أفلام كثيرة تناولت القضية الفلسطينية بكل أبعادها ومآسيها بشكل جاف، إلا أن المخرج «رشيد مشهراوى» فى فيلمه «Palestine Stereo» أو «فلسطين ستريو» استطاع بروح كوميدية أن ينقل لنا واقعا يعيشه المواطن الفلسطينى الفاقد لمقومات الحياة فى ظل الاحتلال الإسرائيلى، من خلال مواطنين عاطلين عن الحياة فقد أحدهما «سامى» الذى يجسده «صلاح حنون» حاستى السمع والنطق بسبب القصف العبثى، والتدمير المستمر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى، ولكن المفارقة تجعله يعمل «فنى صوت» مع أخيه «ميلاد» فكيف يستطيع فاقد السمع أن يضبط الصوت فى الأجهزة الصوتية بالحفلات والمؤتمرات فهل فاقد الشىء سيعطيه أم لا؟ وهذا ما يفجر الكوميديا من خلال المواقف التى يتعرض لها «سامى» أثناء عمله «فنى صوت» مع أخيه من أجل «تحويش» مبلغ مالى يستطيعان من خلاله الهجرة لكندا وترك فلسطين التى أصبح العيش فيها من وجهة نظريهما صعبا جدا ف«قصف إسرائيل لمخيم جنين» الذى تسبب فى إصابة الشاب سامى بفقدان حاستى السمع والنطق جعله يلغى مشروع زواجه من «ليلى» بينما يتوقف شقيقه ميلاد، وشهرته «ستريو» عن الغناء فى الأفراح بسبب موت زوجته حين قصفت إسرائيل بيت العائلة. وتصبح الهجرة إلى كندا حلماً يحتاج إلى 10 آلاف دولار رصيدا فى البنك، فيقرّر الشقيقان تأجير معدّات الصوت فى مناسبات مختلفة ومنها تظاهرات ووقفات احتجاجية، وذلك بهدف جمع المال إلا أن موقف مظاهرة «الأسرى فى السجون الإسرائيلية» الذى يتعرض له «سامى وميلاد» يغير من مسار تفكيرهما ويجعلهما يتخليان عن حلم الهجرة لكندا والتمسك بالوطن خاصة «سامى» الذى قرر التراجع عن الهجرة، والمكوث بالوطن من أجل حبه ل«ليلى» حبيبته التى تمثل جزءا من وطنه بعدما كتبت له على جدار منزله من الداخل أن الهروب من الوطن يمثل جريمة وليس هو الحل لمشاكله بل المواجهة هى الأفضل. الفيلم يضع أيضا جانبا من المسؤولية على السياسات الفلسطينية فيما يتعرّض له الفلسطينيون، ويتجنّب «التعاطف المجّانى مع الضحايا» دون أن يصارحهم بأنّهم مسؤولون بشكل أو بآخر عن «المأساة الإنسانية» التى يتعرّضون لها. من أفضل المشاهد التى جعلت مشاهدى الفيلم يضحكون مشهد يقول فيه أحد الأبطال، إنّ الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى فى القضية الفلسطينية يجلسان فوق «ثلاثة خوازيق» لإسرائيل منها واحد، يتمثّل فى بقاء الفلسطينيين على قيد الحياة وقدرتهم على المقاومة لكنّ الشخص نفسه يقول إنّ الفلسطينيين يجلسون فوق خازوقين آخرين: الأوّل هو إسرائيل والثانى هو «الانقسام» وعدم التوافق بين الفصائل الفلسطينية المختلفة. مشهد آخر يفجر الكوميديا حينما يبحث «ميلاد» عن أسطوانة مسجل عليها النشيد الوطنى الفلسطينى فلا يجدها ويضطر لعزف السلام بملعقة وكوب ماء فارغ وإصدار أصوات من فمه والفيلم به الكثير من المواقف الكوميدية التى تخرج أحيانا فى لحظات إنسانية. «رشيد مشهراوى» يعد من أوائل المخرجين الفلسطينيين فى الداخل ومن أكثر الفلسطينيين غزارة بأفلامه التسجيلية والروائية ونال جوائز من مهرجانات عربية وأجنبية منذ فيلمه الروائى الطويل الأوّل «حتّى إشعار آخر» فى 1993، وفيلمه الروائى الثانى «حيفا» 1996 وهو أوّل فيلم فلسطينى عُرِضَ فى مهرجان كان، وتحية للفنان صلاح حنون الذى جسد شخصية «سامى» فاقد السمع والنطق على أدائه العالمى فى الفيلم. الفيلم يعبر عن واقع يحركه حصار هدفه تجريد المواطن من حريته وتواصله الداخلى والخارجى وحصار يريد للفلسطينى ألا يكون بشرا مثل الآخرين، وواقع فيه الحب فى تحد مستمر ليس مع الطرف الآخر «الحبيب» بل مع العدوان وممارساته وفيه مستقبل الحبيب فى علم الغيب.