رأيتها تجلس على عتبة دارها........ وعيناها تملؤها الدموع ثوبها الممزق الملىء بالدماء أثار دهشتى وفضولى وملأنى بالحزن أيضا. فأقبلت عليها يملأنى الأمل بأن أقوم برسم الابتسامة على شفاها الحزينة، وأن أقوم بإعطائها ثوبا جديدا ملىء بألوان الحياة الجميلة وأمحو لون السواد من أيامها. عندما اقتربت منها إذا بها تنظر لى نظرة عابرة، وعجبت من تلك النظرة لأننى تخيلت أنها ستفرح عندما ترانى أقترب منها، فتملكنى إحساس غريب، ولكننى استجمعت قوتى وحاولت الابتسام فى وجهها لتبتسم هى الأخرى، ولكننى شعرت أننى كالبلهاء..لأنها رمقتنى بنظرة أصعب من سبيقتها، وكأنها تقول ما هذا الغباء أتخدعين نفسك أم تخدعيننى؟ فتنفست ووقفت مضطربة.. وسألتها.. ماذا بكى احك لى قصتك ؟، وحينها نظرت إلى داخل بيتها بنظرة حنين وشوق إلى حبيب ضاع فى طرقات الحياة الشاقة. وبعدها نظرت لى وقالت رويت قصتى آلاف المرات. ومع هذه الكلمات نزلت دمعه من عيونها التى لم أستطع أن أرى لونا من كثرة دموعها. فقلت لها: بالله عليكى أخبرينى قصتكى، ولماذا يملأ الحزن بيتك؟ ولماذا تجلسين هنا؟ فرفعت نظرها من الأرض ونظرت لى وإذا بدمعة أخرى تهرول على خدها وتنهدت بحرقه وبدأت تسرد قصتها قائلة: قصتى بدأت منذ زمن بعيد عندما مر ببيتى رجل غريب وترك ذئبا شرسا داخل بيتى وسط أبنائى. صرخت ورفضت ولكنه تركه ورحل. وحينما علم إخوتى بالأمر جاءوا لردعه وإخراجه، وأنا معهم وأبنائى، ولكننا فشلنا وإذا به كل يوم يحضر ذئابا أخرى إلى بيتى وكل يوم ذئب يهاجم أبنائى، ولكننى ظللت أقول لأبنائى لا تخافوا مادام الله معنا، وإخوتى بجوارنا سوف نسترد حقنا الضائع. وظللت أذهب هنا وهناك من بيت إلى بيت لأبحث عن حل لأسترد بيتى وألملم شمل أبنائى التائهين فى الطرقات. وكنت أجد دائما المواساة والبكاء فى كل بيت حزننا على بيتى. وكنت متخيلة أنه بعد الدموع والخطب الرائعة سيعود حقى. لحظات من الصمت القاتل مرت ورأيت فى عينها نظرة بها دمعة. مع ابتسامة ضائعة على شفاه يابسة ووجه شاحب ثم تنهدت بحرقة شديدة. ووقفت عاجزة عن الكلام ترددت فى أن أجعلها تكمل قصتها، ولكننى أردت أن أعرف ماذا حل بها فى النهاية. فسكتت قليلا ثم سألتها. وهل استرجعتى بيتك؟ مممم أقصد وماذا فعلت تلك الاجتماعات. وبعد صمت وسكون بدأت تكمل قصتها وقالت ويبقى الحال على ما هو عليه........... بل أسوء مما كان عليه. سنوات من العذاب والألم وكل يوم أدفن ابنا من أبنائى، ولكننى لم أستسلم ودائما عندى أمل فى الله عز وجل. وأثق به تمام الثقة لا أحد غيره. جمعت أبنائى وذودتهم باصبر والتقوى فكان الصبر سلاحا قويا أجعلهم يتمسكون به وبدأت بإعطائهم أسلحة يدافعون بها عن أنفسهم من وحش متعطش للدماء فكان مقابل أسنانه الحادة. كنت أسلحهم بالحجارة المتناثرة من تدمير البيت. ويالعجب الحياة وجبن هذا الذئب. الذى يستطيع قتل مئات بل الآلاف من أبنائى، ولكنه يخاف هذه الحجارة كخوفه من السنة اللهب. وأيام تمر وسنين ومع شروق شمس يوم جديد كل صباح يتجدد الأمل داخل أبنائى وجرى نهر من الدموع على خدودها النحيفة.ومسكت ثوبها وقالت هذه دماء أبنائى والله إن رائحتها طيبة طيب المسك وهى التى تجعلنى صامدة. وأنا أرتدى هذا الثوب الملىء بالدماء أفتخر بأن أبنائى استشهدوا دفاعا عنى وعن حقهم فى استرداد بيتهم. تنهدت من جديد بحرقة واه وقالت: هناك شياطين يقولون عن أبنائى إنهم إرهابيون وانتحاريون. أخبرينى كيف يكون منتحر من مات بحثا عن شرف.. بحثا عن حق مفقود. ويقولون إنه ليس من حق أبنائى إن يقذفوا تلك الذئاب بالحجارة ولا يلوموا. الذئاب التى تنهش أجسادهم سواء أكانوا شيوخا أو أطفالا. والجميع صامتون والصمت يقتلنى، ولكننى أبدا لن أصمت. سيظل صوتى عاليا مكبرا وسأظل شامخة أواجه الطغيان. فأنا فلسطين. أبدا أبدا لن أموت ولن أتنازل عن حقى وسأسترده. فمهما طال الليل لابد من شمس تشرق بالأمل. وقفت عاجزة أمام تلك القوة وأحسست بضعفى وقلة حيلتى. وأردت أن تنشق الأرض وتبتلعنى فأنا حقا حقا ضعيفة. مع كل احترامى وتقديرى لكل من يقف أمام العدوان. واحترامى لكل الشهداء اللذين قدموا أرواحهم لتراب فلسطين.