سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سفير مصر السابق فى واشنطن يكشف أسرار الموقف الأمريكى من ثورتى "25 يناير" و"30 يونيو".. سامح شكرى: واشنطن فوجئت بثورة يناير.. وغير مقبول سياسيا عدم تعيين سفير لها فى مصر حتى الآن
كان سفيرا لمصر فى العاصمة الأمريكية، واشنطن وقت اندلاع ثورة يناير 2011 والإطاحة بالرئيس الأسبق، حسنى مبارك، فأتاح له ذلك أن يكون شاهدا على لحظات فارقة فى تاريخ مصر الحديث. "اليوم السابع" التقت سامح شكرى، سفير مصر السابق لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية والذى يتحدث فى حواره عن تلك الفترة وعن الموقف الأمريكى من ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فإلى نص الحوار: ما أبرز التحديات التى واجهتها كسفير لمصر لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى ضوء تسريبات ويكيليكس التى سربت فى مارس 2011، إذ أعربت برقية دبلوماسية أمريكية صادرة من بعثة الولاياتالمتحدة فى الأممالمتحدة بجنيف، سويسرا عن قلقها من صلابتكم. وتقول البرقية الصادرة فى 2 يوليو 2008 إن التحفظات على شكرى تجسدت بوضوح فى عمله بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وإن الوفد المصرى هو من أكثر الوفود صعوبة فى التعامل؟ سامح شكرى: ما نشر فى ويكيليكس كان سابق لتوليتى مهمتى فى واشنطن، وكان تقييم السفير الأمريكى فى جينيف بعد الإعلان عن ترشيحى، وفى الحقيقة لم يكن له أى أثر، وبالأحرى لدى، بل على العكس، شعرت بنوع من التقدير لخبرتى المتراكمة للمناصب التى توليتها من قبل، وكان هذا الانطباع لدى السفير الأمريكى ناتج عن سوء تقدير منه، فليس من المتصور أن يعمل مندوب مصر فى جينيف لغير المصلحة المصرية. وفى الكثير من الأحيان لم تتوافق المصلحة الأمريكية مع المصرية، ومصر تولت فى فترة عملى فى جينيف رئاسة المجموعة الإفريقية لفترتين متتاليتين فى مجلس حقوق الإنسان كما شاركت فى منظمات أخرى وكنا نعبر عن المصلحة المصرية وعن مصالح الدول النامية، ومن هنا كان الوفد المصرى مؤثر وناجح فى كثير من مواقفه وقراراته فى الكثير من القضايا خاصة القضية الفلسطينية وقضايا حقوق الإنسان. وأخذ السفير هذه المواقف ربما بشكل شخصى لأنه لم ينجح فى تحقيق بعض الأهداف الأمريكية ومن ثم جاء هذا الوصف منه. وما نشر فى الويكيليكس يؤكد أن الوفد المصرى فى جينيف كان يعمل بكفاءة عالية. كنت سفيرا لمصر فى واشنطن وقت اندلاع ثورة 25 يناير، كيف تعاملت أمريكا من وجهة نظركم مع مبارك، وكيف ترى الموقف الأمريكى، هل تلقيت اتصالات من الإدارة الأمريكية لتشرح لهم الأمر؟ وكيف استقبلت الأنباء عن الثورة، هل توقعت هذه النهاية؟ الولاياتالمتحدة فوجئت بدون شك بثورة 25 يناير، إذ لم يكن لديها توقع بأن تسفر مظاهرات 25 يناير وما أعقبها عن هذا التطور وهذا أمر تشهد عليه التصريحات الأولية للوزيرة هيلارى كلينتون عندما دعمت نظام الحكم فى مصر ووصفته بأنه نظام راسخ وقوى ثم مع ظهور حجم المظاهرات والزخم الذى حظيت به مع ازدياد عدد المتظاهرين والمطالبة بتغيير النظام، بدأت الولاياتالمتحدة تتخذ موقفا أقرب إلى الثورة وإحداث التغيير. وظهر الرئيس الأمريكى فى منتصف الطريق ليطالب برحيل الرئيس الأسبق وأصبحت الولاياتالمتحدة تناصر أهداف الثورة وتناصر الإرادة الشعبية. وفى الحقيقة كانت الفترة مشحونة بالتفاعلات والعواطف خاصة بالنسبة إلينا فى السفارة المصرية فى واشنطن لأننا كنا نتابع بشكل مستمر ما يحدث فى القاهرة وكنا لابد أن نلعب دورنا المهنى فى الحفاظ على قنوات الاتصال قائمة بين الإدارة المصرية فى ذلك الحين ونظيرتها الأمريكية لنقل رسائل متبادلة ما بين الطرفين لتوضيح الصورة للجانب الأمريكى فى غضون ال18 يوما للثورة. وكان هناك تحركات سياسية، وخطابات للرئيس الأسبق وتعيين لنائب الرئيس الذى بدء بدوره حوارا سياسيا كان له عناصره، وهذه التطورات كان من الأهمية نقلها إلى الجانب الأمريكى واستطلاع مدى تفهمه له ورؤيته إزاءها، فالعلاقات المصرية الأمريكية علاقات وثيقة. وكان على كسفير مصر فى واشنطن أن أظل قريبا من دائرة صنع القرار فى الولاياتالمتحدة وفى مصر، لتظل القنوات مفتوحة. ما هى أبرز الرسائل التى نقلتها من الإدارة المصرية للولايات المتحدة فى ذلك الوقت؟ الحقيقة كانت الإدارة المصرية فى حالة ارتباك كبيرة ولم تخاطب (الأولى) عن طريق السفارة فى واشنطن الإدارة الأمريكية بشكل مباشر برسائل لطلب الدعم أو لاستخلاص موقف الولاياتالمتحدة، وكان هناك قصور فى هذا لعدم دراية المسئولين بما ستسفر عنه هذه الأحداث، ولم يتخذ موقف بعينه ولم يكن هناك مطلب معين وصل إلى نقله للجانب الأمريكى. أما الجانب الأمريكى، فكان حريصا على أن يظل ينقل مواقفه المتطورة إزاء القضية فيما يتعلق بالمطالبة برحيل الرئيس أو الصياغة التى قد تتم من خلالها تغيير نظام الحكم. وهذا ما استشعرته خلال لقاءاتى فى البيت الأبيض، فهذه كانت الرسالة، فرسالتى كانت شرح ما يجرى من تحركات سياسية فى مصر. ومن جانبهم كانوا يدعمون مطالب الثورة يبغون نوع من الانتقال السلمى للسلطة يؤدى إلى حقن الدماء والاستجابة للمطالب الثورية والإصلاح السياسى، وللأسف ما وصلنا من شروحات رسمية فيما يتعلق بالأحداث أو دوافعها لم تكن مقنعة بشكل يدفعنى أن أنقلها لأنها لم تكن ترقى إلى رسالة سياسية بقدر ما هى محاولة إعلامية لتصوير الأحداث بشكل منافى للواقع. رأى البعض أن الإدارة الأمريكية تخلت عن حليفها المتمثل فى نظام مبارك، كيف رأيتم ذلك؟ بالتأكيد. تخلت عنه عندما طالبت برحيله. وحقيقة الأمر، أنا أتحفظ بعض الشىء على استخدام لفظ "تخلت عن"، لأننى لا أستطيع أن أقول إنها تخلت عنه إلا إن كانت لديها القدرة لإبقائه، ولم تكن لديها هذه القدرة أو السلطة أن تستبقى مبارك فى الحكم وبالتالى هى تماشت مع التيار الشعبى والإرادة الشعبية الجارفة ولم تكن لديها إلا أن تذهب فى هذا الاتجاه. تابعتم اندلاع ثورة ال25 من يناير وأنتم فى واشنطن، كيف كان شعوركم، وكيف تصفها، وما أصعب المواقف التى واجهتموها آنذاك؟ طبعا كانت حدثا تاريخيا، وإن كان وصفها هكذا دارجا ولكنها بالطبع حدث لم يكن يتوقعه أحد، وكانت محل فخر أن يعبر الشعب بهذا الشكل القوى عن إرادته ويناصر مبادئ الإصلاح والعدالة الاجتماعية وأن يتطلع لمستقبل أفضل، ولكنها كانت مليئة بالاضطراب خصوصا عند متابعتها عن بعد وبمعزل عن المشهد بشكل مباشر، فهذا كان أمر يدعو للقلق. والخوف من أن تسيل الدماء فى المواجهات، وأتذكر جيدا ليلة انقطع فيها الإرسال عن ميدان التحرير، وكانت محل لمواجهات وتراشق بالحجارة ومولوتوف من البلطجية وقوات الأمن، وبالطبع نعرف الآن من الطرف الثالث، وربما كان هناك من يؤجج هذا الصراع ويتخذ أعمال العنف لتحقيق مصلحة بعيدة عن أهداف الثورة. وسهرت فى هذه الليلة حتى الرابعة صباحا لاستيضاح الأمر والتحدث مع مسئولين فى مناصب هامة واطمئن أن الأمور لم تتخذ المنحى الذى تصورته عند قطع الإرسال التليفزيونى، وبعدها تأكدت أن الثورة تسير لتحقيق أهدافها. هل حققت ثورة ال25 من يناير أى من أهدافها من وجهة نظركم؟ الكثير من الأمور لا تزال معلقة والأحداث التى تمت خلال المرحلة الانتقالية والاضطراب السياسى الذى تم فى ذلك الحين، جعلت النظام الذى أدى إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية أن يبتعد عن الأهداف الرئيسية للثورة ويركز على تحقيق المصالح الحزبية أو الفئوية. واستفادت من ذلك، جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بشكل واسع وأدت إلى مزيد من الاضطراب خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسى والفشل الذى كان واضحا فى إدارة أمور الدولة وتحقيق مصالح الشعب المصرى، ومن الواضح أنه ليس هناك رغبة حقيقة فى تنفيذ أهداف الثورة وانتهاج سياسات تؤدى إلى العدالة الاجتماعية، بل كانت القرارات تذهب إلى عكس ذلك وفرض وصاية ونوع من الحكم الشمولى أخر على الشعب المصرى. وصف البعض ثورة ال30 من يونيو بأنها تصحيح لمسار ثورة 25 يناير، هل ترى ذلك؟ هى تصحيح لأنها أزالت حكم الإخوان المسلمين الذى كان واضح فشله. وهى فى طريقها إلى تحقيق الأهداف من خلال خارطة الطريق والعودة إلى وضع دستور يحقق مطالب الشعب المصرى، وعندما نرى النتاج النهائى للدستور نستطيع أن نحكم عليه وما ستسفر عنه لجنة الخمسين سيكون فى إطار تحقيق أهداف الثورة. وثورة 30 يونيو لم تكن فقط لإزاحة فصيل عن الحكم وإنما لإزاحته لأنه اعتدى على تطلعات الشعب. وخارطة الطريق بادرة على العودة إلى تلك الأهداف إذا ما أخلصنا فى تطبيقها. ومن الهام أن نحصل من الدستور على الضمانات الكاملة التى تمنع حدوث أى تجاوز والخروج عن الإطار الديمقراطى الصحيح فى التنفيذ.ولكن لابد أن نسير من خلال إجراءات ديمقراطية سليمة للوصول إلى المرحلة المقبلة، ومن خلال انتخابات شفافة لضمان التطبيق السليم لمبادئ الديمقراطية، ولا توجد ديمقراطية بالعالم ليس لها سلبيات. فى رأيكم متى يستشعر المصريون بنتاج ثورة 25 يناير؟ من الصعب التكهن. لكن لدى أمل أن تشهد مصر استقرار خلال العامين المقبلين مع وجود رئيس منتخب وبرلمان ومؤسسات قادرة على توفير الاحتياحات للشعب، ولكن لابد من أخذ الأمور بصورة واقعية وأن نعترف بضخامة الحدث سواء فى 25 يناير أو 30 يونيو، فمثل هذا التحول الجذرى فى مجتمع سار على مدار ستة عقود على وتيرة نظام به الكثير من السلبيات أدت إلى نقطة 25 يناير كما كان به الكثير من الإنجازات أيضا، ولكن أيضا أملى أن العصر الذى نعيش به مع رواج وسائل الاتصال ومع التقنيات الحديثة وسرعة وتيرة المجتمعات أن يكون مؤشرا على قدرتنا على تجاوز بعض العثرات بصورة أسرع، وأن يتم هذا التحول الاجتماعى الشامل فى فترة زمنية أقصر مما كان عليه فى عقود سابقة. انتشرت فى أواخر عهد الرئيس الأسبق مبارك تقارير إعلامية تفيد باستخدام جمال مبارك لشركات دعائية أمريكية عند زيارته لواشنطن، وبعد ذلك انتشرت نفس التقارير التى تفيد بانتهاج الإخوان المسلمين لنفس النهج، ما تعليقكم على ذلك؟ فى عهد الرئيس الأسبق، كانت للحكومة المصرية ارتباط مع شركتين فى الولاياتالمتحدة، شركة "لوبيست" أو مسايسة لدعم جهود السفارة فيما يتعلق بالنفاذ إلى الدوائر الرسمية الأمريكية سواء من الكونجرس أو الإدارة ربما كان تركيزها أكثر على الكونجرس لأن هذه الشركات عادة ما تشكل من أعضاء سابقين فى الكونجرس وبالتالى يكون لهم نفاذ على دوائر الكونجرس للمعرفة الشخصية ولمعرفتهم بإطار عمل هذه المؤسسة التشريعية وهذا مألوف لدى الكثير من السفارات العربية أو الغربية أو الإفريقية فى واشنطن التى تلجأ إلى هذه الشركات لدعم مصالحها لفتح قنوات اتصال لدعم ما تتخذه السفارة أو الحكومة المصرية من قرارات وتعريف المجتمع الأمريكى بها. أيضا كان هناك ارتباط عقب الارتباط مع شركة المسايسة، وهذه الشركة لم تكن فى عهدى فقط ولكن فى عهود سابقة ممتدة على مدار ال25 سنة الماضية، ودائما السفارة المصرية لديها شركة مسيسة تتعاقد معها للقيام بهذا العمل، وهذا شىء كما قلت فى العاصمة الأمريكية. ولكن لتحقيق أى هدف؟ لدعم أهداف الحكومة المصرية فى الولاياتالمتحدة من حيث التعريف بالسياسات وتعضيد العلاقة المصرية الأمريكية، والقدرة على استخلاص والتعرف على وجهة النظر الأمريكية وكيف يتأثر القرار الأمريكى، واللغة التى قد تكون أكثر قبولا لدى الجانب الأمريكى. أما الشركة الأخرى التى تعاقدنا معها كانت شركة فى مجال الترويج الإعلامى، ودورها هو محاولة النفاذ إلى دوائر الإعلام وطرح وجهة نظر مصر إزاء القضايا السياسية سواء الداخلية أو الخارجية فى الإعلام الأمريكية بحيث تشكل رأى عام مساند وإبراز وجهة النظر المصرية فى الدوائر الإعلامية. ومدى نجاح هذا المسعى فى مجتمع مثل الولاياتالمتحدة يتسم بالانتشار والتعدد والنفاذ المباشر مهمة صعبة ولكنها تعتبر عنصر مساعد لعمل الحكومة والسفارة. ولكن ليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بأهداف خاصة مثل زيارات جمال