ميناء دمياط يستقبل 38 سفينة متنوعة خلال 24 ساعة    الإسكان: استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالى    تنفيذ 31 قرار غلق وتشميع لمحال وحضانات ومراكز دروس خصوصية مخالفة    فقدان 23 تونسيا بعد رحلة على متن زورق إلى سواحل إيطاليا    ترامب يطالب البيت الأبيض بالاعتذار عن محاكمة أموال الصمت.. اعرف السبب    آخر تطورات الحرب "الروسية- الأوكرانية".. موسكو تواصل التقدم على الأرض وكييف تستمر في طلب المساعدات المالية والعسكرية.. "زيلينسكي" يُدخل قانون التعبئة العسكرية حيذ التنفيذ.. والغرب ينتظر المنتصر في معركة خاركوف    ربيع ياسين: الأهلي والزمالك يرعبان أى فريق.. وميتخافش عليهم    حافلة بيراميدز تتوجه إلى الإسماعيلية لمواجهة الدراويش غدًا.. صور    خطوة تفصل نور الشربيني عن إنجاز تاريخي بعد التأهل لنهائي بطولة العالم للاسكوش    الحكم على سائق متهم بقتل جاره لسبه فى بولاق الدكرور 22 مايو    حبس متهمين بالنصب على مواطنين بتغيير العملات المحلية لأجنبية بحلوان 4 أيام    تعرف على متحف تل بسطا بالزقازيق أهم مزار سياحي في الشرقية.. صور    أكرم القصاص: التحركات المصرية أحبطت أى مخطط لتصفية القضية الفلسطينية    القاهرة الإخبارية: طيران الاحتلال يواصل شن غاراته على مخيم جباليا شمال غزة    وزارة الحج: دخول السعودية بتأشيرة عمرة لا تمكن حاملها من أداء الحج    بدون أدوية.. كيف تتحكم في ارتفاع ضغط الدم؟    موجة حارة حتى نهاية الأسبوع..هتعمل إيه لو ظهرت عليك أعراض ضربة الشمس؟.. احرص على التهوية الجيدة وتجنب الملابس الضيقة.. رطب جسمك بالكانتلوب والبطيخ والخيار..واجعل طفلك يشرب الكثير من الماء ويتناول الخضر والفاكهة    جامعة طنطا تعالج 6616 حالة بالقرى الأكثر احتياجا ضمن "حياة كريمة"    مطالبة برلمانية بكشف سبب نقص ألبان الأطفال    الشهابى: الشعب المصرى يقف خلف القيادة السياسية لدعم القضية الفلسطينية    كبير الأثريين: اكتشاف آثار النهر بجوار الأهرامات حل لغز كيفية نقل أحجارها    منتخب مصر للساق الواحدة يتعادل مع نيجيريا في افتتاح بطولة أمم إفريقيا    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    مرصد حقوقي يحذر من تفاقم الأوضاع الإنسانية بغزة جراء سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    تراجع كبير في أسعار السيارات بالسوق المحلية.. يصل ل500 ألف جنيه    قبل مناقشته ب«النواب».. «الأطباء» ترسل اعتراضاتها على تأجير المستشفيات لرئيس المجلس    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لاهتمامه بعمارة بيوت الله    أشرف زكي ومنير مكرم في عزاء زوجة أحمد عدوية    مدير «القاهرة للدراسات الاقتصادية»: الدولة تسعى لزيادة تمكين القطاع الخاص    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث مروري بالوادي الجديد    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024 في مصر.. ومواعيد الإجازات الرسمية يونيو 2024    تعديل مواعيد مترو الأنفاق.. بسبب مباراة الزمالك ونهضة بركان    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    خسر نصف البطولات.. الترجي يخوض نهائي دوري الأبطال بدون مدرب تونسي لأول مرة    مهاجم الترجي السابق يوضح ل "مصراوي" نقاط قوة وضعف الأهلي    منها تعديل الزي.. إجراءات وزارة الصحة لتحسين الصورة الذهنية عن التمريض    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    مصير تاليسكا من المشاركة ضد الهلال في نهائي كأس الملك    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    مطار ميونخ الألماني: إلغاء 60 رحلة بسبب احتجاجات مجموعة "الجيل الأخير"    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    هام لطلاب الثانوية العامة.. أجهزة إلكترونية ممنوع دخول لجان الامتحان بها    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمات الدولية فى الألعاب الأوليمبية.. أمريكا تجاهلت دورة لندن حتى تفوت على بريطانيا فرصة قيادة العالم بعد الحرب العالمية
نشر في اليوم السابع يوم 23 - 09 - 2009

بيان للقوات السوفيتية يطالب "بوشكاش" بتسليم نفسه لتقديمه لمحاكمة عسكرية "عادلة"!
