رشيد مشهراوى أحد أضلاع المربع الذهبى الذى صنع السينما الفلسطينية فى العقود الثلاثة الماضية ووضعها على خريطة السينما فى العالم، وأولهم ميشيل خليفى منذ عام 1980، ثم إيليا سليمان وهانى أبو أسعد وقد كان من المنطقى أن تكون أغلب أفلامهم وأفلام غيرهم من المخرجين الفلسطينيين تعبيراً عن كفاح الشعب الفلسطينى من أجل حقوقه والذى وضع قضيته على خريطة السياسة فى العالم، فالإبداع السينمائى هنا يواكب الكفاح الشعبى. وفى أحدث أفلامه الروائية الطويلة «فلسطين ستريو» الذى شاهدته فى عرضه العالمى الأول بمهرجان دبى العاشر فى ديسمبر الماضى، يعبر «مشهراوى» عن الواقع الفلسطينى المعاش اليوم بأسلوب واقعى بسيط بقدر ما هو عميق، ومن خلال معادل درامى موضوعى سينمائى خالص، أى التعبير بلغة السينما النقية التى تصنع الدراما بالصور والأصوات، لقد تم قصف بيت الأسرة موضوع الفيلم، فأقام أفرادها خيمة يعيشون فيها وسط البيوت، ومنهم الموسيقار ميلاد الذى فقد زوجته المغنية فى القصف، وشقيقه سامى الكهربائى الذى فقد السمع والنطق من شدة القصف. الخيمة وسط البيوت تعبير عن الشعب الفلسطينى الذى يعيش فى المخيمات وسط شعوب العالم التى تعيش فى البيوت، وموضوع الفيلم قرار الأخوين بالهجرة إلى كندا تعبير عن القضية الأساسية التى واجهت كل فرد فلسطينى منذ قرن ويزيد، ولا يزال يواجهها حتى اليوم: هل يبقى مهما كانت الظروف أم يهاجر. وواقع الأمر أن من بقى هو من حافظ على وجود القضية، ولكن هذا لا يعنى أن من هاجر قد تخلى عنها، فالظروف مركبة وليست على هذا النحو من التبسيط المخل، ولذلك ينتهى الفيلم بالتراجع عن قرار الهجرة، ولو مؤقتاً. يؤجر الأخوان معدات صوت للأفراح والمؤتمرات السياسية والمظاهرات لتوفير عشرة آلاف دولار تكاليف السفر والهجرة، ويستخدمان لنقل المعدات سيارة إسعاف معطلة، ومن خلال المناسبات التى تؤجر المعدات، والمفارقات الناتجة عن استخدام هذه السيارة، وعن اشتراك سامى فى تشغيل معدات للصوت رغم أنه لا يسمع يبدو الواقع الفلسطينى بكل تناقضاته، وتبدو براعة «مشهراوى» فى صياغة العلاقة بين شريطى الصوت والصورة. سيارة الإسعاف المعطلة التى تحمل معدات الصوت تتحول فى النهاية إلى سيارة إسعاف حقيقية تحمل جريحاً يصاب فى مظاهرة ضد الاحتلال، ولكنه يستشهد فى الطريق ويكون استشهاده سبباً فى تعليق قرار الهجرة، فضلاً عن وجود ابن اختهما الوحيدة فى معتقلات الاحتلال، ومادام هناك شهداء ومعتقلون سينتهى الاحتلال يوماً وينتصر الشعب الفلسطينى. [email protected]