سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الذين أفسدوا فرح البرادعى! البرادعى فضح مؤيديه حينما أثبت لهم أنه يعلم ما لا يعلمون.. فلا الأحزاب تقوى على دعمه ولا المنافسة على كرسى الرئاسة يمكن أن تتم بمانشيتات صحفية ساخنة
كان عظيما أن يكتشف المواطن المصرى أن واحدا من أصحاب جنسية بلده يدير واحدة من أهم المنظمات الدولية هى وكالة الطاقة الذرية، والأعظم من ذلك أن يرى نفس الشخص وهو يحصد لمصر جائزة نوبل الرابعة فى تاريخها، وما يتبع ذلك من أمنيات تتعلق بعودة هذا الطير المهاجر بكل ما يحمله من خبرات وعلاقات دولية ليحقن بها بعض شرايين الحياة المصرية الضعيفة فى الوقت المناسب والمكان الأنسب. المشهد كان رائعا بكل تفاصيله منذ اللحظة التى حصل فيها الدكتور محمد البرادعى على نوبل وحتى النقطة التى اقترب فيها موعد تقاعده وعودته لمصر، غير أن بعض المتطفلين خرجوا من جحور الفيس بوك وصفحات جرائد وشاشات برامج لا تجد ما تشترى به الجمهور، وتدخلوا بالشطب والتعديل وأضافوا للمشهد عدة جمل وكلمات على لسان الدكتور البرادعى دون علمه، فأفسدوا علينا وعلى صاحب نوبل كل شىء، أشعلوا الإضاءة واستخدموا الديكور الذى أعده النظام سلفا لمشاهد الانتخابات والترشيحات ووضعوا الرجل أمام الكاميرات قبل أن يحفظ النص أو يقرر الاشتراك فى اللعبة كلها، أصبح البرادعى مضطرا لأن يلعب دور البطولة رغم أن خططه - كما سيظهر فيما بعد فى تصريحاته- كانت تبحث عن مجرد دور بسيط ولكن مميز، فوجد نفسه مطالبا بالتحدث عن برنامجه الذى سيحكم به جمهورية مصر العربية قبل أن يقرر إن كان سيعود لمصر أم لا!! وفى المشهد نفسه وفى القاهرة كانت بوادر معركة تشتعل بهدوء بين طرفين، الطرف الأول يضم هؤلاء المتطفلين على العالم المصرى القانونى والنووى وينجذب إليه مع مرور الوقت الكثير من المتحمسين والحالمين بفكرة التغيير، بغض النظر عن نوعه وكيفية حدوثه ونتائجه، والطرف الثانى يضم هؤلاء الذين اعتادوا أن يثبتوا ولاءهم للنظام بأبشع الطرق الممكنة ومن بعيد ينفر منهم بعض العقلاء الذين قرروا أن يبحثوا أمر ترشح البرادعى لانتخابات الرئاسة فى 2011 بهدوء وطبقا لقواعد العملية السياسية التى تفرض نفسها على مصر، وباشتراك هؤلاء وأولئك تحولت المعركة إلى زفة اشتبك فيها المتطفلون القادمون من جروبات الفيس بوك وبعض الصحف الحزبية والمستقلة مع رؤساء تحرير صحف الحكومة، كان الاشتباك عنيفا ويعبر عن خصومات شخصية قبل أن يعبر عن مصلحة بلد، وراح ضحيته هؤلاء الحالمون بالتغيير الذين اتهموا بالسذاجة والهبل، وهؤلاء العاقلون الذين تعرضوا لقذائف التخوين والعمالة، قرروا مناقشة جدية ترشح الدكتور البرادعى وفائدة ذلك لمصر من عدمه. ثم فجأة هدأت الزفة بعد أن تدخل الدكتور البرادعى بتصريحات نشرتها الزميلة «المصرى اليوم» كانت مباشرة وواضحة وحاسمة تقول إن الدكتور البرادعى لن يرشح نفسه فى انتخابات رئاسة الجمهورية، لأن الرجل ببساطة ليس مقتنعا بالوضع الحزبى فى مصر، وكما تعلمون فالأحزاب هى الممر القانونى الوحيد للحصول على أوراق الترشح فى الانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى أنه مقتنع جدا بأداء دور بسيط ومميز رسمه لنفسه قبل العودة لضمان أقصى استفادة لمصر من خبراته القانونية والدولية. بناء على الكلام الأخير والقول الفصل الذى أدلى به الدكتور