روسيا منعت فريق المجر الذهبى من المشاركة فى دورة ملبورن الأوليمبية
الصحف البريطانية تشن هجوماً على تشرشل بسبب إصراره على استضافة الدورة الأوليمبية
أمريكا تجاهلت دورة لندن كى لا تمنح بريطانيا مشروعية قيادة العالم بعد الحرب العالمية
المكارثية ظهرت فى دورة هلسنكى والشعار المرفوع "امسك شيوعى"
أمريكا شاركت فى الدورة تحت شعار "من أجل إعادة ستالين لحجمه الطبيعى"
كانت رائحة البارود، وسحب دخان المدافع مازالت تغطى سماء أوروبا، حين منحت اللجنة الأوليمبية الدولية فى اجتماعاها عام 1945 حق تنظيم الدورة الأولمبية الرابعة عشرة إلى مدينة "لندن" عام 1948. صدر القرار بالإجماع مع آخر رصاصة أطلقت فى الحرب العالمية الثانية، وجاء اختيار لندن على سبيل المكافأة والمواساة للشعب البريطانى، الذى دكت طائرات "المحور" بلاده وجعلتها خراباً.
كانت لندن مدمرة تماماً، وشمل الدمار مرافقها الحيوية، الطرق والجسور ومحطات الكهرباء والطاقة والمصانع، وكان الاقتصاد منهاراً، والغذاء يوزع ببطاقات التموين، ولم يكن "مشروع ما يشال" لإعادة تعمير أوروبا قد ظهر بعد، حين طلب الزعيم البريطانى "ونستون تشرشل" من رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية، سيجفريد إديستروم، أن يتبنى طلب بريطانيا بإسناد حق تنظيم الدورة الأوليمبية الرابعة عشرة وسط موجة عاتية من المعارضة، فى الشارع البريطانى، الذى كان خاضعاً لبرنامج ربط الأحزمة على البطون لإعادة بناء بريطانيا.
وتعرض تشرشل لهجوم عنيف وغير مسبوق فى الصحافة البريطانية ومجلس العموم واتهم بالجشع السياسى للشهرة والمجد الشخصى، على حساب الجياع من دون رحمة أو شفقة. ووقف الزعيم البريطانى المنتصر فى الحرب يدافع عن نفسه فى مجلس العموم ويقول:
إن العالم كله لن يعرف أننا انتصرنا فى الحرب ووقفنا على أقدامنا إلا إذا نجحنا فى تنظيم الألعاب الأوليمبية فى لندن. ونجح تشرشل بصعوبة فى تمرير الدورة، التى كانت أول مسمار فى نعشه السياسى، فقد واصلت الصحف البريطانية الهجوم عليه، وكان الهجوم تحت شعار "المجد لله".. وليس لتشرشل!
وحين أقيمت الدورة بعد ذلك بثلاث سنوات، كانت المعارضة قد أسقطت الزعيم الذى قاد بريطانيا للنصر فى الحرب العالمية الثانية، وبدأت الدورة الأوليمبية فى لندن، مع بدايات حقبة "الحرب الباردة" وتوزيع غنائم الحرب العالمية بين الحلفاء، وتقسيم العالم إلى شرق وغرب، وكان "الكرملين" منوطاً بتشكيل شرق أوروبا، وكانت مشكلة ألمانيا قائمة، بعد أن احتل نصفها الشرقى من قبل القوات السوفيتية، وكانت محاصرة من أربع دول الإمدادات تصل إليها بالطائرات!
وهاجمت صحيفة مجرية المارشال "تيتو" الزعيم اليوغوسلافى لأنه رفض انضمام بلاده لأحد المعسكرين الشرقى والغربى، وأعلن تمرده وعصيانه على النفوذ السوفييتى، وقالت الصحيفة إن تيتو يتمرد على "الكرملين" مقر الحكم فى الاتحاد السوفييتى- ويحاول الاستقلال رغم حصاره جغرافياً من الشرق بثلاث دول تابعة للاتحاد السوفيتى: المجر وبلغاريا ورومانيا.
جلاء الإنجليز عن فلسطين يوم 30 يونيو عام 1948.. وبدء تأسيس الكيان الصهيونى، أشعل الحرب بعد اجتماع الملوك والرؤساء العرب فى القاهرة يوم 30 يونيو حين أعلنوا الحرب لمنع الصهاينة من تنفيذ مخططهم!.. وبقية القصة معروفة، وحاول الصهاينة المشاركة فى "دورة لندن" الأوليمبية فور جلاء القوات البريطانية عن فلسطين للحصول على شرعية سياسية.. إلا أن الدول العربية.. هددت بمقاطعة الدورة.. فرفضت اللجنة الأوليمبية الدولية مشاركة الكيان الصهيونى فى الدورة.
وألقت الأحداث السياسية الأخرى بظلالها على دورة لندن، فقد عبرت القوات الصينية "النهر الأصفر" وسبب ازعاجاً لإنجلترا ومستعمراتها بسنغافورة وماليزيا وتأزم الموقف.
فى هذا المناخ العالمى المضطرب بالأحداث، أقيمت الدورة وانتهت، وحققت فشلاً ذريعاً، فقد كانت أفقر الدورات تنظيمياً وفنياً، من حيث المنشآت والتجهيزات والمواصلات، كان التنظيم صدمة للوفود التى شاركت قبل ذلك فى دورة برلين الأوليمبية فى ألمانيا، وسط مظاهر الفخامة والأبهة والإقامة "الفرست كلاس"!
