الرصيف أمام المقهى الضيق متوحل بأمطار يناير، غادر آخر زبون، ويبدأ القهوجى الشاب ومساعده يتعاونان فى إدخال الكراسى والطاولات، يجعلانها متراصة بجوار الحائط. يجلسان إلى الطاولة فى الركن الداخلى. تدفئ كتل الأشياء المكان، وما يزيد الشعور داخلياً بالدفء، أن يبدو ذلك السقف المتقرج أكثر قربا لاستطالة صفوف الكراسى. ينظر المساعد إلى الخارج؟ "إيه النظام؟" "عادى وفى الطبيعى" يخرج القهوجى من جيبة قطعة الحشيش، يبرد شيئاً منها بظفر إبهامه فى ورقة البفرة على ضوء المصباح الوحيد الموقد عند المدخل، يكشف ما بالخارج ويصل شعاعه إلى الطاولة منهكا. يختنق بين الركامات وتمتصه الحوائط المسودة برواسب الأتربة وغيرها. أمام الباب، يتقدم عجوز تثقل خطواته طبقات الثياب المهترئة، يربط على قدميه كيسين بلاستيك يغطيان حذاءه. يقوم إليه المساعد بينما يجلس متدعماً بعصاه على الكرسى فى مدخل المقهى: "خلاص يا عم الحاج شطبنا". يعالج القهوجى لفافة السيجارة: "حرام عليك.. شوفه عايز إيه ولو مفيش فلوس مش مهم" يحدب العجوز مستسلماً لسعاله: "حلبه حصى" "بخمسين قرش .. هتدفع؟" من مكان ما بين طيات ثيابه المتراكمة، يخرج كيساً من القماش يعطى منه للمساعد ورقة الخمسين قرشاً. يرمى بالورقة على الطولة أمام القهوجى "ناقصينك"، ثم يذهب ليضطلع بطلب الزبون. يشعل القهوجى سيجارة الحشيش. لم تزل بقايا طرقات الدومينو تضرب رأسه. تجذب نظره ورقة الخمسين قرشاً.. ورقة جديدة مكتوب عليها بالحبر الأحمر فى ذلك الفراغ بجوار صورة الفرعون "حبيبتى نيفين.. كل سنة وأنت طيبة، عام سعيد". يأخذ نفساً عميقاً من السيجارة مسدلاً جفنية مثل درويش صوفى تباغته لحظة الكشف. العجوز يحتضن الكوب بكلتا يديه مستدفئاً.