البرادعى هل يمكن أن نقول بثقة إن زفة ترشيح الدكتور محمد البرادعى لرئاسة الجمهورية قد انتهت؟.. أعتقد نعم، بل ويمكنك القول بأن الدكتور محمد البرادعى بنفسه هو الذى ضرب «كرسى فى كلوب هذه الهيصة»، ليترك لكل من ساهم فى التأكيد على أن الدكتور البرادعى هو مرشح التغيير القادم واعتبر أن طرح أى أسماء أخرى محاولة لشق الصف، واتهم كل من شكك فى جدية أو صلاحية البرادعى للترشح بأنه خائن وعميل وقابض من الدولة، رغم أن تردد الرجل فى البداية كان لا يشجع على وضع بيض المعارضة كله فى سلته.. سؤال مفتوح يقول: ماذا ستفعلون الآن؟.. هل ستعيدون البحث عن مرشح جديد؟ وهل يسمح الوقت المتبقى على انتخابات الرئاسة بإيجاد مرشح آخر؟.. أم ستسمرون فى الضغط على البرادعى حفظا لماء وجهكم؟.. أم سترضون بأى مرشح ليس مناسبا أو مستعدا، حتى لا يحصل مبارك على الدورة الرئاسية القادمة بالتزكية ولا يكون شكلكم وحش؟ أسئلة كثيرة ودروس أكثر وفضائح أكثر كشفتها تلك المعركة المفتعلة على ترشح الدكتور البرادعى لرئاسة الجمهورية أهمها على الإطلاق أن الزملاء الذين افتعلوا حدوتة ترشيح البرادعى وأكدوا عليها وعلقوا الناس فى حبالها غير المكتملة سواء كانوا فى صحف زميلة مثل الوفد والدستور والعربى والفجر أو كانوا أيمن نور وعبد الحليم قنديل والمستشار الخضيرى أو شباب 6 أبريل أو رؤساء لأحزاب صغيرة تعانى من وقت فراغ قاتل، أو مجرد شباب متحمس على الفيس بوك والمدونات، أو غيرهم من الذين يشكون دائما من قهر النظام ومصادرته على الآراء المختلفة، كشفت حدوتة الدكتور البرادعى أنهم مثلهم مثل النظام الحاكم يقهرون ويصادرون على الآراء الأخرى بكل عنف وبلا رحمة طالما أنها لا تأتى على هواهم، صحيح يمكن تفسير فعلهم هذا حينما يكون موجها لرؤساء صحف الحكومة ومذيعى تليفزيون الدولة الرسمى الذين انطلقوا يهاجمون الدكتور البرادعى بكل قلة أدب وعدم موضوعية، ولكن لايمكن تبرير ذلك حينما يصادرون على آراء تلك الفئة العاقلة التى تعرضت لفكرة ترشح الدكتور البرادعى بالنقد الموضوعى. كان مفهوما أن تزعجهم حملات الهجوم المنظمة لصحافة الحكومة على الدكتور البرادعى والتى خرجت على حدود اللياقة والأدب والموضوعية والمهنية وتعرضوا لشخص الرجل بالتجريح، متهمين إياه بالخيانة والعمالة للدول الأجنبية، وبأنه مدير فاشل ومجرد مفتش نووى، ولكن ليس من المفهوم أبدا توجيه اتهاماتهم بالعمالة والتخوين لزملاء ورجال لم يفعلوا شيئا سوى إبداء رأيهم فى مرشح مقترح لرئاسة الجمهورية، زملاء لهم فى المهنة نفسها لم يعرضوا سوى تخوفهم من عدم جدية ترشيح البرادعى، وكونه مرشحا مناسبا أم لا فى ظل ابتعاده عن مصر لما يقرب من ربع قرن، وفى ظل عدم توافر أى صيغة قانونية تمكنه من خوض المنافسة وعدم إمكانية إيجاد تلك الصيغة خلال الشهور القليلة المتبقية على الانتخابات، فى ظل الحالة المتردية للمعارضة المصرية إعلاما وأحزابا وحركات سياسية والتى أدركها الرجل المقيم فى أوروبا ولا يعترف بها الكائنون فى أرض المعمعة.. القاهرة. كان هجوم هؤلاء الذين ابتدعوا حدوتة ترشح البرادعى قاسيا وكاشفا عن عدم وجود فوارق جوهرية بينهم وبين رؤساء تحرير صحف الحكومة، فإن كان أسامة سرايا وعبد الله كمال ومحمد على إبراهيم يهاجمون البرادعى من منطلق أداء وظيفتهم فى الدفاع عن النظام الذين يعملون لديه ويحملون لقبه على اعتبار أنهم رجال إعلام الحكومة، فهل يعنى ذلك أن كل من دافع عن البرادعى وهاجم من يرفضه يجهز نفسه ليندرج تحت لائحة رجال إعلام الرئيس الجديد؟ هل اعتبارهم لكل رافض أو مختلف على اسم الدكتور البرادعى بأنه خائن وعميل للأمن ورافض للتغيير هو الحرية والديمقراطية والتعددية التى يتحدثون عنها ويبحثون عنها؟ راجع ما كتبوه عن الذين رفضوا ترشح الدكتور البرادعى فى صحفهم وعلى مدوناتهم وفى برامجهم لتدرك جيدا أنهم تحولوا إلى نسخ مكررة لرؤساء تحرير الصحف الحكومية بفجورهم فى الخصام، واستخدامهم نفس لهجة الهجوم والتهديد والتشهير، ونفس ألفاظ السباب، وأقلامهم وعقولهم التى ترفض كل ماهو وارد عن آخر مختلف معهم. للأسف لم تنل مصر من حملتهم هذه سوى بعض الأحلام المتكسرة فى قلوب وعقول الذين أوهموهم بأن الدكتور البرادعى يسن سكاكين القضاء على النظام الحالى فى فيينا وسيأتى على فرسه الأبيض فى أبيض ليخطف مصر من نار نظام مبارك إلى جنة المستقبل، للأسف لم تنل مصر من حملتهم هذه سوى كشف عورة قطاع كبير من الإعلام يمارس المهنة بعكس ما ينادى بتحقيقه.. ينادى بحرية الرأى ويسخر من كل رأى مخالف، ينادى باحترام الآخر ويتهم كل مختلف معه بالعمالة والخيانة، للأسف لم تنل مصر من هذه الحملة سوى خسارة رجل بحجم الدكتور البرادعى كان من الممكن أن يفيد البلد فى عدة مجالات، ولكنه الآن وبسبب طريقتهم الدعائية الفجة لن يجد سوى الرف ليبقى عليه لفترة طويلة لأننا وكما عودتنا الظروف نعيش تحت رحمة نظام يفجُر فى خصومته إلى آخر مدى ويطيح بكل من تتعدى شعبيتهم المستوى المسموح به. الغريب فى الأمر كله أن التصريحات الأخيرة للدكتور البرادعى والتى قال فيها إنه لن يرشح نفسه من خلال أى حزب سياسى، لأن قبوله بذلك يعنى موافقته على ما سماه «الإطار المصطنع» للممارسة السياسية فى مصر، ومنح الشرعية لإطار يمنع ما يقرب من %95 من الشعب المصرى من الترشح لانتخابات الرئاسة، قائلا: (هاشتغل مع الناس، لأن التغيير لابد أن يتم بإرادة شعبية جماعية، وإذا استطاع الشعب أن يغير الدستور سأكون فى خدمته).. هذه التصريحات كشفت أن الدكتور البرادعى فاهم الوضع فى مصر أكثر منهم، وأنه أكثر جدية منهم فيما يتعلق بخدمة البلد ومصلحة ناسها وليس الأمر مجرد فرقعة حملة انتخابية لضمان حالة رواج لصحفهم فى السوق، لم يفعل مثلهم ويستغل تعاطف الناس ووجعهم، لم يتلاعب بأحلامهم مثلما فعلوا حينما نشروا أخبارا تؤكد جدية ترشح البرادعى وتضخم فرص فوزه وأن النظام مرعوب من الدكتور المغترب، وهم يعلمون جيدا أن كل خبر وكل سطر ينشرونه بهذا المعنى أكذب من الكذب نفسه، كان هو أعقل منهم وهو يتحدث عن العملية الانتخابية بنضج ويعترف بأن فرص أى مرشح منافس للرئيس مبارك ستكون صعبة ومستحيلة طالما لم يتم الإعداد لها مبكرا وطالما تمت فى الإطار الذى نعيش فيه الآن، حيث لا يتم تنظيم مظاهرة فى البلد، أو تصدر صحيفة أو يظهر ضيف على شاشة التليفزيون إلا بإذن من أجهزة أمنه. أدرك الدكتور البرادعى ما لم يدركونه هم.. أن مسألة ترشيح منافس قوى لنظام يحكم منذ 30 سنة لا يمكن أن تتم بمانشيتات الصحف أو جروبات الفيس البوك لأنها تحتاج فترة إعداد طويلة وشاقة تصل بالنخبة وبالشعب وبالمرشح المأمول إلى حيث النقطة الذى يصبح من خلالها قادرا على المنافسة بقوة، وليس مجرد المشاركة فى تمثيلية تشبه تمثيلية 2005.