أقامت وفود دورة لندن فيما يشبه ثكنات ومعسكرات الجيش.. وكان الغذاء قليلاً، وتعرض الرياضيون لما يمكن وصفه بالمجاعة! وقد حمل الفريق المصرى الأوليمبى الذى شارك فى هذه الدورة أطناناً من المعلبات قبل سفره إلى لندن. ثم كانت هناك صدمة أخرى للبريطانيين، وهى أن أمريكا تجاهلت الدورة، وشاركت بوفد رمزى صغير، وبعثة هزيلة كى لا تمنح بريطانيا شرف قيادة الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد بدأت حقبة إعادة هيكلة العالم، وإخراج بريطانيا من المعادلة كإمبراطورية عظمى لتحل أمريكا بدلاً منها.
كانت ألعاب لندن الأوليمبية مكافأة لبريطانيا واحتفالية بانتصار الحلفاء على المحور فى الحرب العالمية الثانية وكأن أمريكا لا وجود لها، لهذا تجاهلت أمريكا الدورة إعلامياً، وتمثل التجاهل فى تغطية مجلة "Time" الصادرة فى اليوم التالى لحفل افتتاح الدورة، بخبر صغير جداً يقول: إن هناك دورة أوليمبية افتتحت أمس فى لندن باستاد ويمبلى".. ودمتم!
وهكذا عاقبت الولايات المتحدة بريطانيا.
وبعد ذلك بأربع سنوات أقيمت دورة ألعاب "هلسنكى" الأوليمبية، وشارك الروس لأول مرة منذ عام 1912، وخرجوا من الستار الحديدى، شاركوا فى مناخ دولى تسوده علاقات الشك والريبة وسوء الظن بين الاتحاد السوفييتى والغرب.. وفى بداية سباق الاستقطاب بين الدول الشيوعية والدول الرأسمالية لبقية دول العالم.
فى تلك الأيام لم تكن سحب الدخان قد انقشعت بعد من جراء الحرب العالمية، حين عاد شبح الحرب يطل على العالم من جديد فى كوريا الشمالية التى وضعت فى بؤرة الأحداث وشهدت أول مواجهة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية، وتدخلت الأمم المتحدة- لتجنب كارثة- بقوات أمريكية، بينما أغرقت روسيا كوريا بالسلاح والعتاد.
وقبل بداية دورة هلسنكى بأيام قليلة، نشرت "النيويورك تايمز" الأمريكية تقريراً على مساحة ضخمة، عن مواطنى ألمانيا الشرقية الذين هربوا أو يحاولون الهرب بكل السبل الممكنة- وحفل التقرير بقصص مرعبة عن وحشية الشيوعيين، والبوليس السرى السوفيتى، الذى أضاف وقوداً جديداً للحريق، وأثار الذعر فى نفوس المواطنين بالترويج لشبح الحرب، والتخويف من النضال كأداة من أدوات السيطرة وهو ما يعرف فى علم نفس الحرب بال:"Psychologic Warfar" وتزامنت هجرة ألمان الشرق هرباً من الشيوعية، مع موجات هروب الجنود الكويتيين طلباً للجوء السياسى للغرب.
وخلال دورة هلسنكى وقعت أزمة بين روسيا والهند، وشاركت فرنسا فى حرب الهند الصينية. أما أمريكا، فكانت قد دخلت حقبة المكارثية "Mccarthysim"، نسبة إلى الجنرال "جوزيف مكارثى" الذى روج لنظرية الخطر الأحمر "Red Menace" محذراً الأفراد والشعوب من الشيوعيين الذين يخترقون الصفوف، ويجهدون الأمم حاملاً شعار "امسك شيوعى"، وبالطبع ألقى العداء بين روسيا وأمريكا بظلاله على دورة هلنسكى الأوليمبية، ولأول مرة ظهر فى هذه الدورة مصطلح "الحرب الباردة" فى الرياضة.
وقبل بداية الدورة بشهر واجهت اللجنة الأوليمبية الأمريكية مشكلة فى تمويل البعثة الأوليمبية، وأعلنت أنها بحاجة إلى تبرعات تصل إلى 500 ألف دولار، وظهر الممثل الأمريكى الشهير "بوب هوب" يقود حملة التبرعات فى برنامج تليفزيونى، وكان يتحدث عن "الجيش الأوليمبى" المسافر إلى هلنسكى ليخوض "حرب الذهب" ضد روسيا الشيوعية.
وقال "بوب هوب" إن البعثة الأمريكية ذاهبة لهذه الحرب بهدف "قص ريش" ستالين وإزالة الشحوم من فوق جسمه، وإعادته للحجم الطبيعى! هكذا بدون مواربة، كانت أهداف البعثة الرياضية الأمريكية لا مشاركة فى دورة هلسنكى.. محض سياسية!
