصلاة داخله وقامت بدعوة يهود العالم للقدوم إلى القدس للصلاة بداخله وذلك حتى يصبح النفق معبداً يهودياً لمحو الهوية الفلسطينية. وقامت إسرائيل بمحاولات لطمس الهوية الفلسطينية العربية من خلال تغيير واستبدال أسماء المواقع والمناطق الأثرية الفلسطينية القديمة بأسماء أخرى إسرائيلية يهودية.
وفى عام 1997 بدأت إسرائيل فى استكمال مخططها فى القضاء على آثار فلسطين ومحو الهوية الفلسطينية حيث سارعت فى هدم حى المغاربة الملاصق لحائط البراق. بل وتحويل المتحف الفلسطينى إلى مقر لدائرة الآثار الإسرائيلية ونهب ما به من آثار. وأيضاً وضعت إسرائيل مخططاً إجرامياً للقضاء على أى أثر كنعانى فلسطينى. بل وجرت محاولات كثيرة لحرق أجزاء من المسجد الأقصى وتحطيم قناديل الزيت والشموع، كذلك إحراق الكتاب المقدس على جبل الزيتون وإحراق أربعة مراكز مسيحية أثرية بالقدس. كما تمت سرقة تاج السيدة العذراء من كنيسة القيامة. وحفر الأنفاق أسفل الجدار الجنوبى للمسجد الأقصى وتعريض جزء كبير منه لخطر التصدع والانهيار، وكذلك أسفل الأبواب الخمسة من أبواب الحرم القدسى الشريف.
وتم تدمير العديد من المبانى التاريخية فى مدينة السيد المسيح التى تعد واحدة من أهم المواقع المسيحية فى العالم. وقامت الدبابات بتدمير شوارعها والعديد من مبانيها التاريخية.
وما حدث فى نابلس وبيت لحم امتد إلى الخليل والمدن الثلاث (وهو ما يعرف بالمراكز التاريخية) والشوارع المبنية فوق طبقات تعود إلى العصر الرومانى. وتم نسف باب جانبى لكنيسة المهد ببيت لحم وتفتيت الموزاييك الخاص بكنيسة المهد. وتم تدمير مبان تاريخية عديدة منها جامع الخضرة والجامع الكبير والكنيسة الأرثوذكسية فى حى الياسمين إضافة إلى ستين بيتاً.. بالإضافة إلى ذلك قامت إسرائيل بتشويه التاريخ الفلسطينى عن طريق إجراء حفائر خاطئة كان الغرض منها هو طمس الهوية الفلسطينية وتدعيم الوجود الصهيونى عن طريق إجراء حفائر مشبوهة داخل الأراضى الفلسطينية.
بدأت تلك الحفائر فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى جميع أنحاء المدن الفلسطينية وفقاً لفرضيات مسبقة يتم السعى لإثباتها؛ لذلك تم إهمال جميع الآثار الإسلامية والمسيحية المكتشفة إهمالاً شديداً وتدميرها تدميراً متعمداً حيث قامت بإجراء حفائر فى القدس حيث اكتشفت خارج البلدة القديمة مقابر الملوك التى ادعت أنها مقابر ترجع إلى عهد نبى الله داوود وأخذت الادعاءات تتتابع، رغم أن الحفائر ثبت زيفها وكذبها فى محاولة لاكتشاف تاريخ مزعوم.
وبذلك قد خالفت السلطات الإسرائيلية كل المواثيق العالمية والاتفاقيات الدولية لحماية التراث العالمى الثقافى والطبيعى بتجنبها ذكر الأسماء التاريخية التى كانت معروفة ومستعملة فى سجل المواقع والمبانى التاريخية قبل عام 1948.
ولم تكتف بذلك بل اعتبرت طريق الحج من مكة إلى القدس إضافة لوادى الأردن وخليج العقبة ومواقع أخرى عديدة تقع خارج نطاق حدود ما يسمى باسم إسرائيل - مواقع أثرية إسرائيلية.. وكذلك وضع بعض آثار مصر ولبنان فى الكتيبات السياحية الإسرائيلية بصفتها آثاراً إسرائيلية يمكن للسائحين الأجانب زيارتها.. ورغم أن الولايات المتحدة اعترضت على ذلك فإنهم طلبوا ضبط النفس والتعاون الحكيم من أجل حماية التراث الثقافى فى المنطقة.
وهنا أود أن أقول إن إسرائيل لا تستطيع ولن تستطيع تنفيذ هذا المخطط الإجرامى لأن عوامل فناء أى أمة أو جنس بشرى تنبع من داخلها وليس تحت وطأة أى ضغط خارجى الذى قد يؤثر ويسارع فى القضاء على أمة أو جنس بعينه ولا يمكن أن يكون سببا رئيسيا، مثله مثل عوامل خارجية أخرى كالتغيرات البيئية والمناخية. ويجب على اليهود أن يعودوا إلى تاريخهم ويتذكروا ما فعله فرعون بهم وكان هو الأقوى والأكثر تحضراً، بل يجب عليهم ألا ينسوا ما حل بهم أثناء السبى البابلى الأول وما فعله «نبوخذ نصر» وكانوا هم المستضعفون والأقل قوة وعلى الرغم من ذلك لم تستطع أى قوة خارجية القضاء نهائياً عليهم.
فإذا كان مفهوم الحرب عند إسرائيل هو إبادة الشعب الفلسطينى ومفهوم النصر عندهم هو فناء ما يعرف ب«الفلسطينيين» فأؤكد لهم أنهم مخطئون وواهمون. والتاريخ يؤيد ذلك حيث تندثر الأمم حينما تنشأ بذور الفناء من داخلها وهذا إنذار هام للفلسطينيين أنفسهم والذين يجب عليهم الوقوف أولاً ضد كل أسباب الفرقة بينهم لكى لا يزرعوا بينهم بذور الفناء بعدها يجب عليهم التوحد لمحاربة عدوهم الذى لا تردعه قوانين إنسانية أو إلهية فلقد اعتادوا العصيان أبد التاريخ وسيظلون على عصيانهم وغطرستهم إلى أن ينزل بهم درس آخر.
إن مصر تحت قيادة السيد الرئيس حسنى مبارك تدعو إلى إحلال السلام وعودة الحق لأصحابه، كما أن وجدان الشعب المصرى وجوهر الثقافة المصرية لا يقبلان أى مساس بالتراث الإنسانى الفلسطينى الذى هو ملك للشعب الفلسطينى بحكم كل الوثائق والقوانين الدولية.. ولذلك فإن الأحداث الحالية تدعونا جميعاً إلى اتخاذ موقف عربى موحد فى مواجهة إسرائيل والعمل على إفشال مخططها الصهيونى فى تهويد الأراضى الفلسطينية وسلب التراث الفلسطينى وانتزاع هويته العربية الأصيلة.
وأخيراً يجب علينا أن نتذكر أن الكفاح وتحرير الأرض لا يتحقق من خلف أبواق الإعلام ونهيق الحمير، وهذا موجه إلى أقزام هذا العصر الذين يتطاولون على من يحاول بالفعل تقديم يد المساعدة.. هذه شعوب لا تتعلم من التاريخ الذى سيذكرهم بعد مئات السنين بكل ما ارتكبوه من أخطاء غبية فى حق الإنسانية.. إن من يزرع الزيتون فى أرض فلسطين سيبقى.. ليتهم يقرأون التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.