أعلن طبيب القصر رسميا أن وفاة الوالى "عباس باشا" كانت لأسباب طبيعية، ونتيجة لمرض مجهول الاسم تسبب فى انهياره، وجاء هذا الإعلان بعد كتمان الخبر 48 ساعة، تم خلالها نقل الجثمان من قصره بمدينة بنها إلى قصره فى العباسية فى وضح النهار، بعد أن تم إجلاسه بثيابه الرسمية فى عربة تجرها أربعة خيول، كما لو كان على قيد الحياة، وجلس إلى جانبه "ألفى بك" وهو أحد عبيده ومندوبه الخاص للمراسم. هكذا كانت وفاة "عباس باشا" فى مثل هذا اليوم "13 يوليو 1854" حسب ما جاء فى مذكرات "نوبار باشا"، وهو أبرز الوزراء الذين عملوا مع محمد على وابنه إبراهيم ومن بعده "عباس" ثم سعيد حتى إسماعيل باشا. لم يكن إعلان طبيب القصر صحيحا، فلا هو مات بمرض مجهول، ولا كانت الوفاة لأسباب طبيعية، وإنما تم قتله فى قصره بمدينة بنها، ويقول نوبار "باشا" إن أربعة من مماليكه طعنوه أثناء نومه، وهناك قصة طويلة حول كيفية تنفيذ عملية القتل، لكن الاختلاف جاء حول جهة التحريض، وأكثرها إثارة ما يذكره "نوبار باشا"، بأن "نازلى هانم" عمة عباس هى التى حرضت على قتله طبقا لما أخبره البعض، وأنها أغرت اثنين من المماليك بجسدها قبل الحادث بأيام قليلة، ويعلق نوبار: "ليس هناك ما يعطينى الحق فى تصديق هذه الرواية، لكن لا يوجد ما يمنعنى من الأخذ بها". كان يوم مقتل "عباس باشا" هو نهاية لفترة من حكم مصر بدأت من 24 نوفمبر 1848، يصفها "نوبار" بقوله: "مصر كلها كانت على مدار حكمه تشبه سراى عباس، حيث لم يكن الناس يتزاورون أو يدعون بعضهم بعضا، وكان كل فرد يعيش منطويا ومنعزلا، لأن خليفة إبراهيم كان رجلا قاسيا إلى حد التوحش"، ويضيف: "ذات مرة قال لى إننى قادر على فعل أى شىء، وكل من حولى يجب أن يكونوا مثلى قادرين على فعل أى شىء"، وفى مرة أخرى أمر بحياكة فم إحدى وصيفاته لأنها تجرأت على التدخين فى جناح الحريم مخالفة بذلك أوامره، ولما كانت حظائره تضم خيرة وأجمل سلالات الخيول العربية، فقد منع الدخول إليها تماما مثل الحرملك". كانت هذه التصرفات انعكاسا لطباعه الحادة، التى كانت وكما يقول "نوبار باشا": برهان على أنه لم يكن يشعر بالرغبة فى الاستمتاع بالمباهج أو العيش فى حياة الترف والبذخ سواء هو أو من حوله"، وبالرغم من أن ما يذكره "نوبار" يرجح الآراء التى اعتبرت عهد عباس سيئا وتراجعا حادا عما بدأه جده "محمد على باشا" من نهضة، إلا أن "نوبار" يقول عنه: "كان سيدا عظيما وكبيرا، وكان يحلو له أن يردد دائما: "أنا وزير ابن وزير وحفيد وزير، أنا لست تاجرا مثل جدى وعمى، وإذا كان من واجبى حماية التجار فهذا لا يعنى أنه من المفروض أن أقلدهم".