وبدت حملة التبرعات كأنها حملة للمجهود الحربى، والجيش المسافر للقتال والجهاد فى سبيل الوطن. وذهب الروس للدورة ومعهم "الشعار الحديدى" وقبل سفرهم لأول مرة للخارج بعد غياب 40 عاماً عن الألعاب الأوليمبية، اشترطت حكومة موسكو على الحكومة الفنلندية من خلال وسطاء إقامة بعثة الاتحاد السوفيتى فى مكان منعزل وبعيد عن القرية الأوليمبية التى تنزل بها جميع الوفود، وبالفعل أقامت البعثة الرياضية الروسية، فى إحدى القواعد العسكرية بمنطقة "أوتانيمى" وهى منطقة معزولة تماماً، ولم يسمح السوفيتون لأحد بدخول معسكرهم من الصحفيين الأجانب أو حتى الفنلنديين رغم أن فنلندا هى الدولة المضيفة وصاحبة المعسكر والبيت.
كان المسئولون الروس يخشون عمليات "غسيل الدماغ" وانتقال عدوى البرجوازية وفيروسات الرأسمالية و"بنطلونات الجينز" إلى الاتحاد السوفيتى، وما يترتب على ذلك من تداعيات أولها الردة والانشقاق السياسى لأبطال الاتحاد السوفيتى، والهروب من الستار الحديدى.
وكان الارتداد السياسى فى ألعاب لندن الأوليمبية قبل ذلك بأربع سنوات قد أربك الكرملين رغم أن روسيا لم تكن قد شاركت فى تلك الدورة. لذا فقد تم اختيار أبطال الفريق الأوليمبى السوفيتى الذى شارك فى هلسنكى على فرازة أمنية وسياسية، وفقاً لأسس أيديولوجية، وعلى قواعد ماركسية، وعليه.. تم استبعاد عدد من الأبطال الروس العالميين من المشاركة فى هذه الدورة بسبب "ضعف الولاء السياسى"!
وكان فى مقدمة هؤلاء الأبطال "هينوليب" لاعب "استونيا" وبطل العالم فى دفع العجلة والذى شارك فى نفس السنة فى بطولة عظماء العالم وأحرز المركز الأول. واستبعد عدد آخر من أبطال وبطلات الاتحاد السوفييتى لنفس السبب، وهو الشك فى الولاء السياسى، وكانت الشائعات "الرسمية" التى تطلقها السلطات ضدهم تقول بأنهم غير جديرين بالتمثيل الدولى، ولا يصلحون كسفراء للماركسية اللينينية، ولا يعتمد عليهم سياسياً وغير قادرين على أن يكونوا سياسيين حقيقيين "Politically Unrealable".
وقد لاحظ الصحفيون والرياضيون الذين شاركوا فى دورة هلسنكى الأوليمبية أن أبطال الاتحاد السوفييتى لا يتكلمون مع أحد ويتوجسون من أى فرد يقترب منهم، ويشيحون بأيديهم من رجال الصحافة، ولا ينطقون سوى كلمة واحدة "نو.. نو" وهو ما كان مثاراً للفكاهات حتى أن أحد الصحفيين الأمريكيين قال إنه حقق ظبطة صحفية وانتزع إجابة من أحد الأبطال الروس حين سأله: هل تعتقد أنك أفضل من أى حصان؟ فقال: نو نو! أما "حرب الذهب" فى هذه الدورة.. فقد أسفرت عن تفوق أمريكى بفارق 81 ميدالية ذهبية "41 مقابل 23" فى ألعاب القوى، أما الحصاد النهائى، قد انتهى بفارق 61 ميدالية أيضاً لأمريكا، 614 مقابل 553!
ورغم ذلك كتبت صحيفة "برافدا" عن تفوق أبطال الاتحاد السوفيتى الذين كسبوا ميداليات أكثر من أى دولة أخرى، ولم تقدم دليلاً واحداً على ذلك، فقد زور الإعلام نتائج الدورة، وزيف قائمة الميداليات النهائية، على اعتبار أنها قائمة غير رسمية، فاللجنة الأوليمبية الدولية، وفقاً للمثياق الأوليمبى لا تعترف بترتيب للدول فى قائمة الميداليات!
كان التفوق الأمريكى واضحاً فى هذه الدورة، ولكن كيف يعترف الروس بهزيمة من أمريكا فى "حرب الذهب" الأوليمبية، صحيح أنها رياضة، وحرب على ميداليات، ولكنها فى كل الأحوال "حرب" بالنسبة للطرفين، وفى مثل هذه الحرب- لا يتورع أحد الطرفين عن تهديد الطرف الآخر بضربة "بالجزمة" ولا يتورع الطرف الآخر عن تهديده بالقتل! وقد حدث هذا بالفعل، فقبل أيام من دورة روما الأوليمبية التى أقيمت فى إيطاليا عام 1960 وقف الزعيم السوفيتى " نيكيتا خروتشوف" فى الجمعية العامة للأمم المتحدة يهدد بضرب أمريكا ب"الجزمة"، خلع فردة الحذاء وضرب بكعبها منصة الأمم المتحدة عدة مرات.. وتلك قصة أخرى.