مبارك، وإنما هى وظفت من خلال زياراته سواء قبل ما أتولى مسئوليتى، أو بعدها. وفى الحقيقة زار جمال مبارك الولاياتالمتحدة مرة واحدة خلال فترة مهمتى كسفير وجاء فى إطار مسئولياته كقيادى فى الحزب الوطنى والتقى مع المسئولين الأمريكيين بهذه الصفة، وشاركت المسايسة فى ذلك الوقت وكانت قريبة من الزيارة من حيث الترتيب والتحضير لبعض اللقاءات مع المسئولين فى الكونجرس، كما كان يحدث مع أى مسئول سياسى. ولكن تعاملت وسائل الإعلام الأمريكية فى ذلك الوقت كأنها تكشف سرا لا أحد يعلمه، وتعاملت مع الأمر باعتباره شيئا غريبا! حقيقة الأمر، ينبغى أن تكون هناك شفافية أكبر، وإن كان هذا أمرا متعلق بالأداء المهنى فلا أتصور أن تخرج وزارة الخارجية وتلعن بشكل متعمد قائلة تعاقدنا اليوم مع شركة مسيسة لأن الأمر لا يعنى الكثير للرأى العام المصرى، فهى أداة مكملة للسفارة وداعمة لها فى نشاطها ودعم المصلحة المصرية. وأثارت زيارة جمال مبارك الأولى بعض الريبة، وكانت قبل أن استلم مهام عملى، وذلك لأنه لم يعلن فى مصر عن زيارته وتناولتنها وسائل الإعلام بشكل من المصادفة وهذا بالطبع يثير شكوك وبلبلة لأنه فى ذلك الحين كان يتولى منصب ولم يكن هناك غضاضة من أن يعلن عن سفرياته. ماذا عن الموقف الأمريكى بالنسبة لثورة ال30 من يونيو وما تلا ذلك من توتر فى العلاقات بين البلدين، وتعليق جزء من المساعدات العسكرية؟ الموقف الأمريكى يتسم بالكثير من الاضطراب والتخبط وخلال المرحلة الانتقالية الأولى أيضا كان هكذا، وقضيت آخر عامين من مهمتى وحتى رحلت تقريبا فى المرحلة الانتقالية وفترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورغم أن الولاياتالمتحدة أعلنت تأييدها لأهداف الثورة وانتقال نظام الحكم من خلال الدستور والانتخابات، إلا أن هناك كان تأرجحا فى التعبير عن هذا الدعم بشكل عملى وسمعنا وعود كثيرة منها حتى أن الرئيس الأمريكى ألقى خطابا فى أبريل رئيسى اشتمل مصر، وأعلن من خلاله حومة من المساعدات الاقتصادية فى وقت كانت تعانى فيه مصر اقتصاديا، وذهبنا إلى محاولة تفعيل هذه الوعود، ولكن شعرت بقدر من التردد والتحفظ على تنفيذ تلك الوعود وكنت أدعو الجانب الأمريكى دائما أن يظهر الصداقة الأمريكية خلال هذه الفترة الحاسمة بصورة يستشعرها رجل الشارع وليس مجرد الحديث عن التوافق الاستراتيجى والمصلحة الإقليمية ولكن كان هناك قدر من الانتظار لما ستسفر عنه المرحلة الانتقالية. وأيضا اتسمت هذه المرحلة بالبحث الحثيث عن الوضع فى المستقبل وإقامة علاقة مباشرة مع تيار الإسلام السياسى فى مصر، وكل هذا وضع الولاياتالمتحدة فى موضع الانتظار ولم يؤد إلى تفعليها لكثير من الوعود وكان لذلك تأثير على مدى جدية الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بمصر. أما عن الانطباع الذى ظهر بأن واشنطن داعمة بشكل رئيسى للرئيس مرسى وحزب الحرية والعدالة وابتعادها عن اتخاذ مواقف بها انتقاد مثلا للإعلان الدستورى بما يتنافى بما تعلن عنه