ترددت كثيرًا كرجل قانون فى اختيار عنوان مقالى اليوم، خوفًا من أن يعتقد الرأى العام أن تنحى غالبية القضاة فى المرحلة الأخيرة يمثل انتصارا للهرج والمرج والهتافات والفوضى التى يفجرها الإخوان داخل المحاكم أثناء نظر قضاياهم، وبالتالى سيعتقد أبناء شعبنا أن العدالة فى خطر، لأن القاعدة أن القاضى من حقه التنحى، ولا نصدق إلا المسببات التى ينشرها بعد قراره، كما أنه من الطبيعى أن القاضى فى نهاية المطاف بشر قد يتأثر بالمناخ الذى يحيط بقاعة المحكمة، ولكن ليس من حقنا أن نعمم التقييم فى هذا المجال لأنه مازال فى مصر قضاة قادرون على التصدى نفسياً للضجة غير المسؤولة من المتهمين وأنصارهم. ويجب ألا ننسى أن القاضى لديه من إمكانيات الردع القانونى ما يفرض الحدود اللازمة على من فقدوا احترامهم لمنصة القضاء، ولدينا رجاء والتماس إلى القضاة ألا «يستشعروا الحرج» فى استعمال إمكانيات الردع القانونى حتى يطمئن المتقاضون والرأى العام أن العدل ما زال التاج الذى يكلل رؤوس القضاة، بقيت وجهة نظر أخرى مكملة وهى عن دور الشرطة داخل قاعات المحاكم التى يجب بإذن القاضى أن تفرض عودة الهدوء أثناء نظر القضايا. أما الطرف الآخر من الإخوان مفجرى الفوضى.. أقول لهم بكل أمانة: اتقوا الله فى أنفسكم لقد طفح الكيل بكراهية الناس لكم وبأساليبكم الفظة التى تحتقر وتتحدى القيم والرموز. لا أصدق نفسى أن الإخوان الذين عشت معهم وبجانبهم خمسة أعوام حتى اغتيال المستشار الخازندار فى 22 مارس 1948 على يد عضوى الجماعة حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم، وأثبتت النيابة وقتها أن الأول كان السكرتير الخاص للمرشد العام حسن البنا، إذن العداء بين معظم أعضاء الجماعة والقضاة بدأ منذ وقت طويل، وجاء بعد ذلك حكم الرئيس المعزول د. محمد مرسى ليمثل صورة جلية للرغبة فى الانتقام من استقلال القضاء، ولولا تصدى القضاة وقياداتهم وناديهم برئاسة المستشار أحمد الزند الذى دخل التاريخ بمواقفه الموضوعية والجريئة دفاعا عن حقوق وكرامة القضاة، وكذلك المستشارة تهانى الجبالى التى تميزت عن الكثير من الرجال بقدراتها، ولا يمكن أن ننسى المستشار المحترم والنائب العام السابق عبد المجيد محمود الذى تحدى فى صلابة الاعتداء على الشرعية والقانون، وحينما أعادته عدالة القضاء إلى مكانه فضل أن يكتفى برد الاعتبار له ولكل رجل قانون فى مصر على أن يعود لعمله بالقضاء، إذن لا خوف على قضاة مصر فهناك عمالقة سيحمون العدالة. وإذا شاءت الحكومة الانتقالية ورئيس الدولة أن يسجلوا للتاريخ أنهم على استعداد أن يعملوا على إصدار تشريع يحمى منصة القضاء ومناخ الجلسات وفرض عقوبات صارمة تفرض الاحترام على من اختاروا تحدى هيبة القضاء، لا أدرى أيضًا كيف نعيد لهذا الوطن هيبة الدولة بطريقة لا تقبل التهاون ولا التنازلات؟ لأن ضياع هيبة الدولة سيعرض المواطنين للخطر من الذين سيعتقدون أن لديهم القدرة والأدوات التى ترهب الجميع وتعطى الانطباع بأن الشارع يحكمه البلطجية الخارجون عن القانون والمتطرفون، وأسمح لنفسى أن أوجه رسالة إلى عقلاء الإخوان لأقول لهم مهما طال الوقت فالنصر الأخير سيكون للدولة وليس للجماعة، لأن عمر الدولة المصرية سبعة آلاف سنة وجيش مصر بقدرته وقوته ووطنيته التى تحنو على هذا الشعب لقادر على حماية أمن المواطنين، كما أن رجال الشرطة والأمن الوطنى الذين نجحت قيادات مكتب الإرشاد فى عهد الرئيس المعزول أن تخترق بعضهم قد عادوا إلى الطريق الصحيح.