أما القصة الجديرة بالاعتبار الآن، فهى مناخ الرعب الذى خيم على دورة "ملبورن" الأوليمبية فى استراليا عام 1956. ففى يوم 5 نوفمبر، وقبيل 17 يوماً من افتتاح الدورة أذاع راديو بودابست أول بيان فى أعقاب الاجتياح المروع للدبابات السوفيتية للعاصمة المجرية "بودابست" لإخماد أقصر وأسرع ثورة فى التاريخ!
كانت عشرات المئات من جثث القتلى مازالت ملقاة فى الشوارع فى اليوم الثالث للغزو، وكانت الدبابات الروسية تحاصر مبنى الإذاعة المجرية حين أذاعت قيادة القوات الروسية تحذيراً لثلاثة من أبطال المجر الدوليين الذين شاركوا فى مقاومة القوات السوفيتية، طالبهم البيان بسرعة تسليم أنفسهم للسلطات الروسية تمهيداً لتقديمهم لمحاكمة عسكرية "عادية"!
الأبطال الثلاثة هم" الرائد فيرنس "بوشكاش" كان ضابطاً فى القوات المسلحة المجرية وأعظم لاعب كرة فى العالم، وجوزيف شيرماك بطل العالم فى إطاحة المطرقة وصاحب الميدالية الذهبية فى دورة هلسنكى وزميله "جابور بنسديك" حامل الميدالية الفضية فى الخماسى بنفس الدورة!
وذكر البيان أنه بفحص جثث القتلى لم يعثر للمذكورين الثلاثة على أثر، كانت الأنباء قد ترددت فى أوروبا عن مصرع "بوشكاش" خلال عمليات المقاومة، لكن حين أذيع البيان.. كان بوشكاش يغادر الأراضى المجرية داخل "جوال" فوق شاحنة تحمل أجولة البطاطس!
ولم يكن هذا الحادث هو الوحيد الذى ألقى بظلاله على ألعاب "ملبورن" الأوليمبية، كان هناك عدوان آخر وقع على مصر قبل 24 يوماً من افتتاح الدورة وهو العدوان الثلاثى لإنجلترا وفرنسا وإسرائيل بعد قرار عبد الناصر بتأمين السد العالى رداً على سحب أمريكا تمويل المشروع بواسطة البنك الدولى قبل أيام من الغزو السوفيتى للمجر، كانت المجر الخاضعة للنفوذ السوفيتى تسعى للاستقلال والحياة بين الشرق والغرب شأنها شأن يوغوسلافيا، وطلب رئيس وزرائها "أيمن ناجى" من روسيا سحب قواتها العسكرية من الأراضى المجرية كما طلب انسحاب بلاده من "حلف وارسو" وهو ما ترتب عليه الاجتياح الوحشى للأراضى المجرية!
ونشرت مجلة "نيوزويك" تقريراً عن الاجتياح السوفييتى للمجرة، ووصفته بالمجزرة، وقالت إن الدبابات أطلقت قذائف على المدنيين فى كل مكان، وهدمت مستشفى للأطفال واختزلت المجلة الموقف فى عنوان يقول: "إن ستالين لم يمت.. المجر هى التى ماتت!". وقبل قيام الثورة المجرية بعدة أسابيع انسحبت المجر من التصفيات الأوليمبية لكرة القدم، ولم يعلن الاتحاد المجرى لكرة القدم إبان هذا الانسحاب، ولكن موسكو روجت أن المجر انسحبت بسبب ضعف الاعتمادات المالية.
ولم يكن هذا صحيحاً، ولكن الصحيح أن منتخب المجر فى تلك السنوات كان فى أوج مجده "مثل البرازيل بعد ذلك" كان مرشحاً لإحراز الميدالية الذهبية دون منازع، وعلى سبيل رد الاعتبار بعد ضياع بطولة كأس العالم التى أقيمت فى سويسرا عام 1954، كان فريق المجر آنذاك يعرف ب"الفريق الذهبى" وكان يضم إلى جانب بوشكاش، هيديكوتى "مدرب الأهلى القاهرى فى السبعينيات" وبوجيك الذى اخترع "الدوبل كيك" أو الضربة الخلفية المزدوجة، وكوتشيس ثانى أعظم هداف حتى الآن فى تاريخ كأس العالم وصاحب الرأس الذهبية، وهداف مونديال 1954 برصيد 11 هدفاً وهو رقم لم يتجاوزه سوى "فونتين" لاعب فرنسا برصيد 13 هدفاً فضلاً عن جروشينس وتسيبور. هذا الفريق اعتبر أعظم فريق فى كل العصور الكروية وفى الدنيا كلها، خلال دورة هلسنكى عام 52 فقد سحق الماكينات الألمانية 8/3 وألحق بها أسوأ هزيمة فى التاريخ فى الجولة الأولى بنهائيات كأس العالم عام 54.
