منذ أيام قليلة بدأ عرض فيلم "ليلة البيبى دول" لأول مرة على قناة art سينما، وهو الفيلم الذى أثار العديد من الانتقادات عند عرضه على شاشات السينما قبل عام مضى، وكان العرض التلفزيونى فرصة لمشاهدة الفيلم برؤية أكثر تعمقاً. أراد صناع الفيلم توصيل صرخة احتجاج على الواقع العربى والعالمى فى الستة عقود الأخيرة من خلال ليلة واحدة فقط، يتساءل الفيلم من خلالها هل سيتغير وجه العالم؟. وعلى عكس ما أثاره بعض النقاد من عدم وضوح الفيلم أو صعوبته وازدحامه بالأحداث والقضايا، نجد أن الفيلم لم يقدم سوى قضايا مترابطة عضوياً أو هى بالأحرى قضية واحدة، عزف الفيلم على تنوعاتها الكثيرة. طرح الفيلم قضية هيمنة القطب الواحد، صوت واحد يسيطر على العالم، هو صوت الولاياتالمتحدة وصغيرتها المدللة إسرائيل، يحمل إلى العالم حرب مزعومة ضد ما سمته إرهاباً، فى ظل سعيها الدائم للبحث عن عدو يجسد كل شرور العالم، وتبرر من خلاله فرض إرادتها على الآخرين. من خلال خلط حقيبتى بطلى الفيلم، والتى تحمل أولاهما الأمل فى الغد، والثانية نية الثأر على ظلم غاشم وقع فى الماضى، طرح الفيلم بانوراما للواقع العربى المرير من خلال لقطات سريعة تذهب وتعود بين الماضى والحاضر بشكل مكوكى آخاذ. قدم الفيلم وجهات النظر المختلفة للبشر من مختلف الأعراق والثقافات، أجبر المشاهد على التعاطف مع القهر العربى فى شتى أقطار الوطن، كما أجبره على التعاطف مع يهود الهولوكوست، وقائد المارينز الأمريكى، الذى يؤمن بأنه ضحى بسعادته وبأسرته ليحمل روحه على يده من أجل تحرير بقعة نائية من الأرض. استطاع المخرج أن يؤثر على المشاهدين بقصص أثارت البكاء لأبطاله "عوضين" نور الشريف، و"ليلى خورى" غادة عبد الرازق، و"سارة" ليلى علوى، بينما جاءت قصة "ثريا"، التى قامت بدورها نيكول سابا زميلة حسام فى الجامعة كقصة ملفقة ومحشورة فى السياق جعلتنا نتساءل "هما كل اللى فى الفيلم راحوا فلسطين ولا إيه؟!"، خاصة مع ظهور نيكول سابا بكامل زينتها وهى تصور المذابح الفلسطينية، ثم مشهد الكنيسة الذى يثير الضحكات. أجاد نور الشريف فى شخصية الإرهابى الذى يحظى بتعاطف الجمهور، بينما جاءت مشاهد محمود عبد العزيز وسلاف فواخرجى مبالغ فيها، خاصة مع لهجة سلاف التى تذبذبت بين المصرية والسورية. وبالرغم من إجادة ليلى علوى فى الكثير من المشاهد، إلا أن طريقتها أيضاً تذبذبت بين سارة الأمريكية اليهودية المحبة للسلام، وبين ليلى علوى بأدائها التقليدى التى تحاول إغراء المشاهد المصرى بحركات فمها وعينيها!! جميل راتب، ومحمود الجندى، وطبعاً أحمد مكى، أسماء أضافت بصمة لا تنسى فى الفيلم. عيب الفيلم الأكبر هو بعض عبارات الوعظ المباشرة على لسان حسام وسارة فى نهايات الفيلم، والتى اختزلت القضية فى شخصية جورج بوش بطريقة سطحية لا ترقى للطرح المقدم، وبالرغم من ذلك فقد نجح الفيلم فى تقديم رؤية عميقة وبسيطة لا تستخف بعقل المثقف، فى الوقت الذى لا تستعصى فيه على عقل وإدراك المشاهد العادى.