حياتهم تشبه مياه النيل فى هدوئها واستكانتها أحيانا، وأمواج البحر فى ثورانها أحيانا أخرى، وتشبه البطون الجائعة فى شهرى 5،6 من كل عام....يقطعون مئات الأميال بحثا عن رزق الله، تعترضهم عقبات كثيرة، أولها الحكومة وآخرها القراصنة.. إنهم صيادو عزبة البرج بمحافظة دمياط . بأم عينى رأيت أسطولا من سفن الصيد الكبيرة راسيا فى عزبة البرج، والتى بها أكبر أسطول لصيد الأسماك فى مصر وصناعة سفنه، حوالى 1800 سفينة مابين سفن خشبية للصيد فى البحر المتوسط وسفن حديدية للصيد فى البحر الأحمر. شهرا مايو ويونيو من كل عام يتوقف الصيد حسب القوانين، حتى يتكاثر السمك ويكبر – الزريعة – والصيد فى هذين الشهرين جائر ومجرم، لذلك ترسو السفن فى العزبة للصيانة..ويتوقف خروجها بعد ذلك للصيد على استخراج تصاريح للصيد من دول كاليمن وإريتريا والسودان. الريس حمام البداوى يقول لى : اليمن كانت حلوة زمان بس النهارده غلو التصاريح علينا وبقى الواحد يوصل ل30 ألف دولار بعد ماكان ب10 آلاف بس، ده غير ال5الاف دولار إلى بتتوزع على كل ونش يقابلك، طبعا بشكل غير رسمى. الكاتب : طيب ياريس من المسئول عنكم؟ الريس حمام : وزارة الزراعة والثروة السمكية وكمان الاتحاد التعاوني ورئيسه محمد محمد الفقى بتاع بور سعيد. الكاتب: طيب عرضتم المشكلة على المحافظ ؟ الريس حمام: من سنتين تقريبا، وحتى الآن لا حل. الكاتب: طيب والمطلوب إيه؟ الريس حمام: المطلوب أن الدولة تهتم بالصيادين وتعمل اتفاقيات مع هذه الدول (إريتريا، اليمن، السودان).زى زمان قبل ثمان سنوات . يقطع مركب الصيد المتوجه إلى إريتريا مثلا بعد أن يقوم بالتموين من السويس ثم يخرج من ميناء " برانيس" المصرى القريب من حلايب، يقطع 700 ميل تقريبا فى خمسة أيام ثم يبدأ الصيد هناك حيث المياه غنية بالأسماك الفاخرة كالجمبرى الجامبو والشعور والبهار والوقار والمرجان والحريت والاستاكوزاو المكرونة. على كل تصريح بالصيد تحدد الكمية المسموح بصيدها وهى 50 طنا مثلا وما زاد عن ذلك له سعره، وغالبا ما يتفاهم قبطان السفينة مع مندوب الدولة وتسير الأمور بطريقة " فتح مخك". على المركب الواحد يعمل من 20 إلى 30 صيادا، يقضون شهرا كاملا فى الرحلة الواحدة ذهابا وإيابا، طبعا غلاء التصاريح وندرتها وجشع تجار السمك الذين يشترون السمك عند عودة الصيادين مباشرة يأتى كل ذلك على رأس المواطن، فيكتفى بشراء سمك المزارع السىء الطعم وغير الصحى. أما الآن فقد توقفت التصاريح تماما حسب رواية الصيادين الذين ليس لديهم حتى الآن نقابة تدافع وتصرخ فى وجه المسئولين للأوضاع التى يعيشها هؤلاء. صيادو عزبة البرج يعيشون ضائقة حقيقية فضلا عن إحساسهم بالهوان فى ضوء المراكب الثلاثة المصرية التى تحتجزها إريتريا، أما "ممتاز1 وسمارة" اللذين تحتجزهما قراصنة الصومال فلهم الله ، فحتى الآن مازالوا فى القيد. يروى لى البحارة تجاربهم مع قراصنة الصومال فيقولون بأنك لا تعرف مع من تتعامل، غالبا ما يكون هناك تصريح بالصيد رسمى من الحكومة الصومالية ولكن القراصنة لا يعترفون به، والغريب أنهم يكونون على علم بزمان ومكان مراكب الصيد وموقعها تحديدا، حتى لو أفلت المركب من مجموعة بدفع بضعة آلاف من الدولارات وبعض صناديق السمك، فلن يفلت من المجموعة التالية من القراصنة، فهذا يسلم ذاك. والعجيب أيضا أن كل سفينة صيد عليها جهازG.B.S والذى يسمح بتحديد موقعها بالضبط عبر الأقمار الصناعية ...لكنها لا تعود، كذلك القراصنة الذين يحملون مدافع وأسلحة بدائية وزوارق من الفايبر وعددهم لا يتجاوز الستة أو التسعة، كيف يسيطرون على سفينة كبيرة مليئة بالرجال، لكن سفينتهم لا يوجد عليها مدفع واحد أو أى آلة من آلات لمقاومة. شىء مخزى أن تترك الدولة رعاياها من الصيادين الذين يمدوننا بأرزاق البحر هكذا دون حماية أو وصاية ما بين مطرقة التصاريح المتوقفة والنادرة وسندان القراصنة. طبعا هناك مشروع طموح لمحافظ دمياط الدكتور محمد فتحى البرادعى، وهو إنشاء ميناء جديد لهذا الاسطول العملاق من سفن الصيد وورش صناعتها وصيانتها بدلا من عزبة البرج، وسيقضى هذا المشروع بالتأكيد على المشاكل المتعلقة بالأرض واحتكار عدد بسيط من صناع السفن لها بأسعار رمزية من عشرات السنين وكذلك كمية التلوث البيئى للمياه والشواطئ هناك. لكن تبقى مشكلة هؤلاء الصيادين فى اعتقادى من أولويات الحكومة الحالية بكل وزاراتها المعنية .. وقد آن الأوان لإنشاء نقابة للصيادين، تكون بمثابة صوت مسموع ومؤثر لهم.