ورغم ذلك التقى الفريقان مرة أخرى فى النهائى، وكانت المجر مرشحة بنسبة 1:9 ولكن أحداث المباراة كانت تفوق الخيال حيث سجل بوشكاش هدفاً من قذيفة من 40 ياردة بعد مضى 6 دقائق، وأضاف تسيبور الهدف الثانى بعدها بنصف ساعة، إلا أن ألمانيا قاومت ونجحت فى تسجيل ثلاثة أهداف! وقبل نهاية المباراة بدقيقتين سجل "بوشكاش" هدف التعادل، إلا أن الحكم ألغاه بناء على إشارة من مراقب الخط ، واحتج المجريون، وضاعت منهم الكأس وسط ذهول المراقبين لدرجة أن المانشتات الرئيسية لصحيفة "التايمس" البريطانية قال: "ألمانيا سرقت كأس العالم بمساعدة الحكم"!
هذا الفريق الذهبى الذى انتزع إعجاب العالم وتعاطفه، أغضب السوفيتيين، لذا صدر قرار بحرمانهم من المشاركة فى تصفيات الدورة الأوليمبية لأن القرعة كانت قد أوقعت السوفيتيين فى طريقهم، وكان متوقعاً سحقهم تماماً فى الطريق للميدالية الذهبية، على سبيل الاحتجاج ورد الاعتبار لبلادهم المحتلة. وقد انفرط عقد الفريق المجرى الذهبى الذى ضم أعظم نجوم العالم فى الخمسينيات، فقد هرب معظم نجومه إلى خارج المجر، ولجأوا للدور المجاورة!
ومن بين هؤلاء النجوم "كوبالا" الذى هرب من المجر تحت اسم مستعار إلى تشيكوسوفاكيا ثم هرب إلى إيطاليا تحت اسم آخر، وانتهى به المطاف إلى إسبانيا حيث لعب لفريق "برشلونة" المنافس التقليدى لريال مدريد، فكان أعظم لاعبيه كذلك فعل تسبور وكوتشيش أما بوشكاش الذى انتهى به المطاف فى إسبانيا أيضاً، فقد لعب لفريق "ريال مدريد" وشكل مع "ديستفانو" أعظم ثنائى فى تاريخ الكرة، حيث قاد الاثنان ريال مدريد لأعظم إنجاز فى القرن العشرين وهو الفوز ببطولة أوروبا خمس سنوات متتالية منذ عام 1956 وحتى عام 1961، ولكن انضمام بوشكاش لريال مدريد لم يكن سهلاً، فقد ضغط السوفييت على الاتحاد الدولى لكرة القدم "الفيفا"، لمنع بوشكاش من اللعب لريال مدريد بدعوى أنه هارب من محاكمة عسكرية "عادلة" فى بلاده التى كانت تحتلها القوات السوفيتية، وبالفعل تباطأ "الفيفا" فى السماح بقيد بوشكاش لريال مدريد، إلا أن الأخير احتج وطالب بمعاملة بالمثل مع فريق برشلونة الذى سمح له "الفيفا" من قبل بقيد "كوبالا"، فوافق "الفيفا" على قيده فى بداية عام 1958. وبوشكاش هو أول وآخر لاعب يسجل "هاتريك" مرتين فى نهائى بطولة أوروبا عامى 1960 و1962- أى ثلاثة أهداف فى مباراة واحدة- كما سجل هاتريك ثلاث مرات مع منتخب المجر الذهبى.. وتلك قصة آخرى!
وقبل ألعاب ملبورن الأوليمبية فى استراليا عام 1956 وقعت أزمات أخرى جنوب أفريقيا كانت تسحق السود، ورئيس وزرائها "جوهانسون جيرهاردز" طالب بسيادة كاملة للبيض على البلاد واتخذ من الإجراءات الحكومية ما يجعل 12 مليوناً من الزنوج وأبناء الوطن الأصليين تحت التحفظ لخدمة البيض.
وفى كينيا قامت ثورة، أسفرت عن مقتل 1500 من السود على أيدى القوات البريطانية، بينما احتجز 70 ألفاً منهم فى معسكرات الاعتقال وهو ما أدى لغياب أعظم فريق من العداءين الكينيين أبطال المسافات المتوسطة عن المشاركة فى الدورة.
وفى المكسيك كان "فيدل كاسترو" يقوم بعملية "إحماء وتسخين" لثورة ضد الجنرال "خوان باتستا" فى كوبا، وقامت ثورة العصيان فى بولندا، وفى تحليلها لأسباب الثورة ذكرت صحيفة مجرية أن السلطات الروسية، تجمع الفلاحين فى القرى والمقاطعات لإجبارهم على القيام بأعمال السخرة والتعاون مع الحزب الشيوعى.
