أصبح بيتك الذى تسكنه كابوسا تنظر إليه بين الحين والآخر فى تحسر، ذلك البيت الذى اشتريته بعناء وتعب لتلملم فيه جراح السنين لتشعر بالأمان مع أسرتك، وتفتخر بأنك لك شقة أو بيت فى وطنك على ترابه الغالى، ثم تكتشف أنك أصبحت مجرد مستأجر لهذا المسكن وتعود ريمه لعادتها القديمة من الاستئجار وتدور فى دائرة تصيبك بدوار، بسبب وزارة المالية وقانون الضرائب العقارية الجديد الذى يمثل جلطة دماغية لم تفق الناس منها ولم تكن مفهومة حتى الآن، فهل يدفع المواطن ثمنا لمواطنته وعرقه وأصله على مسكن يقطنه؟ وقد جالت نظريات وكتابات عدة، ولكن وزير المالية لا يصغى إلا لنفسه، معتمدا على تمرير القوانين بمجلس الشعب رغم أنف المعترضين، ثم يطالب كل مالك عقار بتقديم إقراره الضريبى على وجه السرعة غير ملتفت إلى صرخات الناس وبكائهم واعتراضهم والذين سيمتثلون إلى تقدير لجان الضرائب لبيوتهم، وجباية الضرائب عليها، فى خوف وترقب وعدم أمان، ويصرخون فى آن واحد نحن لم نبع بيوتنا حتى تقدرها وزارة المالية. يبدو أن وزير المالية متأثر جدا بالعصر المملوكى وفرض الضرائب الباهظة على الشعب المصرى، فلم يتبق له إلا فرض الضرائب على الموتى، وأعتقد أنها ستكون مرحلة قادمة، بعدما صرح بأن أموال التأمينات والمعاشات تخضع لتصرف وزارة المالية فيتصرف فيها حيثما يشاء ويريد، فالمواطن المصرى محدود الدخل هو الذى تجبى منه الضرائب إجباريا، فى حين أن هناك مؤسسات لا يمكن الاقتراب منها مثل الأندية الرياضية التى تخصص لها ميزانيات، ليس هذا فحسب، بل إن أموالها خاصة بها، فقد كان هذا العصر المملوكى أيام المماليك البحرية والبرجية التى كانت تخصص بعض الموارد لصالح قادة المماليك فتدر ربحا عليهم فقد يعطى لمملوك ما جمارك ميناء دمياط ولآخر ميناء رشيد وثالث أراضى الدولة وهكذا، فقانون مبدأ الخيار والفاقوس قديم، لذلك تسير عليه حكومتنا المبجلة بخطى ثابتة، إحياء لهذا التراث فألغت الضرائب على السفن العائمة التى تدر دخلا سياحيا طائلا مجاملة لأصحابها المقربين، وكذلك ينسحب هذا على أصحاب الطائرات الخاصة، وما أدراك من هم فقد فكرت أن ابنى بيتا على ألواح خشبية وسط النيل فى شكل سفينة تعوم وتتحرك، حتى إذا كان هذا ضربا من الخيال فهى وسيلة للنجاة من الضرائب العقارية. ما أصعب أن يعيش المواطن البسيط فى غربة فى وطنه، أما أصحاب السفن والطائرات فهم أصحاب دار لا يمكن المساس بهم ولا بمصالحهم، إن الشعب المصرى يعيش صحوة وطنية جميلة وغالية لا ينقصها إلا نظرة من جانب وزير المالية وإلغاء هذا الكابوس.