بأن تشهد فى مصر تفاعل سياسى وتوجه نحو حماية الحريات وحقوق الإنسان وخلافه. ولم تتخذ من المواقف العلنية التى كانت تتخذها فى فترة الرئيس مبارك والمجلس العسكرى. وكان هناك توافق فى المجتمع المصرى بأنها سياسيات غير متسقة مع الديمقراطية أو الحريات أو حقوق الإنسان أو إرساء حكم ديمقراطى فى مصر. وساد الانطباع بأن هناك تفاهم ومصلحة أمريكية باستمرار هذا النظام فى الحكم. وأثار الفكر فيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية وإذا كانت الأحداث فى مصر وتونس وليبيا وسوريا والبحرين عبارة عن شبكة متصلة من المسعى لدول بعينها ربما الولاياتالمتحدة أن يتم تحول إقليمى يصب فى مصلحتها. وهنا أخذ على الولاياتالمتحدة أنها تركت هذا الانطباع ولم تبرهن على أن تنفيه ولم تتخذ من الإجراءات ما يدعم مصداقيتها ومن ثم تآكل مركز الولاياتالمتحدة فى الشارع المصرى. وهناك عبأ على الولاياتالمتحدة أنها لم تواجه هذا الانطباع بل بالعكس هناك من التصرفات من قبل السفارة الأمريكيةبالقاهرة رسخته بدلا من أن تنفيه أو تبرهن على عدم صخته. وهذا أدى إلى نوع من الاضطراب والتوتر فى العلاقة وأخذ شكله الأكبر بعد أحداث ثورة 30 والزيارات التى تمت والحديث عن المصالحة والحديث فى شأن داخلى مصرى فى محاولة إلى توجيهه فى مسارات بعينها لم ير جموع الشعب المصرى أنها تلبى احتياجاته مما أدى إلى ترسيخ فكرة وجود مصلحة أمريكية فى رسم أحداث مصر والمنطقة، وأنها تحاول الضغط على السياسة المصرية. كما أن القرارات التى اتخذت من إلغاء النجم الساطع وتعليق المساعدات العسكرية وخلافه، لم تقدم الولاياتالمتحدة مبررا بشأنها للشعب المصرى عن هدف هذه الإجراءات، إذا كان الهدف هو أن تسرع مصر فى العودة إلى حكم ديمقراطى مدنى منتخب، فمن اليوم الأول من 3 يوليو وهناك خارطة طريق مؤداها هذا وليس هناك أى تباطئ وإنما خارطة الطريق يتم تنفيذها بالوتيرة التى وضعت عليها ولم يحيد عنها أحد ولم يتنصل منها أحد. وعلى الولاياتالمتحدة أن تفسر هذه التصرفات. وأتصور أن زيارة وزير الخارجية، جون كيرى الأخيرة، كان فيها إدراك بأن هذه السياسة لم تؤت بأى ثمار. ولا تستطيع أى حكومة أن تعبر عن إرادة غير إرادة شعبها، وإن كانت الأرادة الأمريكية أو الأوروبية لها توجه، فهو فى النهاية لتحقيق مصلحة وليس توجه نظرى بحت والمصلحة فى النهاية هى مصلحة الشعب المصرى وهو الذى يقر مدى نفعها له. ولم يحدث سوى الاضطرابات التى شاهدناها من قبل قطاع الإسلام السياسى أو الإخوان المسلمين التى لا ترقى بأى حال للإرادة الشعبية التى ظهرت فى 30 يونيو. ولكن هناك طابع إيجابى للزيارة، إذ كانت عودة للمسار الطبيعى فى أنها أقرت بأن خارطة الطريق تسير وكان هناك تعبرا ايجابيا عن أهمية العلاقات المصرية الأمريكية، وآمل أن تكون هذه بداية لإعادة المسار الطبيعى للعلاقات والولاياتالمتحدة دولة مهمة لا يمكن أن نغفلها، والعلاقات معها على مدار العقود الثلاثة أو أكثر الماضية حققت مصلحة حقيقة