وقالت إنه فى مقر الحزب يصطف الفلاحون المتمردون أمام سكرتير الحزب لكى يقنعهم بالتعاون مع زملائهم بأن يسألهم التعاون ثم يمنحهم مهلة للتفكير من 5 إلى 20 دقيقة بينما وجوهم متجهة للحائط.. ولكن قبل أن يديروا وجوههم للحائط، يكون قد سحب مسدسه من درج مكتبه، وضغط على الزناد برفق ليجعله فى وضع الاستعداد ثم يضعه فوق المكتب!
وفى ألمانيا الشرقية نظم 5 آلاف عامل مسيرة احتجاج فى برلين ضد الشيوعية، وواجهوا الدبابات الروسية بالعصى والحجارة، وأسفرت المظاهرات عن مصرع 569 وإصابة 1742 مواطناً.
وسط هذا المناخ المرعب بدأت "ألعاب ملبورن" الأوليمبية تحت شعار "النبل والشرف والسلام الدولى"، وفى يوم افتتاح الدورة نشرت وكالة "اسوشيتدبرس" تقريراً سياسياً موجزا، عن المشاكل المتوقعة فى الدورة ولخصتها فى الآتى:
أ- التهديدات المتبادلة بين الصين الشعبية والصين الوطنية.
ب- المجريون المهاجرون من استراليا نظموا مظاهرة احتجاج ضخمة ضد الاتحاد السوفيتى.
ج- هناك تخوف من تأييد استراليا للعدوان الثلاثى على مصر، ومن مشاركة فرنسا وبريطانيا فى الدورة.
وقالت الوكالة إن الدورة تفتح اليوم فى مناخ حرب بسبب القتال الدائر الآن فى مصر. وأعلنت الصين الشعبية انسحابها احتجاجاً على اشتراك الصين الوطنية فى الدورة. كما أعلنت العراق ولبنان انسحابهما احتجاجاً على العدوان الثلاثى على مصر. وأعلنت هولندا وسويسرا وإسبانيا الانسحاب احتجاجاً على الغزو السوفيتى للأراضى المجرية. واجتمعت اللجنة الأوليمبية الدولية وأصدرت بياناً ضد الانسحابات، وذكرت أن السياسة تهدد الألعاب الأوليمبية والحركة الأوليمبية، وطالبت باحترام المشاركة وفقاً للمبادئ الأوليمبية.
وقال "أفرى برونداج" رئيس اللجنة فى تصريح لوكالات الأنباء: كل إنسان متحضر فى العالم تألم لمأساة المجر، لكن تدمير المجر لا يبرر تدمير الألعاب الأوليمبية أيضاً. وأعلن "أوتوماير" مستشار اللجنة أن الرياضة يجب أن تعلو فوق الأحداث والأزمات السياسية. ولكن هذه التصريحات قوبلت بسخرية واستهجان من رئيس اللجنة الأوليمبية الهولندية "د. لينشروست هومان" الذى قال: كيف تعلو الرياضة فوق ما حدث بالمجر، وماذا لو أن شعوبنا قتلت وقال أحد الأشخاص إن الرياضة يجب أن تعلو فوق هذه المجزرة! ولم يشر السيد "لينشروشت" إلى المجزرة التى كانت تجرى فى مصر ولو بكلمة واحدة على يد العدوان الثلاثى.
وبدأت المنافسة الأوليمبية واستؤنفت الأزمات السياسيات والحروب داخل الملاعب ولكن بأسلحة أخرى.. إذ صعد الفريق السوفييتى إلى الدور قبل النهائى لملاقاة الفريق المجرى فى بطولة "كرة الماء"، وتحولت المباراة إلى ساحة معركة بدون دبابات هذه المرة، وصار حوض السباحة بركة من الدماء! وأوقف الحكم "السويدى" المباراة غير مرة، واستدعيت قوات الأمن للحيلولة دون اقتحام حوض السباحة وتحطيم الزجاج الذى يحيط به ومنع الجماهير الغاضبة من الاعتداء على لاعبى الفريق السوفييتى، وانتهت المباراة بفوز المجر 4/2 وسط صياح وهتافات المتفرجين من كل الجنسيات، وصعد الفريق المجرى للمباراة النهائية وفاز بالميدالية الذهبية وكانت أغلى ميداليات الدورة، لأنها الميدالية الوحيدة، التى فاز بها المتفرجون.
وفى اليوم التالى نشرت "نيويورك تايمز" "غزو موسكو" أن المجريين نجحوا فى غزو موسكو عن طريق سيدنى انتقاماً لغزو المجر. أما الدماء التى سالت وجعلت حوض السباحة بركة دماء.. وأما الضحايا من الجانبين، فقد كانوا جميعاَ ضحايا لكبار الكباتن، كباتن السياسة الذين يديرون الملعب الكبير من الكرملين.. والبيت الأبيض! ولم تكن تلك المعركة الدموية التى دارت بين فريقين أوليمبيين وتحت مظلة المبادئ الأوليمبية سوى جرس إنذار يبشر بالخطر القادم لمعارك أخرى دارت رحاها فى ميدان الرياضة، فقد صارت الألعاب الأوليمبية جسراً للشعوبية أو الشيفونية، وفى الاتجاه المضاد تماماً للحركة الأوليمبية والمعاكس تماماً لمبادئها. صحيفة "برافدا" السوفييتية نشرت مانشتاً فى اليوم الأخير لدورة ملبورن يقول: روسيا انتصرت على أمريكا فى "حرب الذهب".. وكانت الصحف الأمريكية قد استخدمت تعبير "حرب الذهب" قبل بداية الدورة كعنوان لتحليل فى صيغة سؤال من يكسب "حرب الذهب"؟!
ولم تخل دورة ملبورن من مفارقات ومخالفات قانونية ذات دلالات سياسية! ففى الوقت الذى انسحبت فيه الدول العربية احتجاجاً على العدوان الثلاثى على مصر، وفى الوقت الذى كانت فيه الجيوش الفرنسية تشارك الجيوش الصهيونية والبريطانية الغازية، وفى الوقت الذى كانت فيه مدينة بورسعيد تدافع ببسالة عن أرضها.، فى هذا الوقت كان الاستعمار الفرنسى فى شمال أفريقيا يحول دون مشاركة دول الشمال الأفريقى فى الألعاب الأوليمبية، وكانوا يمنحون الأبطال الدوليين الجنسية الفرنسية لإضافة انتصارات مزيفة وميداليات مزورة لفرنسا، ووقعت كبرى الجرائم فى سباق الماراثون حين هزم العداء التشيكى الفذ "إيميل زاتوبيك" فى هذا السباق على يد البطل الجزائرى "ميمون عكاشة" ولكن الميدالية الذهبية الغالية آلت إلى فرنسا وقيدت فى رصيدها لأن اللاعب كان يحمل الجنسية الفرنسية مكرهاً ولو كان البارون كويرنان على قيد الحياة وقتها لاتهم فرنسا بالسرقة، ولطالب بمحاكمة لصوص الميداليات الذهبية!
وحتى هذا التاريخ "دورة ملبورن 1956" لم تكن دول الشمال الأفريقى قد انضمت لعضوية اللجنة الأوليمبية ولا شاركت فى الألعاب الأوليمبية بسبب الاستعمار فقد تأسست اللجنة الأوليمبية التونسية عام 57 وشاركت لأول مرة فى دورة روما عام 60، وشاركت المغرب فى نفس الدورة لأول مرة بينما شاركت الجزائر لأول مرة فى دورة المكسيك الأوليمبية عام 1968 وبعد 12 سنة من فوز أحد أبطالها بميدالية ذهبية أوليمبية.
على أن دورة "ملبورن" لم تخل أيضاً من أزمات سياسية لأسباب تحكيمية! فقد احتجت أمريكا على الحكام واتهموهم بالتحيز لروسيا خاصة فى مسابقة الغطس، وكان الغطاس المكسيكى "جواكين كابيلا" قد كسر الاحتكار الأمريكى لبطولات الغطس من "السلم الثابت" منذ دورة أنفرس "أنتويرب" عام 1920 وفاز بالميدالية الذهبية.
وقال الأمريكيون: إذا كانت المباريات بين روسى وأمريكى، فلا يمكن الفوز للأمريكى بفارق ضئيل من النقاط، لابد أن يكون الفوز ساحقاً كى يعترف الحكام بتفوق أمريكا! أفرى برونداج رئيس اللجنة الأوليمبية علق على ذلك قائلاً: إن حكام هذه الدورة يجب أن يحصلوا على "جائزة" نوبل للسلام! ولكن قبل بداية الدورة بأيام قليلة شهد مطار ملبورن مظاهرة دراماتيكية مع وصول بعثة المجر المكونة من 91 شخصاً.
وصلت الطائرة فى ساعة مبكرة من الصباح بينما كان هناك أكثر من 2000 مواطن يمثلون نصف أعضاء الجالية المجرية فى استراليا كانوا يفترشون الأرض طوال الليل فى انتظار وصول فريقهم وفى اليوم السابق كانوا قد أحرقوا أكثر من مائة علم من أعلام المجر "الشيوعية" داخل القرية الأوليمبية احتجاجاً على الغزو السوفييتى لبلادهم.
وحين وصلت الطائرة وبدأ أفراد البعثة المجر يترجلون منها.. راح المجريون داخل المطار يزأرون بهتاف تقليدى قديم لجماهير الكرة المجرية وهو: "هيودج.. هيودج.. هاجرا".. "HUJ.. HUJ.. HAGRA" كان الهتاف مثل زئير الأسود الذى يهز أركان وزجاج شرفات المطار وكان يسمع على مسافة بعيدة من المطار.. وكأنه صياح المعركة!
أخبار متعلقة..
سعيد وهبة يكتب: أزمة سياسية بين البرازيل وأمريكا بسبب "بيليه"!
سعيد وهبة يكتب: تسيس الأولمبياد.. اختراع ألمانى بدأه هتلر حينما تمسك بلافتات "ممنوع دخول الكلاب واليهود"
سعيد وهبة يكتب: زواج الكورة والسلطة.. (الحلقة الأولى )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.