للشعب المصرى من خلال المساعدات والعلاقة القائمة معها فى المجال الاقتصادى وإصلاح البنية الأساسية فى مصر فى مجالات التعليم وهناك الكثير الذى تستطيع واشنطن أن تقدمه ولكن فى حالة ما توصلنا إلى تفاهم لأهمية هذه العلاقة وطابعها الاستراتيجى، وبقدر ما استخلصت مصر مصالح من هذه العلاقة، استفادت أيضا منها والمساعدات شق منها ولا تمثلها كلها ويعود على الولاياتالمتحدة نفع منها ربما أكثر مما يعود على مصر. ماذا عن التقارب المصرى الروسى وتأثير ذلك على العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية هل من الممكن أن تحل موسكو محل واشنطن فى مصر فى ظل تآكل نفوذها فى المنطقة، وهل من الممكن أن تثير هذه العلاقة قلقها؟ بالتأكيد توقيت الانفتاح المصرى على روسيا الاتحادية من شأنه أن يثير قلق الولاياتالمتحدة، وهناك حالة من الفراغ الذى حدث فى المعادلة السياسية الدولية ودائما هناك أطراف أخرى تحاول أن تملأ هذا الفراغ ولكن أيضا لا يستهان بأن لمصر علاقات تاريخية بروسيا ولا زالت رغم علاقتها الوثيقة مع الولاياتالمتحدة إلا أنها لم تهمل مع علاقاتها مع روسيا، وكانت هناك زيارات على مستوى القمة وزيارات متبادلة وعلاقات اقتصادية ليست بكثافة ما كانت عليه قبل 73، ولكن كان هناك دائما رغبة مشتركة من روسيا ومصر فى استمرار العلاقة التاريخية القائمة بينهما. ومصر تعيد الآن صياغة بعض من توجهاتها الدولية بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو وتكتسب من خلال إرادة الشعب المصرى حرية أكبر فى بلورة هذه السياسة لخلق توازن جديد فى سياستها تؤدى فى النهاية إلى تحقيق مصلحة الشعب المصرى، وهذا التوازن هو توازن طبيعى ينبغى أن تكون عليه السياسة الخارجية المصرية وأن تكون لها علاقات وثيقة مع الأطراف الفاعلة والمؤثرة دوليا. مع تأكيد أنه لا يوجد طرف بديل عن آخر، ومصر تستطيع أن تتعامل بحكم وضعها الإقليمى مع الأطراف المختلفة. هل تعتقد أنه بعد ظهور روسيا كحليف استراتيجى جديد، وبعد دعم دول الخليج لمصر بعد ثورة 30 يونيو أن مصر تخرج من تحت المظلة الأمريكية؟ مصر فى مختلف العهود كانت تتصرف بإرادة مستقلة إلى حد كبير حتى فى القضايا الإقليمية فمصر كان لها موقف مناهض من الحرب الأمريكية على العراق واحتلالها. وهذا ينطبق على ارتباطها بمحيطها الأفريقى والعربى وعدم الانحياز وقدرتها على أن تلعب وتنتهج سياسية إقليمية ودولية متوافقة مع انتماءاتها. ولا يمكن أن نصف أن مصر كانت خاضعة للإرادة الأمريكية، وهناك مواقف توافق فى المصلحة الأمريكية والمصرية. وهناك مبالغة فى الحديث عن الهيمنة الأمريكية. أما عن دعم دول الخليج لمصر فى هذه المرحلة، فهذا شىء مهم ويؤكد مدى الترابط فى العلاقات وتوافق المصالح العربية والدعم المتبادل أمر هام بالنسبة لمصر. كما أن العلاقة تبادلية، إذ يستخلص كل من الطرفين مصلحته بما يحقق أهدافه. كيف ترى زيارة القائم بالأعمال الأمريكى، ديفيد ساترفيليد لوزير الخارجية نبيل فهمى عقب يومان من انتهاء زيارة الوفد الروسى، وما تعليقكم على تغيير الإدارة الأمريكية للسفيرة آن باترسون؟ أتصور أن يلتقى وزير الخارجية مع السفير الأمريكى بناء على طلب سابق للزيارة وإنما تم تحديده فيما يعد لارتباطات وزير الخارجية. ولكن لتوقيت هذه الزيارة مغزاه، وأعتقد أن السفير أعلب الظن نقل للوزير موقف دولته وآمل أن تكون لزيارة كيرى وما عبر عنه خلال زيارته الأخيرة للقاهرة. وعلى الولاياتالمتحدة أن تتخذ إجراءات أكثر دلالة عن رغبتها فى عودة مسار العلاقات لطبيعتها وقوتها السابقة. أما عن تغيير السفيرة، وإن كانت هى قد قربت على انتهاء مدتها، فنظرا للانطباع السائد لدى جموع غفيرة من الشعب المصرى وعبروا عنه خلال 30 يونيو، كان هناك عدم ارتياح لبعض تحركات السفيرة أو مواقفها أو حديثها، الأمر الذى شجع الإدارة على اتخاذ قرارها، فعندما يصبح حول أى سفير مثل هذه التحفظات، وتكون حوله هذه القيود، فليس من المناسب الاحتفاظ به. وتعيين القائم بالأعمال أخذته فى الحقيقة بمحمل إيجابى، فالإدارة لم ترغب فى إدارة العلاقات من خلال القناة الطبيعية، وهى رقم اثنين فى السفارة وإنما عينت سفيرا قديرا له خلفياته سياسية وإنجازاته السابقة للتعبير عن اهتمام واشنطن بمصر وأن يظل على رأس إدارة العلاقات من القاهرة شخصية لها وزنها السياسى والمهنى. ولكنى فى الحقيقة لست متفهم طول فترة عدم ترشيح سفير، وتسمية سفير، فإن كانت الولاياتالمتحدة تتخذ ذلك كنوع من تعليق مستوى العلاقة وأنها لا ترغب فى الإعلان عن سفير لحين تتكشف الأمور، فهذا بالنسبة لى سياسيا غير مقبول. وأرجو أن تتخذ الولاياتالمتحدة خطوة إيجابية فى أنها تعلن عن مرشحها لأن هذا الترشيح يستغرق وقتا طويلا حتى يقره الكونجرس. وإطالة أمد عدم ترشيح سفير ليس يوجد ما يبرره، ولابد أن يقرأ مع طوله أنه عمل إرادى سياسى يهدف إلى التعبير عن سياسة معينة. وإن كان معناه أن الولاياتالمتحدة لا ترغب فى أن تعين سفير لحين انتهاء المرحلة الانتقالية، فهذا لا يصب فى إطار خدمة مصلحة إعادة العلاقات وإنما يخلق شكل من أشكال التحفظ على المرحلة الانتقالية. ولكى فى رأيى ليس له ما يستدعيه. ما هى المواصفات التى ينبغى أن تتوافر فى رئيس مصر القادم؟ أن يكون رجلا ذو فكر إصلاحى وأن يكون رجل دولة وأن يكون أثبت فى تاريخه القدرة على الإنجاز والإدارة وسعة الصدر والأفق للإقدام على إصلاح سياسى اقتصادى شامل يؤدى إلى أن مصر تنطلق وذلك ضرورى فى المرحلة القادمة، أن يكون هناك شخص قادر على القيادة ويحظى بثقة الشعب وأن يعمل من خلال الإطار الدستورى الذى يضعه القانون وأن يكرس هذا الحكم من خلال الامتثال لمؤسسات الدولة التى تشرف وتنظم عمل الرئاسة. هل تعتقد أن السيسى يصلح للمرحلة المقبلة؟ ما بدر منه، من تحمل مسئولية واستجابة لإرادة الشعب المصرى، وما يحظى به من شعبية جارفة، وكل المواقف التى شاهدنا فيها الفريق السيسى تدل على أنه شخصية فريدة. وأعتقد أنه لديع الكثير من المقومات التى تؤهله.